لم يكن صاحبنا يدري, أن دخوله هذا الملهى سيكون كابوسا ، يتمدد أمامه.. يهدده .. يخيفه، يخيلُ إليه أنه قد صادق العتمة.. وصاحبَه الجحيم.. لم يكن دخوله إلا لنسيان ما يؤلمه من أوجاع.. يريد أن يتخلص للأبد، من حبال الذكريات التي تخنقه.. صارت تسيطر على قلبه ونفسه.. هي أقرب لأوجاع تحيطُ بما تبقي من أيامه..وتطيلُ لياليه.. لا ياصديقي فصاحبنا ليس معتادا على حياة البارات.. ولم تكن له خبرةً بها.. أو بالمواخير.. كل ما هنالك أن أشار إليه صاحبُه بنسيان حبيبته..فقط يحاول فالكون على حد قوله له ملئً بالجميلات الفاتنات ، (سندخل سويا ومن تعجبك بمجرد إشارة.. ستأتيك.. ستنسيك حبكَ القديم الجديد، اسمع كلامي.. هو احنا هنخسر إيه..) لم يكن صاحبنا في اتزانه.. ولم تعد عيناه ترى في الكون سوى عينيها.. نعم نيفين.. حبيبته.. التي انصهرت داخله.. وانمحى هو بداخلها.. أتت على كيانه.. وامتلأت بها أيامه..افترقا..وضاقت عليه الدنيا بما رحبت.. وصار يحكي عنها للقاصي والداني..لم يقو .. ليت الأمر بيده..قل ما شئت ياصديقي كأنها فعل من أفعال الربابة الذي سمعناه في الأدب الشعبي.. كأنها طقوس.. كأنها حكاياتٌ جديدة عن ليلى والمجنون .. لا ياصديقي: لم يكن صاحبنا سوي متيمٌ بها.. عاشقٌ لكيانها ، يغسلُ بدموعه حكايات عشقه..ويداعبُ قلبه دوما الهوي القابع داخله.. كأن الهوى يمحصُ ما تبقي من وجدان لديه..هو يعلم أنها تزوجت.. يعرف أنها ابتعدت..وأنهما لن يلتقيا.. ولكنه لم يبتعد ..ظل يستدعي صورتها التي لم تمت داخله ..والكلمات التي دارت بينهما .. ولحظاتُ الصمت التي كانت تتحاورُ فيها العيون.. وتفصح عما تخفيه القلوب ..إنه الحب، فلا تتعجب يا صديقي كلها عاشت تلك المعاني.. وفي ذلك البار الكائن بوسط البلد.. جلس وسط الضجيج.. لم يطلب شيئا سوي فنجان من البن الأسود ليحتسيه.. وسط دهشة الجميع.. فما علاقة البن بالمكان الذي نجلس فيه: سأله صديقه ولم يجب.. أصوات الموسيقي تكاد تصمُّ الأذن.. أنوار كثيرة.. حمراء وخضراء.. ورائحة الدخان تعبئُ المكان ..ولا تنس ياصديقي رائحة الخمور غير الشريفة.. ظل ينظرلمن حوله.. رجالا ونساء.. شبابا وفتيات.. يتساءل في دهشة: لماذا جاءوا.. هل لأنهم يتألمون مثلي؟ فضحك صاحبه قائلا: بل جاءوا ليرقصوا.. ويفرحوا.. ويقضوا وقتا طيبا.. وجاءت صاحبة المكان تسأله مندهشة وفي دلع مصطنع : أتشرب قهوة عندنا؟ ومالي أري كل هذا الحزن في عينيك (ياراجل كفاك هما وحزنا ..هو إحنا هنعيش كام مرة).. ثم نادت بأن توضع زجاجات الخمر على المنضدة.. وقالت : (سآتي لك بمن تنسيك همك) وانصرفت.. أما صاحبنا فخاف.. وزاد من انطوائه.. يتأملُ فتيات أكبرهن لا تتعدى الثلاثين من عمرها.. يملأن الصالة بالرقص.. فإذا بإحداهن تلمعُ بشدة عيناها..شديد تأثيرها لديه..بريقُها يأخذه، يرهبه، انتفض فجأة.. مهرولا نحوها.. اقترب أكثر منها.. تسمرت في مكانها الفتاة.. وهو قد تسمر .. لقد وجد حبيبته تبيعُ الهوى.. بكى وانصرف ...... [email protected] المزيد من مقالات أيمن عثمان