لو كانت هناك إرادة سياسية لدي النظام السابق, لتفعيل دور الجهاز المركزي للمحاسبات لما وقع كل هذا الفساد الحكومي, ولما جاءت مصر في المرتبة رقم33 من بين41 دولة علي مستوي العالم منها13 دولة افريقية, في التقرير السنوي لمنظمة النزاهة العالمية(GlobalIntegrity) لعام6002, ولما احتلت مصر أيضا المرتبة رقم(92) في المؤشر الخاص بآليات وقوانين مكافحة الفساد والمؤسسات الوطنية القائمة عليها.. ولو أن هناك إرادة سياسية لاصلاح جهاز المحاسبات ونحن نكتب الدستور الآن,, فعلي الجمعية التأسيسية المنوطة بذلك, أن تأخذ بالمباديء الخمسة التي اقترحها أعضاء الجهاز, وتقدموا بها إلي الجمعية, وإلا فإن الجهاز سيبقي منزوع الصلاحيات, وغير قادر علي ملاحقة الفساد, والرقابة علي المال العام!! ولقد تم تشكيل لجنة قانونية متخصصة لصياغة النصوص التي يجب أن يتضمنها الدستور والقضاء علي التعديلات التشريعية التي أدخلت علي قوانين الجهاز منذ نشأته, والتي سلبت اختصاصاته وساهمت في الحد صلاحياته وإتباعه للسلطة التنفيذيةحيث تم تعديل قانون الجهاز4 مرات, فضلا عن عدم وجود نصوص دستورية تحمي استقلالية الجهاز. أما لماذا المطالبة بإصلاح المنظومة التشريعية الحاكمة لعمل الجهاز المركزي للمحاسبات؟.. فالاجابة كما يقول إبراهيم يسري رئيس حركة رقابيون ضد الفساد وعضو الجهاز- أننا نهدف إلي تمكينه من تحقيق الرقابة الحقيقية والفاعلة جميع الجهات الخاضعة لرقابته, ومكافحة الفساد الذي استشري في مفاصل الدولة, ولتحقيق ذلك انتهينا إلي5 مبادئ يجب أن يتضمنها الدستور, وتقدمنا بها إلي الجمعية التأسيسية, وتشمل هذه المبادئ ضرورة وجود نص تعريفي خاص بالجهاز يؤكد علي استقلالية وفاعلية الجهاز, ويحدد اختصاصاته, والجهات الخاضعة لرقابته, وضمان استقلالية أعضاء الجهاز وضمان عدم التدخل في أعمالهم وكفالة الضمانات والحصانات اللازمة لأداء أعمالهم, وضمان عدم تسييس الجهاز بتعيين رئيس الجهاز من بين أعضائه, والنص علي علانية تقارير الجهاز وتفعيلها, فضلا عن ضرورة ضمان الاستقلال المالي للجهاز. وفي محاولات عديدة لتفعيل دور الجهاز في الرقابة علي المال العام, ومكافحة الفساد المالي بالجهات الخاضعة لرقابته, نظم أعضاء حركة رقابيون ضد الفساد, ونادي المحاسبات المصري العديد من المظاهرات, والاعتصامات والمسيرات, وعقدوا ما يزيد علي30 مؤتمرا, وتم تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين لإعداد مشروع قانون للجهاز المركزي للمحاسبات يتلافي هذه العيوب الجوهرية, و تفعيل الجهاز وتعضيد اختصاصاته, وكفالة حيدته, واستقلاليته, ومهنيته, وقد تبني عدد من أعضاء مجلس الشعب السابق وعدد من الأحزاب السياسية مشروع القانون المقترح, لكنه لم ير النور, وقد تم حل مجلس الشعب بحكم قضائي قبل إقرار مشروع القانون المقترح!! ويتضمن مشروع القانون الجديد, والذي لم ير النور بعد كما يقول الدكتور وليد الجوهري رئيس نادي المحاسبات المصري- عدم إلحاق الجهاز بمجلس الشعب كما كان في الفترة من عام1975 وحتي التعديل الذي تم عام1998, وأن يصدر قرارتعيين رئيس الجهاز من رئيس الجمهورية, بناء علي ترشيح الجمعية العمومية للجهاز من بين أعضاء المجلس