لعلني توصلت.. بل تيقنت عند ممارستي للبرامج المتنوعة.. أو دراسة ومناقشة محاور التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وبشريا.. الخ للارتقاء بجوانب حياة الإنسان بمصر.. أن هناك حقيقة.. وواقعا لا يتحمل المواربة المزايدة.. او الاتكالية والتهوين.. فهذه الحقيقة.. وهذا الواقع وهما يمثلان النتيجة في نهاية كل محور تنموي.. أن من يملك قوته.. يملك قراره!! وحتي لا يعتقد البعض.. أن هذا العنوان.. أو تلك العبارة.. تفتقد.. أو لا تستند إلي حقائق علمية.. وعملية.. في واقعنا المصري والوطني.. فلنوجز أهم النتائج للدراسات أو الابحاث التي تؤكد ذلك قبل ان نتطرق الي ما قد يطرح من آراء أو توصيات أو انتقادات.. تشكل في محصلتها.. ما ننشده جميعا من ايجابية المواطن في ممارسة حقوقه والقيام بواجباته في ظل ما يأمله هو.. ويطمح له.. من حق علي وطنه.. وأمل في سياسات يعمها حتي يملك قراره.. هذا من جانب.. وفي ظل ما تطلبه الدولة بسلطاتها وقوانينها من احترام المجموع لاستقرارها والذي يعتبر بلا شك الارضية الصلبة للحفاظ علي حضارتها والتمسك بثقافتها.. مع حماية طريقها للتنمية والتواصل مع قضايا المنطقة والتطور والتقنية مع العالم المتحضر. أولا: ويأتي تقرير التنمية البشرية عن عام 2005 والذي صدر مؤخرا مقترنا بعنوان "اختيار مستقبلنا نحو عقد اجتماعي جديد.. والذي استغرقت الجهود لسنوات عدة لإخراجه بالصورة التي صدر بها إذ أتي بمقدمته الآتي: تنامي الإدراك بأن هناك حاجة "لعقد اجتماعي جديد" يحدد بشكل افضل المفاهيم المتعلقة بحقوق والتزامات المواطنين.. ويضيف.. ان التقرير يبرز ان الاصلاح مهمة يتعين علي الجميع المشاركة في انجازها.. وان النجاح رهن بمشاركة كل المواطنين فيها ولقيام الدولة بتمكين مواطنيها حتي تستطيع ان تقف أمام عالم تستمد فيه المنافسة وتتسارع فيه عملية العولمة. إن عبء التكلفة الذي ينطوي عليه نظام الرفاهة الشامل في مصر وهذا ايضا في مقدمة التقرير يجعل الموازنة العامة لا تستطيع الاستمرار في تحمله "ويقصد رفع مستوي المعيشة والحراك الاجتماعي خاصة بالنسبة للفقراء وهو ما يدفع الي تحقيق مستويات اعلي من التنمية البشرية وقدر اعظم من انتاجية العمل ومعدل اعلي من النمو الاقتصادي..." ويستطرد "الا بمشاركة القطاع الخاص في الاستثمار والتشغيل والتصدير والخدمات العامة.. وتطبيق اللامركزية المالية ولا مركزية السلطة وتوفير حوافز لزيادة المشاركة السياسية والاجتماعية.. وبهذا يمكن للمواطنين ان يشاركوا بفاعلية اكثر في تحسين اوضاعهم. بينما يتضمن التمهيد للمؤلف الرئيسي للتقرير ومدير المشروع بخبرائه الدكتورة هبة حندوسة.. أن مؤلفي التقرير يعتقدون ان الحلم الذي يراود كافة المصريين بالحصول علي خدمة ذات جودة عالية وتحتمي في ظله كل اسرة بنظام يوفر تأمينا صحيا ومعاشا عند تقدم السن والحصول علي عمل مجز ومسكن مريح في حدود قدرتهم المالية.. يمكن تحقيقه بمطلع عام 2015.. وهو التاريخ المحدد لتحقيق الاهداف الإنمائية للالفية.. وتضيف ان ما يقترحه هذا التقرير.. هو انه يتعين الانصراف تماما وكلية عن اتباع سيناريو "استمرار الوضع القائم" ولابد من مواجهة كافة المشاكل التي تواجه المجتمع المصري مثل مشاكل البطالة وعبء الدروس الخصوصية ومخاطر التلوث وصعوبة الحصول علي مسكن ملائم بالنسبة للطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل.. ومن هنا فهي تستبعد ان يأتي تخفيض الفقر بمنح اعانات للفقراء.. بل ان المقترح هو تطبيق نموذج للنمو لمناصرة الفقراء فهي القوة الدافعة الاساسية لإطلاق امكانات الاقتصاد في بلدنا.. وتتمثل الفكرة الجديدة في تحقيق الديمقراطية والمشاركة علي المستوي المركزي الذي اصبح اداة للتحول الثقافي.. فيستطيع المواطنون امتلاك المرافق والخدمات العامة.. وكذلك ادارتها فيحرصون علي الحفاظ عليها.. ثم علي الجانب الآخر.. واعتقد انه مقترح متواز للاختيار.. او انه فكرة موازية ان الدولة تحمل الحماية الكاملة لكل مواطن بصرف النظر عن قدراته ومهنته بتوفير التأمين الصحي والتمويل العقاري للاسر المحدودة أو الفقيرة وضمان الائتمان الذي تحصل عليه المنشآت متناهية الصغر والترسيخ بمبدأ الارتقاء بالجودة في كل مجال وبناء القدرات والتدريب في الجهاز الاداري للدولة والتعليم والمهن الخاصة والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة.. ويضيف التقرير عدة سطور تحوي معلومات يجب التوقف عندها: أن الاقتصاد المتنامي قد لا يتصدي بالضرورة لقضايا تنموية هامة مثل زيادة الفقر والحرمان النسبي.. وتتضح ضعف العلاقة بين النمو والتنمية في حقيقة انه في الوقت الذي حقق فيه الاقتصاد نموا خلال العشر سنوات الماضية..