لا خلاف علي أهم مبادئ الثورة المصرية في أن تكون الدولة ديمقراطية مدنية, ولا خلاف علي أن معالم الطريق الي تحقيق هذه المبادئ هو تسليم السلطة من المجلس العسكري الي الرئيس الجديد المنتخب والي الحكومة المدنية التي تمثل مختلف التيارات المعبرة عن روح الثورة. ومثلي مثل كثيرين من أهل الرأي لا أشك لحظة واحدة في أن المجلس العسكري جاد في تسليم السلطة في الموعد المحدد بنهاية يونيو2012 أي بعد خمسة أشهر بالتمام والكمال ذ تحقيق أهداف الثورة من خلال اكمال تشكيل الغرفة الثانية من البرلمان مجلس الشوري بالنزاهة والشفافية والمناخ الآمن نفسه الذي سيطر علي انتخابات مجلس الشعب.. ثم العمل سريعا لتشكيل لجنة اعداد الدستور الجديد, ومن ثم الدخول الي مرحلة الانتخابات الرئاسية التي تنهي جميع الاجراءات الدستورية والديمقراطية للوصول الي الهدف النهائي من الثورة, ومن ثم تبدأ الجمهورية الثانية بخطوات واثقة من تأييد مختلف قطاعات الشعب وتياراته السياسية والفكرية نحو بناء مصر الجديدة ووضعها علي الطريق الي الحكم الرشيد وما يتبعه من رفاهية وفرص متكافئة وتشغيل للطاقات المعطلة واستغلال لكل الامكانات البشرية والطبيعية لخلق بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تعمل علي تحقيق البناء بالأحلام نفسها التي فجرتها الثورة والتي ضحي أبناؤنا بدمائهم من أجلها. هذه خطوات طبيعية ومعلنة ولا تحتمل التأويل والتشكيك.. كل ما نحتاجه اليوم هو الجدية في بناء الثقة المتبادلة بين الشباب الثائر وبين المجلس العسكري الذي كان علي موعد مع القدر في هذا الظرف التاريخي ليتحمل المسئولية في ادارة هذه الفترة الانتقالية التي تتميز بسيولة وتباين المواقف بين جميع القوي الثورية والسياسية, والتي شهدت تراجعا مخيفا في حركة الاقتصاد وفي تدهور الاستقرار الأمني الي مستويات لم تشهدها مصر علي مدي تاريخها المعاصر. ان شريحة بسيطة فقط من القوي الثورية والسياسية هي التي تطالب برحيل المجلس العسكري الآن وفورا علي عكس الغالبية العظمي من هذه القوي والتيارات السياسية سواء القديم منها أو تلك التي ظهرت بعد الثورة, فانها تطالب باستكمال المرحلة الانتقالية الي يونيو المقبل حتي يمكن انهاء الحكم العسكري في الموعد المحدد ودون حدوث أي انهيارات في مؤسسات الدولة, ذلك بالاضافة الي الغالبية العظمي من الشعب المصري فيما يسمي بالأغلبية الصامتة تدين بالعرفان الي قواتها المسلحة والمجلس الأعلي وتعرف كيف كانت ستؤول اليه الأمور لو أن الجيش كان قد اتخذ موقفا مغايرا لما تنادي به ثورة يناير, بل ان الكارثة كانت واقعة لا محالة لو أن خلافا قد حدث بين بعض عناصر القوات المسلحة مجرد خلاف علي الانضمام الي الجماهير وحمايتها أم حماية النظام السابق. حقيقة الأمر ان لا أحد يدرك علي وجه اليقين ما هي الدوافع الحقيقية لهذا الموقف وتلك المشاعر شديدة السلبية تجاه الجيش المصري العظيم, وبالمناسبة, لا يصدق احد ما يصرح به بعضهم بأنهم يحافظون علي الجيش المصري بينما سخطهم فقط ينصب علي المجلس الأعلي.. فالجميع يعرف أن منظومة القوات المسلحة غاية في الدقة والتماسك, وانه اذا حدث تصدع وانهيار في القمة, فسوف يصل تأثير ذلك في اللحظة نفسها الي المستويات الوسطي وبقية القطاعات. المصريون في غالبيتهم العظمي يقدرون بكل الاعجاب والاجلال دور جيشهم العظيم في حماية ثورتهم, بل انهم ينظرون بعيون الريبة الي من ينادي بما يسمي الخروج الآمن لأعضاء المجلس العسكري من السلطة مساووين في ذلك بين من تحمل مسئولية ادارة البلاد في أصعب فترات تاريخها ومن ادار أول عملية انتخابات ديمقراطية أذهلت العالم في فترة لن تزيد عن18 شهرا منذ قيام الثورة وحتي يونيو المقبل, وبين من جثم علي صدورهم30 عاما وأذاقهم مر العذاب وسلبهم حريتهم وكرامتهم وعزتهم وعيشهم وأملهم وعمل علي أن يورثهم كالعبيد الي نجله. حكماء مصر وكبارها يعتبرون أن المناداة في هذا التوقيت برحيل العسكر وسقوطهم لا يمكن الا ان يكون وراءه شيء يحاك ويدبر ضد الوطن.. شيء ما يدمر ما تبقي من مقدرات ومن قوة هذا الشعب حتي يدخل في صراع ابدي لا ينتهي الا بمصر كلها جثة هامدة يتراقص عليها الأعداء. غالبية المصريين ممن يعرفون ويقدرون دور القوات المسلحة في حماية ثورتهم الباسلة وفي رسم ملامح المستقبل الديمقراطي الزاهر, يتابعون الآن في منتهي القلق ما يحدث في اسرائيل من استعدادات وتهيئة لحرب مقبلة محتملة مع مصر تعيد اليهم سيناء بكل كنوزها وبكل أهميتها الاستراتيجية.. ومعذرة ايها السادة.. هذه ليست فزاعة.. ولكنها حقيقة محتملة وتكاد تكون ضرورية بالنسبة لدولة مثل اسرائيل لا تلعب في الفراغ وانما لديها حساباتها الدقيقة التي تقول أن اللحظة الراهنة هي الفرصة التاريخية للانقضاض علي أم العروبة وضمان خروجها تماما من أي تأثير ايجابي في الشرق الأوسط.. والظروف جاهزة وفي خدمة الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي حيث مستويات الأمن في سيناء قد تراجعت إلي أدني مستوياتها مما تعتبره اسرائيل خطرا داهما علي أمن مواطنيها. الهدوء يا شباب مصر العظيم.. لا تنجرفوا وراء الدعوات الهدامة لتدمير الوطن.. موعدنا يوم30 يونيو المقبل بالتمام والكمال, واذا لا قدر الله تباطأ المجلس العسكري في الوفاء بالوعد, سنكون جميعا في الميدان نطالب بحق مصر في الحياة الكريمة الديمقراطية.. أما الآن ولمدة خمسة أشهر فدعونا نستكمل بناء النظام الديمقراطي. المزيد من مقالات محمد السعدنى