الأعلي لمدة اربع سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة فقط أو حتي بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب, وأن تخصص إدارة تتبع الوزير المختص مباشرة أو رئيس الجهة بكل جهة من الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز, وتختص بمتابعة تقارير الجهاز والرد عليها خلال شهر من تاريخ إبلاغها بها. و إذا لم تتخذ الجهة الخاضعة لرقابة الجهاز الإجراء المناسب في المخالفة التي أبلغها لها الجهاز أو لم ترد إلي الجهاز خلال شهر من تاريخ الابلاغ, كان لرئيس الجهاز أو من يفوضه ولمدير الادارة المختصة بالجهاز طلب إحالة الموضوع إلي النيابة العامة أو الادارية حسب الاختصاص. ومن حيث المبدأ, فهناك3 أنواع من الرقابة, وتشمل الرقابة المالية والرقابة علي تقويم الأداء وأخيرا الرقابة القانونية, ويقوم جهاز المحاسبات بالرقابة المالية بعد الصرف وليس قبله, ومن ناحية احتمالات التضارب بين جهاز المحاسبات والأجهزة الرقابية الأخري فذلك أمر مستحيل الحدوث,, فالدورالذي يقوم به الجهاز كما يقول عاصم عبد المعطي وكيل الوزارة السابق بجهاز المحاسبات- لا يتعارض مع الأجهزة الرقابية الأخري كالرقابة الادارية, والنيابة الادارية, ومباحث الأموال العامة, لكنه إذا كانت هناك أرادة حقيقية لتفعيل دور الجهاز في الرقابة وكشف الفساد المالي, فإنه من الضروري إبعاد شبهة تبعيته لأي جهة تنفيذية أو تشريعية, لأن كل هذه الجهات تخضع لرقابة الجهاز من الناحية المالية ومن الضرور تحسين أوضاعهم المالية لحصينهم ضد فساد وإغراءات المسئولين,وبالنسبة لتقنيات أداء العمل فيجب إلغاء كلمة سري علي تقارير الجهاز بما يتفق مع الاتفاقية التي أبرمتها الدولة وجهاز المحاسبات مع اللجنة الدولية للشفافية والنزاهة والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد المنبثقتين عن الأممالمتحدة واللتين وقعت عليهما مصر منذ سنوات, باستثناء التقارير المتعلقة بالأمن القومي, وأن يتاح لعضو الجهاز- في درجة وظيفية معينة بدءا من درجة مراقب وحتي درجة وكيل أول وزارة- إحالة المخالفات التي يري أنها تصل إلي حد التعدي علي المال العام وإهداره إلي النيابة العامة للتحقيق فيها حتي لا تضيع هذه المخالفات في دهاليز الروتين الحكومي. وبشكل عام, فإن عدم تفعيل دور فشل الجهاز في مكافحة الفساد, ووقف إهدار المال العام طوال سنوات, يرجع- كما يقول عاصم عبد المعطي- إلي أنه لم تكن هناك إرادة سياسية لتفعيل رقابه الرقابي, فتعيين رئيس الجهاز بقرار من رأس السلطة التنفيذية يغل يده عن الرقابة وكشف الفساد في السلطة التنفيذية, مشيرا إلي أن ما يحاك الآن في الجمعية التأسيسية للدستور هو إقرار تبعية جهاز المحاسبات لمجلس الشعب, و قد حان الوقت لتحقيق استقلالية الجهاز, ويجب أن نجعل عقوبة عدم الرد علي تقارير الجهاز من جانب المسئولين جنائية وليست إدارية كما هو معمول به في القانون الحالي والمطلوب تعديله, إذ ليس من المعقول إن يتم توقيع جزاء إداري بالخصم يوم أو اثنين من المسئول المتقاعس عن الرد علي تقارير الجهاز بينما تكون المخالفات التي يرصدها التقرير- قد تجاوزت ملايين الجنيهات من المال العام.