في مظلة الحرية ومناخ الديموقراطية يثور التساؤل دائما هل يمكن أن تنهض مصر من كبوتها الاقتصادية التي جاءت محصلة لنحو ثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك تردت فيها مصر إلي وهن سياسي وقصور اقتصادي وظلم اجتماعي ناهيك عن مصادرة الحرية وفقدان الديموقراطية؟ وباندلاع الثورة انبثق الأمل من طيات الإحباط وأصبح علينا نحن المصريين أن نواجه قدرنا ونتخطي جميع العقبات, وأول ما يجب أن نضطلع به هو تثبيت مظلة الحرية ووضع أساس الديموقراطية, وهذا هو الجانب السياسي لانطلاقة الثورة, وبالتوازي مع هذا الجانب نجاهد أن نقيل مصر من كبوتها الاقتصادية. لقد تشكل واقع الاقتصاد المصري في حقبة الرئيس السابق حسني مبارك علي مدي العقدين الأخيرين من القرن العشرين( من1981 إلي2000) والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين(2001 إلي2011): تشكل علي نحو أوقع مصر في كبوتها, ونستطيع أن نتبين ذلك من تتبع بعض ملامح الاقتصاد المصري الآن. فعلي الرغم من تنوع التوزيع القطاعي للاقتصاد المصري فإن قطاع الزراعة يعاني من مشكلة متفاقمة مع الزمن هي محدودية الأرض الزراعية التي تنعكس في محدودية الإنتاج الزراعي وأسهام قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك أدي التوسع الرأسي في الزراعة المصرية إلي الزيادة المضطرة في انتاجية الفدان وإلي ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية إلي بضعة مليارات من الدولارات سنويا مع مطلع العقد الأول من القرن العشرينويمثل قطاع الصناعة أهمية خاصة للاقتصاد المصري حيث يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الربع تقريبا ويسهم القطاع الخاص بنسبة81.3% من الإنتاج الصناعي والقطاع العام بنسبة18.7% منه, وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حققت الصادرات الصناعية طفرة كبيرة حيث بلغت22 مليار دولار في نهاية العقد وتواجه الصناعة المصرية العديد من المعوقات منها ارتفاع تكاليف المنتج الصناعي المصري مقارنة بنظائرها في الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع تكاليف استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وارتفاع سعر الفائدة علي القروض مع انخفاض الجودة مما أضعف القدرة التنافسية لهذه المنتجات في الأسواق العالمية, ويؤدي ضعف القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية إلي إحجام المنتجين المصريين عن التصدير وتفضيل السوق المحلي الذي يتسم بمحدودية المنافسة وارتفاع هامش الربح.. ولكي ينهض الاقتصاد المصري من كبوته وينطلق بمعدلات نمو أعلي لمواكبة التطور السياسي نحو الحرية والديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وهي الأهداف المعلنة للثورة المصرية لابد من حفنة من السياسات المحفزة للاقتصاد المصري أهمها تشجيع الاستثمار والعمل بخطي جادة وسريعة نحو اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والعربية مع توجيهها نحو أنشطة التصدير وتوفير فرص العمل. ويلعب توجيه السياسة النقدية دورا مهما في تحفيز الاقتصاد المصري بتخفيض سعر الخصم وأسعار الفائدة وضبط سعر الصرف عند مستويات واقعية وربط الجنيه المصري بسلة من العملات وليس بالدولار فحسب لضمان مرونة هذا السعر, والموارد البشرية من المتغيرات المهمة في تنمية الاقتصاد المصري وبالإفادة من الميزة النسبية لوفرة الأيدي العاملة في مصر مع تنمية المهارات البشرية التي يتطلبها سوق العمل وتحسين خدمات التشغيل ولا تتحقق الطفرة التنموية للاقتصاد المصري إلا بتطوير القدرات التكنولوجية لفنون الإنتاج ودعم البحث العلمي وتطوير التقنية علي مستوي القطاعات والمنشآت. تلك أهم السياسات الفاعلة في دفع الاقتصاد المصري للانطلاق من كبوته. المزيد من مقالات د.محمد عبد البديع