الجهاز المركزي للمحاسبات أحد أهم وأخطر الأجهزة الرقابية في مصر منذ نشأته عام 1942 للرقابة علي المال العام وحمايته ومحاربة الفساد.. وقد طالته الاتهامات في الفترة الأخيرة بأنه كان أهم الأدوات لحماية فساد النظام السابق والمساعدة في إهدار المال العام خاصة في العشر سنوات الأخيرة.. ومع اندلاع ثورة 25 يناير انتفض شرفاء الجهاز وواكبوا الثورة لاعادة الجهاز الي دوره الحقيقي في حماية المال العام والضرب بيد من حديد علي أيدي الفاسدين.. ونجحوا في إيصال صوتهم للمسئولين بعدم التجديد للمستشار جودت الملط وإنهاء عقد مستشاره محمد ونيس.. وتحقق لهم ما أرادوا. واصل العاملون بالجهاز مظاهراتهم واعتصاماتهم للمطالبة باستقلال الجهاز وعدم تبعيته للرئاسة أو البرلمان واصطدم طموحهم برغبة حزب الحرية والعدالة بتبعية الجهاز للبرلمان وهو ما أشعل غضب العاملين.. وقد قدمت حركة رقابيون ضد الفساد مشروع قانون مكتملاً يحقق استقلالية الجهاز وتغيير مسماه الي الجهاز الأعلي للرقابة والمحاسبة. "المساء" التقت المحاسب ابراهيم أبوجبل رئيس شعبة الجهاز ورئيس حركة رقابيون ضد الفساد وحاورته في مختلف الموضوعات الدائرة علي الساحة بشأن الجهاز. * لماذا كل هذه الانقسامات والاختلافات الكبيرة في وجهات النظر حول مشروع القانون الجديد للجهاز تمهيدا لعرضه علي مجلس الشعب؟ ** الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية وهدفنا الواضح والمعلن هو تحقيق الاستقلالية التامة للجهاز وعدم تبعيته لأي جهة تنفيذية وتشريعية حتي تلقي تقاريره طريقها الي جهات التحقيق ولا يتم ركنها في الأدراج وهناك مشروع رسمي أعدته لجنة مشكلة من الجهاز برئاسة المحاسبة منيرة أحمد القائم بأعمال رئيس الجهاز جار ارساله لمجلس الشعب.. وأيضا هناك مشروع قانون للجهاز أعدته لجنة مشكلة في نادي المحاسبات المصري وحركة رقابيون ضد الفساد وبعض الزملاء من ادارات الجهاز المختلفة. أهم الملامح * ماهي أهم ملامح مشروع القانون؟ ** هذا المشروع يقوم علي 4 محاور رئيسية. روعي فيها توصيات اعلان منظمة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الانتوساي" المنعقد في ليما عام 1977 بشأن المباديء الأساسية للرقابة المالية وإعلان مكسيكو بشأن استقلالية الأجهزة الرقابية لذات المنظمة وكذا المعايير العامة في الرقابة الحكومية الصادر عن ذات المنظمة عام 2010. وهذه المحاور تتضمن : الاستقلالية.. وهي أساس العمل الرقابي للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة. لذا نص المشروع علي تغيير مسمي الجهاز المركزي للمحاسبات الي الجهاز الأعلي للرقابة والمحاسبة ليعبر عن طبيعة هذا الجهاز ودوره. كما نص علي أن "الجهاز الأعلي للرقابة والمحاسبة هيئة مستقلة قائمة بذاتها ذات شخصية اعتبارية عامة تهدف أساسا الي تحقيق الرقابة الشاملة علي أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخري وغيرها من الأشخاص المنصوص عليها في هذا القانون والعمل علي حمايتها. كما تتعاون مع مجلس الشعب في القيام بمهامه الرقابية وذلك علي النحو المبين في القانون". كما تم تغيير طريقة تعيين رئيس الجهاز فبعد أن كان يعين من قبل رئيس الجمهورية دون اشتراط خبرة معينة ولا سن. تم النص علي تشكيل الجهاز جمعية عمومية من أعضاء الجهاز من درجة نائب رئيس جهاز "من فئة مدير عام" تختار من بين أعضائها أعضاء المجلس الأعلي للجهاز وهم 11 عضواً ويتم اختيار رئيس الجهاز بواسطة الجمعية العمومية من بين أعضاء المجلس الأعلي ولمدة أربع سنوات رقابة للتجديد لمرة واحدة فقط. كما تم استبدال مكتب الجهاز الذي كان يتكون من رئيس الجهاز