التنمية.. ببساطة هي تلك الجهود المقصودة والمخطط لها التي تسعي إلي الارتقاء بأحوال الإنسان من خلال احتياجاته وحماية حقوقه, واستثمار قدراته ومواهبه وإبداعه مع توفير فرص مشاركته في بناء المجتمع مع ما يعطيه ذلك من شعور بالانتماء والرضاء. فجميع هذه الأهداف والآليات لا يمكن أن تتوافر إلا في ظل السلام, فالحروب والصراعات تهدر كل ما حققه الإنسان, تقضي علي جهود التنمية,.. بل وعلي الإنسان ذاته. والعلاقة بين السلام والتنمية متبادلة فالسلام ركيزة التنمية والتنمية تقود إلي السلام, والمقصود هنا هو السلام بمعناه الشامل. السلام بين الدول وداخلها, وبين الجماعات والتجمعات. وبين الأفراد بعضهم بعضا وبين الإنسان ونفسه. وكذلك السلام مع الطبيعة وبذلك يشمل الأمن العسكري والاقتصادي والاجتماعي. والذي يحقق التنمية ويستفيد منها ويوفر شروطها هو الإنسان.. وهو أيضا الذي يقضي عليها ويشعل الحروب والصراعات. بهذا المفهوم فإن السلام الذي هو أمل كل إنسان.. هو أيضا مسئولية كل إنسان والمرأة إنسان.. إنسان يفكر ويعمل وله تأثير كبير علي كل من حوله ويشارك في التنمية.. لذلك جاء إعلان بكين ليؤكد أنه لا سلام دائم دون تنمية حقيقية, ولا تنمية مستدامة دون مساواة كاملة بين الرجل والمرأة. ودور المرأة مهم في مجال السلام ومطلوب قبل الصراعات لمنع وقوعها, أو في أثنائها فهي تحمل عبء مسئوليات المجتمع عندما يذهب الرجال لساحة القتال, كما عليها مسئولية كبري في إعادة الإعمار وإزالة آثار العدوان: المادية والاجتماعية والنفسية. لقد أصبح سجل المرأة والسلام يزخر بكثير قامت به المرأة من أجل وضع حد للصراع في صنع السلام خلال مفاوضات السلام, وفي تحقيق السلام الاجتماعي ونشر ثقافة السلام نشير هنا إلي قليل منه. * بعد أن ظلت المرأة طويلا ينظر إليها فقط علي أنها ضحية الحروب أصبحت تعتبر اليوم صاحبة مسئولية كبيرة في وضع حد لمآسي الحروب وأثبت الواقع مشاركتها في صنع السلام, واسهمت بالفعل في وضع حد للصراع في السودان, وليبيريا, وبوروندي, والأرجنتين, ولبنان, والقوقاز وبوجوينفيل ونيبال.. في مناورات نسائية شجاعة. من ابرزها في كينيا حيث استمر الصراع سنوات طويلة حول منطقة واجير, وبينما رجال العشائر يتقاتلون بشراسة وجدت النساء أنفسهن يوما جالسات معا يحتفلن في حفلة عرس وتساءلن: إذا كنا نستطيع أن نتجمع في حالة من السلام فلماذا الحرب؟ وقالت إحداهن: عندما يشب حريق في بيتي فإني لإ انتظر وأنادي الرجال لإطفائه, إنما أتولي ذلك بنفسي, وبلدنا الآن تحترق. وبدأت النساء في تكوين حركة واجير التي أصبحت الآن رمزا للنجاح. وحشدت النساء بالمئات وكان يوجه لهن هذا السؤال: إن كانت عشيرتي قامت بقتل أقاربك هل ستستمرين برغم ذلك في العمل معنا جميعا من أجل السلام؟ إذا كنت لا تستطيعين أن تقولي نعم فلا تنضمي إلي الحركة, وبعد سنوات من العمل الشاق كانت نساء واجير قد تمكن من تخفيف طابع الوحشية الذي كان يسود الحياة هناك, ونجحن في منع حرب وشيكة عند الحدود مع الصومال. وفي الصومال عندما أدت الحروب إلي انتشار المجاعات وقتل300,000 شخص نظمت النساء حملات للسلام أشار إليها رئيس مجلس الأمن في أكتوبر2000 بقوله: ما كان لمؤتمر السلام أن ينجح دون القواعد والأسس التي طالبت بها المرأة علي مر السنين. * وللمرأة دور في انجاح مفاوضات السلام لعل أبرزه ما حدث في إيرلندا عندما غادر كل الرجال من الجانبين مائدة المفاوضات وبقيت سيدتان كان لديهن اصرار ومثابرة علي التوصل لاتفاق, فانتقدهما الشعب الإيرلندي علي ذلك بل وهدد كل فريق مندوبته واتهمها بالخيانة إلا أنهما ثابرتا وجاهدتا إلي أن وحدتا أرضية مشتركة, واستؤنفت المفاوضات التي أسهمت في تحقيق السلام. وقد اعترف المجتمع الدولي بمستوياته وقدرة المرأة علي المفاوضات لصنع السلام فأصدر مجلس الأمن القرار1325 الذي يؤكد أهمية دور المرأة في منع الصراعات وحلها, وأهمية مشاركتها في مفاوضات السلام وبناء السلام وحفظه. * وإن كان السلام الاجتماعي هو نواة السلام بأبعاده المختلفة, فإن المرأة لها الدور الرئيسي في إحلاله ونشر ثقافة السلام, فهي القادرة علي غرس بذور التعاون والتعايش بدلا من الصراع, هي التي تدرب أطفالها علي قبول الآخرين سواء الذين تختلف ألوانهم أو معتقداتهم أو قبائلهم أو مكانتهم الاجتماعية أو المادية.. وهي أيضا التي قد تغرس بذور التفرقة والتعصب, هي التي تؤثر في عقول الأطفال وتوجه الصغار وتحرك الكبار, هي التي تذهب بأبنائها إلي المدرسة, حيث لها الكلمة المسموعة إذا ما اقترحت مقومات السلام, وهي التي تنظم دعوة المجتمع المدني في المطالبة بالحد من العنف في وسائل الإعلام. اضف إلي ذلك أن المرأة تؤثر فيمن حولها بالكلمة والاقناع والمسلك, وإنها التي تمارس صنع السلام في بيتها وسط شجار الأبناء منذ الصغر, وهي التي تعطيهم حرية الكلمة والرأي أو تكبت التعبير وترفض كل رأي آخر. وهي التي تعطي قدوة الحوار والتفاهم لا القهر والتسلط, وقيمة القبول والتسامح بدلا من الرفض والتعصب, هي أيضا التي تغرس فيهم قيم المساواة بين المرأة والرجل, إنها هي التي تحدد ماذا يقرأ أطفالها من كتب, وما يشاهدون من برامج وما يمارسون من هوايات. هي التي تحدد أولوية المال والمادة في الحياة. هي التي بسلوكها قبل أقوالها تعطي الدرس والمثل. إنها هي التي تنشر في المنزل مناخا معينا إما يؤدي إلي التوتر والقلق أو يقود للسلم والسلام. ومصر لم تكن أبدا غائبة عن هذه الساحة ولها في ذلك انجازات كثيرة في تفعيل دور المرأة لتحقيق السلام ونشر ثقافته, ولذلك حديث قادم هذه لمحات قليلة من كثير تقدمه المرأة للسلام, لذلك فإننا لا نبالغ عندما نؤكد ونكرر أن الاستثمار في المرأة هو في واقع الأمر استثمار في السلام.