شريف الغمري أصبحت قضية تقدم دول وفشل أخري موضوعا يشغل كثيرا من المؤلفين في السنوات الأخيرة خاصة بعد أن استطاعت دول صغيرة ومحدودة الموارد في آسيا وأمريكا اللاتينية أن تحقق تقدما كبيرا بينما ظلت دول أخري علي حالها بحيث أصبحت يطلق عليها وصف' الدولة الفاشلة'. كان التناقض الشديد بين وجود دولة غنية ودولة فقيرة ولا يفصل بينهما سوي خط رفيع علي الحدود محل اهتمام بعض الكتاب, حيث تتشابه الظروف المناخية والجغرافية وأحيانا التاريخية في الجانبين ومع ذلك تصبح إحداهما شديدة الثراء والأخري شديدة الفقر. أحد الكتب التي اهتمت بهذه الظاهرة كتاب يحمل إسم لماذا تفشل دول.. أسباب القوة والرخاء والفقر للمؤلفين دارون أسيمولجو وجيمس روبنسون, وبالرغم من أن الكتاب قد تناول بالتفصيل محاولة الإجابة عن السؤال القائل, لماذا تفشل دول ولماذا تتقدم دول أخري؟ فإن المهتمين بهذا الكتاب قد تناولوا معظم ما جاء به من تفصيلات, غير أن حالة الدول المتجاورة لم تنل اهتماما كبيرا, وهو ما سنركز عليه في هذا العرض. المنطقتان المتجاورتان اللتان يظهر بينهما هذا التناقض هما مدينة نوجالس بولاية أريزونا ومدينة نوجالس بمنطقة ثونورا المكسيكية, ويرجع المؤلفان أسباب هذه الفجوة بين المدينةالأمريكية الغنية والمدينة المكسيكية الفقيرة إلي الفرق بين المؤسسات في كل منهما, فالمدينةالأمريكية بها مؤسسات قوية تحمي مصالح الأفراد وتخلق لديهم حوافز للإنتاج والتقدم في إطار خطط وأهداف واضحة, أما المدينة الفقيرة فليس بها مثل هذه المؤسسات أو مناخ الديمقراطية والحرية الكاملة والحوافز للأفراد التي كانت يمكن أن تساوي بين الجانبين المتجاورين, أي أن الوضع السياسي والحرية والديمقراطية هو الذي يخلق هذا الإختلاف في مسألة الثراء والفقر. يقدم المؤلفان نماذح أخري للبلاد المتجاورة التي يظهر فيها الفرق الكبير في الثراء بالرغم من أن السكان سواء في هذا الجانب أو الآخر هم في الأصل شعب واحد ولهم تاريخ واحد, والدليل علي ذلك الأوضاع المختلفة تماما بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية, وأيضا كان ذلك واضحا بين الألمانيتين الغربيةوالشرقية, وذلك قبل سقوط النظام الشمولي في ألمانياالشرقية وتوحيد الشطرين الشرقي والغربي في دولة واحدة. وحين يستخدم المؤلفان هذه الدول كنماذج لأسباب الاختلاف الكبير بين مستويات المعيشة والتعليم والتقدم بشكل عام, فإنهما يقدمان توضيحا لما تحققه الأنظمة السياسية الموجودة في كلا البلدين, فإذا كانت دولة ديمقراطية حرة فإنها تنهض وتتقدم وتزداد ثراء, وإذا كانت دولة تخضع لنظام إستبدادي بوليسي فإنها توقف التقدم وتسبب التعاسة لشعبها. ويشير الكاتبان إلي أستراليا كنموذج للبلد الذي كان شديد التخلف وسكانه بدائيون والأمل في تقدمها كان بعيد المنال, إلي أن هاجر إليها المتوطنون الأوروبيون وبذلوا الجهد الكبير في العمل وفي تطوير دولة المؤسسات بالشكل الذي كانوا يعيشون عليه في بلادهم الأصلية, ولهذا أصبحت أستراليا دولة متقدمة. هناك أيضا نماذج أخري يطرحها المؤلفان من العالم الجديد, أي أمريكا الشمالية والجنوبية, ففي الشمال دولتان هما الولاياتالمتحدة وكندا ومتوسط دخل الفرد اليومي في كل منهما بالترتيب39,47 دولار و27,43 دولار, بالمقارنة بثلاث دول أخري في أمريكا اللاتينية وهم أورجواي الذي يصل متوسط دخل الفرد اليومي فيها إلي59,10 دولار وشيلي الذي يصل دخل الفرد اليومي بها إلي12,10 دولار و الأرجنتين ومتوسط دخل الفرد اليومي بها62,8 دولار, ورغم الفارق الكبير بين دول الشمال ودول الجنوب إلا أن هذه الدول الثلاث تعتبر الأغني في قارتها بمعدل يزيد خمس مرات عن الدخل في17 دولة أخري في وسط وجنوب أمريكا اللاتينية حيث يتراوح دخل الفرد بها ما بين11,1 دولار و97,6 دولار يوميا. إن فرص الثراء والتقدم لا تعتبر منحة لدول دون غيرها ولا هي عقوبة تحرم منها دول أخري, لكن تحقيق التقدم والثراء يأتي نتيجة إصلاح إقتصادي لكن هذا الإصلاح لا يتحقق إلا إذا سبقه الإصلاح السياسي بإطلاق حرية المواطنين وتطبيق الديمقراطية وإيجاد مؤسسات ديمقراطية وإدارية حقيقية وفعالة فهي التي تقود للتقدم وتحقق الثراء للدول والشعوب.