في الجزء الأخير من روايةقصة مدينتين لتشارلز ديكينز, تتحدث الرواية بسخرية مريرة عن عدالة الرعاع. فالمحكمة الثورية تنعقد كل يوم وتقضي بقطع عشرات الرؤوس, بدون أن يتوافر للمتهمين دفاع أو حتي يقدم ضدهم إتهام قوي, فالقاضي يحرص علي تهليل الجمهور له في المحكمة والكل يؤمن بأن الجيلوتين أو المقصلة هي الحل لكل المشكلات. (1) ننصح الرئيس مرسي بأن يتراجع عن القرار الخاطيء بنقل النائب العام للعمل سفيرا لدي الفاتيكان دون أن يطلب هو ذلك, فمن الضروري جدا إحترام قاعدة أن النائب العام غير قابل للعزل أو النقل من وظيفته, فهذا المنصب يوفر له قانون كل ضمانات الإستقلال والحرية لأنه ينوب عن المجتمع في الدفاع عن حقوق المواطنين كافة, كما إنه يستطيع أن يستدعي في أي لحظة أكبر رأس في الدولة للتحقيق معه, والغريب أن قوي ثورية إسلامية ومدنية ديموقراطية ليبرالية تحرض الرئيس علي إصدار قانون جديد تفصيل للسلطة القضائية يستطيع الرئيس بواسطته أن يتخلص من النائب العام, ومثل هذه النصيحة لا علاقة لها لا بالديموقراطية ولا بالليبرالية ولا بأبسط مفاهم إستقلال القضاء وحريته, ولو حدث هذا فإن هذا القانون سيدخل التاريخ علي إنه فضيحة قانونية, وكيف أن تفصيل القوانين ما زال قائما في مصر علي غرار ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق. (2) السؤال في قضية إقالة النائب العام, كيف يسمح قضاة تيار الإستقلال من نوع الأخوين محمود مكي وأحمد مكي وهشام جنينة بصدور مثل هذا القرار, ألم يتشاور الرئيس معهم, وهم يعرفون الحقيقة البسيطة التي تقول أن النائب العام غير قابل للعزل. ألم يشفقوا علي إستقلال القضاء من مثل هذا الموقف مع النائب العام.وهذا القرار لا يمكن أن يصدر إلا بناء علي نصيحة ترزية قوانين من أردأ الأنواع, وبقصد الإساءة للرئيس نفسه قبل أي شيء. الأغرب من كل ذلك أننا وجدنا أن بعض المحيطين بالرئيس من مستشاري السوء تعاملوا مع المسألة كم لو أن النائب العام موظف أرشيف في أي إدارة حكومية, فقد قال أحدهم في برنامج توك شو, أن الرئيس أصدر قراره والمسأله قد إنتهت.هذا الموقف من هؤلاء المستشارين يذكرنا بما فعله مستشارون سابقون مع جمال عبد الناصر سنة54 وأدت نصائحهم إلي ضرب الدكتورعبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة في مكتبه بالمجلس, فهل يسعي المستشارون الجدد لتكرار ما حدث من ستين سنة؟! (3) ماهي مسؤلية النائب العام عن الحكم في قضية الجمل؟ تقف مسؤلية الرجل عند إصدار قرار الإتهام وإعداد قرار الإحالة ثم تسليم المحاضر والأحراز الخاصة بها إلي هيئة المحكمة. فإذا جاء الحكم بما لا يرضيه أو علي نحو يثير في نفسه أسئلة بشأن صحة تطبيق القانون علي الوقائع فإنه يستطيع أن يطعن في الحكم وأن يطلب إعادة المحاكمة, ونحن نتفهم جيدا أن يلجأ الناس إلي التظاهر إحتجاجا علي أحكام قد لا تعجبهم, ولكن يجب أن نتفهم جيدا أن هذه المظاهرات والشعارات التي ترددها إنتهزت فرصة حكم البراءة في قضية موقعة الجمل لكي تحاول التخلص من النائب العام. ويبدو أن حزب الحرية والعدالة يسيطر عليه شعور بالخوف من نتيجة الإنتخابات المقبلة, حيث يعتقد أنه لم يقدم حتي الآن للناس ما يثبت أنه جدير بالفوز بثقتهم. الحادث المروع الأخير لجنود الأمن المركزي في سيناء والذي راح ضحيته48 شهيدا ومصابا يكشف عن درجة عالية من الإهمال والتقصير في التعامل مع قضية سيناء.فالحدود لم يعد يصلح لحراستها إلا أرقي نوعيات الجنود, أما هؤلاءالجنود المساكين الذين حرمهم المجتمع من كل فرصة للتطور والرقي فإنه ظلمهم مرة أخري بجعلهم وقودا لمعركة هم غير مؤهلين للتعامل معها.والمحزن أن أرواحهم راحت هباء ولم يهتم بهم أحد من حيث تكريمهم أوتشييعهم في جنازة رسمية. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن