ما وصلت إليه الأزمة في مصر من تأزم واحتقان مصحوب بعنف دموي; كان نتاجا مباشرا لسوء الإدارة من جانب أطرافها الرئيسية. فقد بدا جليا أن الرئيس المصري وهو يصدر الإعلان الدستوري الأخير وما رافقه من قرارات وقوانين; لم يكن يتوقع حجم ونطاق رد الفعل السلبي علي تلك الإجراءات الاستثنائية المفاجئة. الأمر الذي يثير التساؤل حول آليات ومعايير اتخاذ هكذا قرارات مهمة في مؤسسة الرئاسة. فالمعني المباشر لعدم معرفة بعض مساعدي الرئيس ومعظم مستشاريه بتلك القرارات مسبقا, الاستهانة بخطورة تلك الخطوة وسوء تقدير لأصدائها المتوقعة. وهو ما تأكد لاحقا بتجاهل تلك الأصداء وتقليل شأنها. فكان الاكتفاء بالتبرير التآمري لخلفيات صدور الإعلان الدستوري, دون شرح أو تفصيل لطبيعة المؤامرة وأبعادها. وكأن لدي الرئيس تفويضا مفتوحا ومطلقا من المصريين, كل المصريين, لاتخاذ ما يراه هو ضروريا لأمن ومصالح البلاد والعباد دون تقديم أدلة واضحة أو دلائل مقنعة. وهو ما لا يتسق مع وجود معارضة متربصة بالرئاسة وقوي ومصالح قد تقضي تلك الإجراءات عليها. مفهوم أن لمسئوليات الحكم مقتضياتها التي قد تدفع الرئيس إلي حجب بعض المعلومات أو تأجيل الكشف عنها. لكن في وضع تجتمع فيه ثلاثة مسارات متعارضة: ثورة غير مكتملة وثورة مضادة تتربص بها ومؤسسات وأجهزة ولاؤها غير معلوم بدقة; فإن القرارات المصيرية بحاجة إلي مساندة شعبية أو مؤسسية تكفل إنفاذها واستمرارها, عبر تعبئة الرأي العام وتهيئته لتقبل القرارات وتطويع المؤسسات المناوئة إن لم يكن تطهيرها. علي الجانب الآخر, اختلط الأمر علي المعارضة بين مصلحة الوطن واستقراره واستكمال الثورة, ومصلحة حزب أو تيار أو شخص يسعي إلي السلطة وكرسي الحكم. حيث استندت المعارضة في إدارة الأزمة إلي استعداء وحشد مستويات مختلفة من مكونات الساحة المصرية ضد الرئاسة, بدءا من إقحام القضاء والقضاة طرفا في أزمة سياسية. مرورا بالتعبئة الإعلامية وتصوير إجراءات الرئيس علي أنها استبداد أخواني وتجسيد لديكتاتورية حكم المرشد. انتهاء بحشد جماهيري اختلط فيه وطنيون يأبون الاستبداد والاستعباد, مع من يتربصون بمرسي أو يكرهون الأخوان, مع من تهدد الثورة المصرية مصالحهم ومصائرهم. وفقا لهذه الحسابات الخاصة نجحت إدارة المعارضة للأزمة في النيل كثيرا من رصيد الرئيس والأخوان سياسيا وشعبيا. لكن في النطاق الأوسع المتعلق بالمصلحة الوطنية أو ما يقتصر منها علي هدف إنجاح الثورة المصرية واستكمالها, يصعب فهم بعض مواقف المعارضة مثل رفع سقف المطالب سريعا بالدعوة إلي رحيل الرئيس ونزع الشرعية عنه بل إسقاط النظام, وهي دعوة سبقت أحداث العنف وسقوط ضحايا. بل لم يميز من طالبوا بإلغاء الإعلان الدستوري كله, بين ما تضمنه من تلبية لمطالب ثورية مثل إقالة النائب العام, ومنح قرارات الرئيس حصانة مطلقة. والأخطر هو الاستقواء المتبادل والتنسيق المريب بين أشخاص وتيارات انتسبت إلي الثورة, مع رموز وقوي لم تكن يوما مع الثورة, بل بعضها ينتمي عضويا إلي نظام مبارك. وانكشفت تلك الازدواجية مع الصمت المطبق عن إدانة أو رفض العنف ضد منشآت بل أرواح مؤيدي الرئيس, فقط لأنهم إسلاميون أو أخوان. ورغم أن الرئيس قبل تعديل الإعلان الدستوري ثم ألغاه بالفعل, ظلت بعض المعارضة علي موقفها. فانكشف أن الدافع لم يكن رفض إعلان ولا اعتراضا علي دستور, وإنما استغلال الأزمة وتعقيدها لتحقيق مكاسب شخصية أو مصالح خاصة. وبينما أخطأ الرئيس بالتعجل وعدم دراسة تبعات إجراءاته, تتحمل المعارضة خطيئة خروج الأزمة عن نطاقها, واصطفاف أصحاب الثورة والموقف الوطني إلي جانب أعداء الثورة وأبناء الحزب الوطني. المزيد من مقالات سامح راشد