أخيرا أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة »البيان الدستوري« الذي يعد بمثابة خارطة طريق ترسم المراحل الدستورية التي ستتم خلال المرحلة القادمة والتي تمتد ربما إلي سنتين أو أكثر لإقامة المؤسسات الدستورية من خلال انتخابات مجلسي الشعب والشوري ورئيس الجمهورية وإعداد دستور دائم للمرحلة القادمة تقوم علي أساسه دولة مصر المدنية العصرية. ويأتي الإعلان الدستوري بناء علي نتائج الاستفتاء الذي جري يوم 19 مارس الماضي وتمت الموافقة عليه بنعم بنسبة 77٪ وإن كان بعض المراقبين يرون أن هذا الاستفتاء لم يكن له ضرورة حيث إن الإعلان الدستوري كان سيصدر سواء كانت نتيجة الاستفتاء بلا أو بنعم وبالتالي فإنه لم يكن هناك أي داع لتضييع الوقت والبدء فورا في إنشاء دستور جديد يتلاءم ويتماشي مع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد حاليا. ومما لاشك فيه أن المرحلة القادمة لابد أن تشهد حراكا سياسيا فاعلا وشاملا وخاصة بعد الإقبال الشديد الذي عبر عنه أبناء الشعب المصري بجميع طوائفه عندما خرجوا بحماس شديد للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء. إن ممارسة حياة سياسية صحيحة تتطلب بكل تأكيد وجود أحزاب سياسية قوية وفاعلة.. ومن هذا المنطلق فإن صدور قانون جديد للأحزاب يسمح بقيام أحزاب جديدة بمجرد الإخطار هو أمر جيد للغاية غير أننا لابد أن نتمحص الأمور وألا نفرط في إنشاء الأحزاب فلدينا منها الآن 25حزبا وفي الطريق أكثر من عشرة أحزاب جديدة وبالتالي فإننا لابد أن نهتم ببرامج وتوجهات هذه الأحزاب والحد من أعدادها عن طريق إدماج الأحزاب التي تتفق في برامجها مع بعضها البعض حتي يكون لدينا 5 أو 6 أحزاب قوية وفاعلة يمكن أن تؤثر في الحياة السياسية وتحقق أحد أهم أهداف الديمقراطية وهو الانتقال السلمي للسلطة. أما الأحزاب القديمة والتي كانت تشكو دائما من عدم مواءمة الحياة السياسية للعمل الحزبي الجاد ومحاولات الحزب الوطني للحد من نشاطها وتقليص فاعليتها وشعبيتها فأعتقد أن المناخ السياسي الآن أصبح مواتيا لها لكي تنشط وتتفاعل مع أعضائها وتسعي إلي ضم مزيد منهم وخاصة من الشباب الذي كان عازفا عن المشاركة في العمل السياسي بصورة عامة.. كما أدعو الشباب والأغلبية التي كانت صامتة في عهود الكبت والقهر السياسي أن تنطلق وتتفاعل وتعبر عن تطلعاتها وآمالها من خلال المشاركة في الأحزاب السياسية سواء القديمة أو الجديدة وذلك بهدف إثراء الحياة السياسية وترسيخ قواعد الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في البلاد خلال المرحلة القادمة. والحقيقة أن التربية السياسية والإيمان بالحرية والديمقراطية لاتتم مزاولتها في الأحزاب السياسية وحدها ولكنها تبدأ أساسا مع المراحل الأولي لحياة المواطن في المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.. في ألمانيا عندما كان أولادي في مرحلة الحضانة رأيتهم يهتمون كثيرا بتربيتهم مجتمعيا وتأهليهم للعمل الجماعي وتقبل الآخر.. نعم في هذه السن المبكرة.. حيث تترسخ القيم والأفكار والمبادئ وتظل عالقة في ذاكرة الإنسان إلي الأبد بما في ذلك قيم الصدق والأمانة والصراحة. والمرحلة القادمة مرحلة دقيقة وهامة للغاية حيث يتم خلالها إعادة بناء الإنسان المصري وتشكيل وجدانه لتتواءم مع الأفكار والمفاهيم الجديدة التي لم يألفها علي مدي ستين عاما وهنا تلعب برامج التعليم والتأهيل والتدريب دورا هاما للغاية بالإضافة إلي دور أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ورجال الفكر وعلماء الدين حيث لابد من تطوير الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي وتبسيط لغة الحوار لتصل إلي قلب وعقل المواطن البسيط وهذه الملايين التي لا تحسن القراءة أو الكتابة. وحمدا لله.. أننا لم نتخلف عن عصر الإنترنت حيث تؤكد الإحصاءات الدولية أن مصر تعد من أكثر الدول المستخدمة لوسيلة الاتصال الحديثة الإنترنت وهو ما أكدته أيضا ثورة الخامس والعشرين من يناير. وأرجو أن يتواصل شبابنا علي هذه الخدمة الرائدة لما فيه صالح مصر سياسيا ومن أجل دعم الاقتصاد المصري سواء في مجال تطوير وتحديث الإنتاج والخدمات في مختلف المجالات وكذلك زيادة الصادرات المصرية خاصة أن الصادرات عن طريق الإنترنت أصبحت تلعب دورا هاما ومؤثرا في التجارة الدولية وكذلك جذب الاستثمارات الأجنبية إلي مصر لفتح مزيد من فرص العمل أمام الشباب المصري. وعن طريق الإنترنت أيضا لابد أن نستمر في التواصل مع مختلف دول العالم لكي نؤكد لهم أننا أبناء الفراعنة وشباب ثورة يناير.. أبناء هذا الشعب الذين سنقضي علي الفساد وسوف نحقق الإصلاح والبناء المنشود لأمتنا لكي تنهض وتصبح في مصاف أرقي دول العالم وحتي يظل انبهار كل شعوب العالم بثورتنا متوهجا. وأود أن أشير في هذا الصدد إلي مبادرة »معهد جوتة« الألماني إلي المساهمة في تطوير وتحديث برامج التعليم في مصر.. والمعروف أن برامج التعليم الألمانية تعد من أرقي برامج التعليم في العالم.