ونائبيه واقدم الوكلاء بالمجلس الأعلي الذي يشكل من رئيس الجهاز وعدد احد عشر نائبا لرئيس الجهاز يختارون بالانتخاب. كما تم توزيع جانب كبير من اختصاصات رئيس الجهاز الي المجلس الأعلي والي نواب رئيس الجهاز. حتي لا تركز في يد واحدة. أضاف أبوجبل أن المحور الثاني يتضمن استحداث نوع رقابة جديد هو الرقابة علي الاجراءات المتخذة في شأن جرائم العدوان علي المال العام. كما تم منح الجهاز اختصاص الرقابة علي الخطط المقدمة للبرلمان قبل اقرارها ليقدم الجهاز تقريره بشأنها ليناقش في ذات الوقت مع الخطة بالبرلمان. والنص علي صلاحيات وحصانات لأعضاء الجهاز تمكنهم من القيام برقابة فعالة وكذا النص علي دخول معقولة لأعضاء الجهاز. قال إن المحور الثالث نص علي تجريم تعطيل أو عرقلة رقابة الجهاز علي أية جهة من الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز. سواء كان مرتكب ذلك من بين أعضاء الجهاز أو غيرهم كما تم النص علي اخضاع الشركات التي يساهم فيها المال العام حتي مبلغ 50 مليون جنيه وكذا كافة الصناديق والحسابات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني وكل جهة تحصل علي تمويل أجنبي تحت أي مسمي "اعانة. دعم. منح. مساعدة. ..... الخ". أوضح أن المحور الرابع يتضمن تفعيل تقارير الجهاز والنص صراحة علي حق رئيس الجهاز ونوابه حتي درجة مدير عام في إحالة الجرائم التي يكتشفها الجهاز الي النيابتين العامة والادارية بحسب الأحوال وتم تغليظ العقوبات علي من يمتنع عن الرد علي تقارير الجهاز أو يماطل في تنفيذها. * هل ستمنح هذه التعديلات تقارير الجهاز صفة الإلزام؟ ** هذه التعديلات تمنح الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز الرد خلال شهر. وفي ذات الوقت فإن المماطل في تنفيذ التقرير يعرض نفسه للمساءلة ويمنح الجهاز حق إحالة تلك التقارير مباشرة الي جهات التحقيق المختصة وإحالة المخالف للمحاكمة التأديبية. * مع بداية اعداد دستور الدولة بعد الثورة. ماذا يرغب الجهاز من واضعي الدستور؟ ** منظمات الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة والعديد من الدراسات المتخصصة انتهت الي ضرورة نص دستور الدولة علي الجهاز الأعلي للرقابة المالية والمحاسبة وعلي اختصاصاته وصلاحياته وحصانات أعضائه وعلاقته بسلطات الدولة وأجهزتها. وهذا ما نطلبه في دستور مصر بعد ثورة 25 يناير. الحرية والعدالة * لكن حزب الحرية والعدالة يريد أن يظل الجهاز تابعا لمجلس الشعب. ما موقفكم من ذلك؟ ** لقد التقينا بعدة شخصيات بارزة في حزب الحرية والعدالة وقدمنا لهم رؤيتنا بشأن مشروع قانون الجهاز وصورة من إعلان "ليما" وإعلان "مكسيكو" ومعايير الرقابة الحكومية وتوصيات بعض الرسائل العلمية. وجميعها أكدت علي أهمية تمتع الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة بالاستقلالية.. كما أوضحنا أن الجهاز بدأ مستقلا عام 1942. وأن تجربة اتباع الجهاز لرئيس الجمهورية عام 1962 ثم الحاقه بمجلس الشعب من عام 1975 ثم اعادة اتباعه لرئيس الجمهورية عام 1998 كلها اثبتت فشلها وضررها البالغ علي فعالية الجهاز في رقابته علي الأموال العامة. أوضح أبوجبل أن البرلمان يسيطر عليه حزب الأغلبية ورقابة الجهاز تشمل الأحزاب ومجلس الشعب والحكومة التي غالبا ما يشكلها حزب الأغلبية وتساءل أبوجبل هل التبعية قدر مكتوب علي الجهاز. اما للسلطة التنفيذية أو للسلطة التشريعية؟!!!! أشار إلي أن التناقض في الانتقال من اتباع الجهاز للسلطة التنفيذية الي اتباعه للسلطة التشريعية لهو دليل علي فساد هذا التبعية وضرورها البالغ علي أداء الجهاز لرسالته في الرقابة علي الأموال العامة.. موضحا أن القدر المستساغ في هذا المجال هو ان يصدر المجلس لائحة الجهاز. وأن يصدر بتعيين رئيس الجهاز قرار من المجلس بناء علي ترشيح من أعضاء الجهاز وأن يكون من بين أعضاء الجهاز دون غيرهم وفقا لآلية معينة يحددها قانون الجهاز.. وغير ذلك نري انه افتئات علي الاستقلالية الواجب توافرها في الجهاز وتوفيرها له. * وماذا لو أصر حزب الحرية والعدالة علي تبعية الجهاز لمجلس الشعب؟ ** نتمني عدم وصول الأمر والي هذا الحد لأنه يتعارض مع ما سبق بيانه من توصيات ومعايير ودراسات. كما يتعارض مع رغبة أعضاء الجهاز.. مؤكدا أن لقاءاتنا المتعددة مع قيادات حزب الحرية والعدالة أثمرت اقتناع بعضهم بضرورة استقلالية الجهاز. * الفساد المالي استشري في الدولة.. أين كان الجهاز؟ ** الجهاز يقدم آلاف التقارير عن حالات صارخة من الفساد. لكنه لايعلن عن تقاريره. كما أن هناك قصورا في تشريع الجهاز حاليا يحول دون محاربة الفساد ويسمح بعقاب من يمتنع عن تنفيذ تقارير الجهاز أو يماطل في ذلك. * هل صحيح ما تردد أن هناك جهات تم منع أو تعطيل الجهاز من ممارسة رقابته عليها؟ ** رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والعديد من الصناديق الخاصة والحسابات السرية. * لماذا لا يتم فتح ملفات الحسابات السرية؟ ** هناك عيب تشريعي لايعاقب من يفتح حسابات سرية دون اخطار الجهاز أو لايقدم مستنداتها للجهاز. كما لا يسمح للجهاز بتتبع تلك الحسابات وجمع المعلومات عنها. فضلا عن عدم كفاية أعداد أعضاء الجهاز للقيام بذلك. الصنلديق الخاصة * لغط كبير دار حول الصناديق الخاصة وحسابات مبارك بالبنك المركزي.. فأين الحقيقة في كل ما تردد؟ ** الصناديق والحسابات الخاصة أربعة أنواع.. أولا : صناديق لها سند قانوني ولوائح معتمدة وبها بعض التجاوزات مثل صناديق الخدمات والاسكان والمحافظات ويتعين الأخذ علي يد المخالفين فيها بقسوة لردعهم. ثانيا : صناديق وحسابات لها سند قانوني لكن ليس لها لوائح معتمدة وبها تجاوزات كبيرة مثل التعليم المفتوح بالجامعات وبعض الصناديق بالمحافظات. ثالثا : مشروعات انتاجية وخدمية مملوكة للوحدات المحلية وغيرها من وحدات الجهاز الاداري للدولة. مثل مراكز تدريب الحاسب الآلي والمخابز ومدارس تعليم قيادة السيارات وغيرها وهي شأنها شأن أي جهة خاضعة لرقابة الجهاز منها ما به مخالفات ومنها ما يدار بشكل سليم. رابعا : صناديق وحسابات ليس لها سند قانوني وليس لها لوائح معتمدة. واغلب مواردها استنزاف لموارد الموازنة العامة ومنها صناديق وزارة الداخلية والعديد من صناديق الجامعات وغيرها.. ويتعين اغلاقها وسداد أرصدتها للموازنة العامة. وبالنسبة لحسابات مبارك بالبنك المركزي فإن البنك المركزي ليس لديه اي حسابات لأشخاص وموضوع ال 9 مليارات دولار هي مبالغ وردت من بعض الدول العربية من عام 1990 وكانت حوالي 8.4 مليار دولار وقام البنك باستثمارها حتي اصبحت حوالي 9 مليارات دولار وهي ظاهرة في حسابات البنك لكن السؤال. ماذا صرف منها وكيفية استثمارها وهل هناك تجاوزات في ذلك؟ هذه أسئلة ينبغي أن يجيب عنها الجهاز بشكل واضح لمجلس الشعب وللرأي العام لإزالة أي لبس أو غموض بشأنه. * هل أصبح الجهاز طاردا للكوادر؟ ** للأسف نعم. فبيئة العمل بالجهاز أصبحت تدفع العديد من الكفاءات لترك العمل إما بالهجرة للعمل بأجهزة الرقابة بالدول العربية أو بشركات القطاع الخاص أو مكاتب المحاسبة الخاصة. وذلك بسبب عدم تمتعهم بصلاحيات ولا حصانات كافية ولا حتي دخل يكفل لهم ولأسرهم العيش الكريم. ويؤكد ذلك الاستقالات المتتابعة لاعضاء الجهاز وحصول بعضهم علي اجازات بدون مرتب..