انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة التحرش الجنسي بالفتيات والسيدات في الشوارع ووسائل المواصلات وغيرها ولم تفلح الاجراءات التي تم اتخاذها لوقف الظاهرة. ولم يعد هناك حل سوي تغليظ العقوبة علي جرائم التحرش لتحقيق الردع المطلوب. البعض يقترح الوصول بهذه العقوبات إلي حد الأعدام أو السجن المؤبد للقضاء علي هذه الجريمة التي تتنافي مع ديننا وتقاليدنا المصرية وبالفعل هناك مجموعة وزارية برئاسة د.مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية تقوم حاليا بمراجعة هذه العقوبات. لا شك أن تغليظ العقوبات علي جرائم التحرش الجنسي واستخدام العنف والتعرض للإناث بالطريق العام علي وجه يخدش الحياء.. أمر في غاية الأهمية وقد تجعل هناك رادعا قويا لمرتكبي هذه الأفعال.. خاصة بعد وصول هذه العقوبات إلي حد الإعدام في بعض الحالات والسجن المؤبد.. وهي العقوبات التي تدرسها وتتم مراجعتها الآن المجموعة الوزارية برئاسة د.مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية. تحقيقات الأهرام تفتح باب الحوار أمام هذه التعديلات لاستطلاع آراء خبراء القانون الجنائي والشريعة الإسلامية والقيادات النسائية باعتبارهاالطرف الأول المعني والمهتم بالقضية.. د.هدي بدران رئيس مجلس إدارة رابطة المرأة العربية تري من جانبها أن التشريعات القانونية مهمة دون شك ولا غني عنها ولكنها لن تؤتي ثمارها وهي بمعزل عن عوامل أخري أساسية أهمها التشخيص السليم للمشكلة وعلاجها من جذورها والقضاء تدريجيا علي العوامل المؤدية إليها.. وإلا فإنه حتي مع وصول العقوبة إلي حد الإعدام فقد يكون ذلك ليس حلا رادعا لمرتكبي هذه الأعمال الاجرامية.. فالاغتصاب علي سبيل المثال عقوبته الإعدام ولكن هل تراجعت معدلات هذه الجريمة؟ الإجابة بالنفي.. لذلك فنحن نؤكد ضرورة السير في خطوط متوازية إلي جانب تغليظ العقوبات وليس الاكتفاء بها وحدها.. ** تنفيذ الأحكام أولا نهاد أبوالقمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة, تتفق مع الرأي السابق وتضيف قائلة: إن تغليظ العقوبات مطلب أساسي لأن أهم أسباب إنتشار التحرش الجنسي في مصر أنها جريمة بلا عقاب وأيضا غياب مفهوم التحرش عن قانون العقوبات باعتبارها جريمة مستحدثة.. ولكننا في الوقت نفسه يجب أن نكون علي يقين من أن تغليظ العقوبات وحده ليس هو الحل السحري للقضاء علي ظواهر التحرش ولكن الأهم منها هو السرعة الشديدة في تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بمثل هذه القضايا دون مماطلة أو تسويف فمثل هذا التباطؤ أو التراخي في تنفيذ أحكام متعلقة بأمور ذات طبيعة خاصة يجعل الرادع منعدما أمام مرتكبي هذه الجرائم. وعلي جانب الآخر فلابد من تكثيف الوجود الأمني في الشوارع وإجراء التحقيقات مع الضحايا في أماكن مخصصة من خلال ضابطات شرطة نظرا لوقوع هؤلاء الضحايا تحت ضغوط إجتماعية عنيفة.. كما أن تأمين الأماكن المزدحمة في الأعياد والمناسبات فقط أمر غير مقبول والمفروض أن تستمر دون انقطاع مع تكثيف الحملات التي تلاحق ظاهرة التحرش. ** تحقيق الردع رأي الشريعة الإسلامية يعبر عنه د.محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية وكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة قائلا: إن تشديد العقوبات وتحويلها إلي عقوبات مغلظة في جرائم التحرش وإختطاف الإناث واقتران الجريمة بالاعتداء عليهن يتماشي مع سياسة المشرع في تحقيق الزجر والردع للجناة في مثل هذه الجرائم التي تخل بأمن المجتمع خاصة بعد أن أصبحت تمثل ظاهرة لم تكن موجودة من قبل.. وهي تتماشي مع أحكام الشريعة الإسلامية, حيث أنها اعتبرت حماية العرض مقصد من مقاصد الشريعة ووفرت كل الأسباب لحمايته فوضعت عقوبات جدية علي جرائم العرض الكبري كجريمة الزنا والإغتصاب بل إعتبر الفقهاء أن جريمة اختطاف الإناث سواء إقترنت بالاعتداء عليهن جنسيا أم لا من جرائم الإفساد في الأرض والحرابة( تهديد أمن المجتمع) والتي تستلزم عقوبات تتدرج إلي أن تصل إلي الإعدام وفقا لتكرار الجريمة بما يعرف بالعود في القانون الجنائي وذلك لكي يتحقق الزجر للجاني والردع لكل من تسول له نفسه إرتكاب مثل هذه الجرائم. وبمعني آخر فإن تغليظ العقوبات يمس شقين أساسيين كما يضيف د.محمد نجيب عوضين أولهما أنه إقترن بعقوبة الإعدام في حالة الاعتداء الكامل علي الأنثي تماما مثل عقوبة الحرابة في الشريعة الإسلامية وعقوبة الزاني المحصن وثانيهما أنه إذا كانت العقوبة بالسجن المشدد عندما لا تكتمل جريمة الاعتداء الجنسي فتكون عقوبة تقديرية تخضع للسلطة التقديرية للقاضي وظروف الواقعة.. ** تطبيق العقوبة د.عمر سالم أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة ومدير مركز بحوث ودراسات الجريمة يوضح أن التحرش الجنسي والتعرض لأنثي علي وجه يخدش حياءها يعد جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة في درجة أخف من الجنايات وأشد من عقوبة المخالفات.. وللأسف الشديد فإن الكثيرين يعتقدون أن الوسيلة الوحيدة لمجابهة التحرش وانتشاره يتمثل في تغليظ العقوبات.. وحقيقة الأمر تؤكد عكس ذلك تماما لأن علماء العقاب والإجرام أكدوا أن تحقيق الردع بمعني تخويف الآخرين من سوء عاقبة الإجرام يتحقق باليقين من تطبيق العقوبة وليس تشديدها.. بمعني أننا لو وصلنا إلي اليقين من تنفيذ الحكم فسوف يتحقق الردع العام.. أما والحال كما هو عليه الآن من حيث عدم تنفيذ آلاف الأحكام القضائية فإنه لن يتحقق الردع علي الإطلاق حتي لو تم تغليظ العقوبة إلي الإعدام.. لذلك فإن هناك ضرورة حتمية لزيادة قبضة القائمين علي تنفيذ الأحكام ناهيك عن أن هناك بدائل أخري للعقاب من أهمها التدابير الإحترازية لمواجهة الخطورة الإجرامية كأن يتم إصدار قرارات أو أحكام بمنع إرتياد الأماكن العامة لمرتكبي مثل هذه الجرائم. ** المقترحات متوافقة.. ولكن د.