لو أن رئيس وزراء إثيوبيا الجديد هايلي ماريام ديسالين وأعضاء حكومته كانوا قد بنوا موقفهم الذي تعترض عليه مصر من مياه النيل علي أسس صحيحة وواقعية لما أعرب عن دهشته في نيويورك لأن سياسة القاهرة بشأن هذه القضية لم تتغير بعد خروج مبارك من الحكم. فقد اعتقدوا وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي أنها مسألة شخصية وليست قضية حياة شعب بكامله تعداده تسعون مليونا ويعتمد علي النهر الوحيد بنسبة تتراوح بين95% و97%. ديسالين ومن قبله زيناوي انتقدا مبارك بشدة قائلين إنه اعتبر مياه النيل قضية أمن قومي وعالجها من منظور أمني فقط وأسند أمرها إلي فريق عمل بقيادة رئيس المخابرات الراحل عمر سليمان وهو ما أعاق حسب قولهما التوصل إلي اتفاق بشأن مبادرة حوض النيل التي اقترحتها مصر ومن بعدها اتفاقية عنتيبي التي شقت الطريق إليها إثيوبيا لإعادة توزيع مياه حوض النيل علي أسس جديدة تلغي المعاهدات الموقعة في حقبة الاستعمار خاصة اتفاقية1929 وما بعد الاستقلال وفي مقدمتها اتفاقية.1959 فاتفاقية1929 تعطي مصر حق الاعتراض علي أي مشروع تقيمه أي من دول المنابع علي مجري النيل أو فروعه أو روافده من شأنه أن يؤدي إلي نقص أو تأخير أو إعاقة وصول المياه إليها, وبالتالي لابد من الحصول علي موافقتها أولا. أما اتفاقية1959 فتقسم المياه بين السودان( دولة الممر) ومصر( دولة المصب) بمقدار18.5 مليار متر مكعب للأولي و55.5 مليار متر مكعب للثانية سنويا بعد إضافة ماوفره بناء السد العالي إليها وهناك اتفاقيات أخري سابقة مثل1899 و1902 و1904 و1906 كلها تنص علي هذه المبادئ بشكل أو بآخر. هي فعلا قضية أمن قومي لمصر التي لا توفر الأمطار سوي2% من احتياجاتها سنويا وليس بها نهر آخر, والمياه الجوفية تسهم بأقل من3% من موارد المياه. فكيف يتصور القادة الإثيوبيون أو غيرهم أمن واستقرار مصر إذا نقصت مياه النهر أو تأخر وصولها وهلك الزرع والضرع وتوقف استصلاح الأراضي في بلد تشكل الصحراء والجبال92% من مساحته, بينما يسقط علي الأراضي الإثيوبية نحو800 مليار متر مكعب من الأمطار سنويا ولديها12 حوضا و14 نهرا بخلاف النيل الأزرق ونهري السوباط وعطبرة التي تسهم في مياه النيل الواصلة إلي مصر بنسبة85% ؟. تفهمت مصر تزايد احتياجات دول المنابع من المياه مع زيادة عدد السكان والحاجة إلي مشروعات تنموية جديدة بما فيها السدود التي لا تنقص حصتها من المياه والسدود المولدة للكهرباء اللازمة للتنمية ووافقت علي العديد منها بل وأسهمت في بناء بعضها فاقترحت مبادرة حوض النيل التي تقضي بالتعاون بين دول الحوض العشر في مشروعات توفر جزءا من مياه الأمطار الضائعة في المستنقعات والبخر(مايزيد علي1000 مليار م3) لتأخذ منها كل دولة حاجتها دون ضرورة لأن تقاسم الشعب المصري حصته التي لا تكفيه بالفعل. لكن اصرار إثيوبيا ودول أخري مثل كينيا وأوغندا علي إلغاء اتفاقيتي1929 و1959 بالذات حال دون التوصل إلي اتفاق بشأن المبادرة منذ اطلاقها عام1999 ووقعت أديس أبابا وخمس من حلفائها اتفاقية عنتيبي في أبريل2010 برغم اعتراض مصر والسودان, وبقيت الأبواب مغلقة أمام التفاوض برغم كل المحاولات المصرية وخالفت إثيوبيا المعاهدات وشرعت في بناء سد النهضة الذي يثير مخاوف المصريين لأن سعته التخزينية63 مليار متر مكعب أي ما يعادل ما يرد إلي مصر والسودان من الأراضي الإثيوبية بنسبة80% في عام واحد, فعلت هذا برغم أنه مخالف لأحكام القانون والمعاهدات الدولية والمنظمة لاستغلال مياه الأنهار المشتركة.. فمن الذي يحق له أن يندهش من تصرفات الآخر؟! المزيد من مقالات عطيه عيسوى