حسن جميعي رئيس قسم القانون المدني ورئيس مركز الاستشارات والتدريب والبحوث بكلية الحقوق جامعة القاهرة, يشير إلي أنه إذا كانت المقترحات الواردة في مشروع القانون متمشية ومتوافقة مع الضرورات الملحة بشأن ما طرأ علي المجتمع من الظواهر المتعلقة بهذه الجرائم وانتشارها علي نحو إدي إلي إخافة المارة وبصفة خاصة الإناث وصغار السن.. فإننا نؤكد أن كل هذه المقترحات لم تأت في الحقيقة بتجريم أفعال لم تكن مجرمة من قبل وإنما وردت بشأن تشديد العقوبات بقصد تحقيق أكبر قدر من الردع, حيث أن العقوبات الحالية لم تحقق ردعا عاما.. إلا أننا نفتقد وجود بعض الجزئيات التي يمكن إعادة النظر فيها ليحقق هذا المشروع أهدافه ويتلافي بعض التناقضات ومنها ما ورد بالتعديل علي المادة267 من قانون العقوبات تطرق إلي الفقرة الأولي فجعلها كل من واقع أنثي بغير رضاها كانت العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إلا أن هذا التعديل لم يطل الفقرة الثانية وهي الخاصة بالأحوال التي استهدف المشرع فيها أصلا تشديد العقوبة والتي ورد النص الحالي لها بأنه إذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد.. وإتساقا مع نية المشرع الأصلية واتجاه المشروع المقترح فإنه يلزم أن تكون العقوبة عن الأحوال الواردة في الفقرة الثانية هي الإعدام بدلا من السجن المؤبد.. مدارس التحرش.. محرومة من الجودة! في إجراء حاسم لمواجهة ظاهرة التحرش داخل المدارس قررت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد حرمان المدارس التي تتكرر فيها حالات التحرش من الحصول علي شهادة الاعتماد والجودة مما يهدد بغلقها بعد انتهاء مهلة التقدم للهيئة بملفات الجودة. الدكتور مجدي قاسم رئيس الهيئة يقول: إن وقوع حوادث تحرش جنسي داخل مدرسة يعكس فشل إدارتها في رصد المشكلات التي يعاني منها الطلاب ووضع حلول لها, وهو ما يعني, حسب قوله, أنها لا تستحق الجودة لعدم توافر معاييرها داخل أسوارها, غير أنه تابع موضحا لو تأكدت لجان الجودة أن مدرسة ما وقعت بها حادثة تحرش واحدة بشكل فردي وتم الكشف عنها سريعا ومعاقبة المتحرش فان ذلك لن يعوقها عن الحصول علي اعتماد الهيئة. وفي الوقت نفسه, طالب الدكتور كمال مغيث الخبير بمركز البحوث التربوية وزارة التربية والتعليم بإضافة شرط إلي شروط التعاقد مع شباب المعلمين, وهو نجاحهم في اختبار نفسي شفهي يكشف عن انضباطهم سلوكيا أو أخلاقيا مع الطلاب مع استبعاد من لا ينجح به من التعاقد مع الوزارة أو التعيين بالمدارس. وأوضح مغيث,أن تأخر سن الزواج وتفشي النهم الجنسي بسبب ما تبثه مواقع إلكترونية وقنوات فضائية من مواد مثيرة جنسيا يجعل من الاختبار النفسي لشباب المعلمين أمرا لازما, ودعا التعليم إلي التضامن مع أولياء أمور الطلاب المتعرضين للتحرش عن طريق مساعدتهم في إقامة دعاوي قضائية ضد المتحرشين بتلاميذ وتلميذات صغار السن, علي ألا تمانع بعد ذلك في إخلاء طرفهم من التعليم إدارة أو تدريسا في حالة إثبات القضاء تهمة ارتكابهم التحرش. كما طالب الدكتور أيمن حبيب الخبير التربوي الوزارة بسرعة إضافة شرط الانضباط الجنسي والنفسي إلي شروط التعاقد مع المعلم, والتي ترتكز علي إجادته الانجليزية والحاسب الآلي, علي أن يشرف علي اختبار قياس أخلاق المعلمين الجدد خبراء نفسيون أو إخصائيون يعملون بالمدارس, داعيا في الوقت نفسه أولياء الأمور إلي سؤال أبنائهم الطلاب باستمرار عن كيفية تعامل المعلمين معهم سواء في المدرسة أو الدرس الخصوصي.