كان الانجاز بالنسبة للتنمية البشرية غير متماثل.. فمع مطلع الالفية الجديدة كانت مصر لا تزال تحتل مركزا متدنيا علي سلم دليل التنمية البشرية العالمي الذي ادخل كمقياس بديل للناتج المحلي الاجمالي.. حيث بلغ ترتيبها ال 119. ومن هنا يطلق التقرير هدفا بالتحول نحو فكر جديد لمواجهة الفقر مع اطلاق قوي النمو ويشير لبرنامج من المقترحات نحو نظام الدعم وتعديل البطاقة التموينية واضفاء الصفة الرسمية علي انشطة القطاع غير المنظم حتي يمكن تحويل اصول الفقراء الي رأسمال.. هذا الي جانب تطبيق اللامركزية الادارية والمالية.. وتوفير وجبة لتلاميذ المدارس.. الا ان التقارير في كثير من سطوره وجداوله واحصاءاته.. يشير الي ان هناك تفاوتا كبيرا ملحوظا بين الريف والحضر وبين اقليمي الدلتا والصعيد من حيث نسب النمو والتنمية والخدمات. ثانيا اتساع مهام الدولة ووظيفتها علي الرغم من اعتقاد البعض ان تعاظم دور المنظمات غير الحكومية مع تنامي الجهود التي يبذلها افراد ومؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في خطط التنمية الشاملة سيؤدي الي تراجع دور الدولة ومؤسساتها في التنمية.. فالزيادة السكانية المتصاعدة وما تتطلبه من موارد مالية ضخمة "يبلغ عدد السكان حاليا 72 مليونا بزيادة تمثل مليونا و 750 الف مولود جديد كل عام". عدم قدرة المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني علي اقامة المشروعات الضخمة خاصة في مجال البنية الاساسية والتحتية بالاضافة الي مسئولية الدولة عن وضع السياسات العامة للتنمية الشاملة.. وكذا تنفيذ خطط التطور والتقنية والاتصالات.. لتواكب التقدم العلمي العالمي حتي ولو شارك فيها القطاع الخاص بالقدر الذي يستطيعه وهذا الي جانب ان اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء في ظل النظام العالمي الجديد كان لها تأثير مباشر علي الدول النامية والفقيرة.. خاصة مع تراجع الدول الغنية والمنظمات الدولية وفي مقدمتها الاممالمتحدة عما اعلنته عام 2000 ميلادية بأنها ستقوم بتطوير برنامجها الجديد في الالفية الخالية لتقليل عدد الفقراء في العالم الي النصف بحلول عام 2005 الا انها اكتفت بتخصيص 7.0% من دخلها القومي فقط للدول الفقيرة للقيام بإصلاحات سياسية وفقا للتوجهات العالمية. ومن الجدير بالاشارة هنا... الي ما اعلنه الجهاز المركزي للمحاسبات مؤخرا في تقريره عن مخالفات مالية وفنية وادارية تم اكتشافها بفحص 1249 جميعة في 16 محافظة.. ويذكرنا ذلك بما تم منذ سنوات قليلة من مسح شامل وتقييم لأداء كافة الجمعيات الاهلية تحت اشراف محافظي كافة الاقاليم والتي اسفرت عن حل الكثير منها نتيجة انحرافاتها.. او عدم القيام برسالتها وتوقف نشاطها.. وهو ما يتطلب البناء عليه باستمرار الرقابة والمتابعة بتطبيق قانون الجمعيات والمؤسسات الاهلية رقم 187 لعام2002 خاصة وان المجتمع في حاجة ماسة لتنشيط منظمات المجتمع المدني.. والحث علي تنامي وتعاظم دور التطوع من اجل تحقيق التنمية وحل مشاكل المجتمع الهامة. ثالثا جمود او تراجع التنمية السياسية بالمشاركة نتيجة لابعاد اقتصادية او الامية العلمية والسياسية فعلي الرغم مما قد نشاهده من مظاهر اقبال المواطنين من نساء ورجال وشباب في المناطق الشعبية والفقيرة.. او بالريف المصري في مواسم الانتخابات.. الا انه مازالت عوامل الفقر والبحث عن مصادر الرزق والانتماء للعصبيات القبلية والعادات.. او الخروج من دائرة البطالة والتعطل عن العمل.. هي المؤثرات الاولي للاقدام علي انتخاب مرشح او مرشحة بذاتها لتحقيق مصلحة ذاتية وشخصية ترتبط في الغالب بقوته ومواجهة متطلبات المعيشة... او الانصراف نهائيا عن هذا الحق او الواجب خاصة مع تغلب الامية والبحث عن "لقمة العيش" علي اي اهتمام آخر. ولعل الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام عبر في مقاله المعنون "ضد الديمقراطية مرة اخري"، الشعب المصري ليس جاهزا بعد "والذي نشر بجريدة الاهرام مؤخرا في 24 ابريل 2006 عن مضمون شبيه لهذا التحليل اذ اورد في سطوره فالنظرة الي البلاد الديمقراطية تقول ان البنية الصناعية والتكنولوجية، وحجم الطبقة الوسطي والتطور في المجتمع المدني، والنضج الجاري في الاجهزة الاعلامية.. كلها توجد في مستويات تصيب الحالة المصرية بالخجل والشحوب.. فمهما كانت الحسابات متفائلة فإن متوسط دخل المصري لم يصل بعد الي 1500 دولار سنويا ومازال ثلث شعب مصر لا يصرف القراءة والكتابة.. "والثلث الآخر الذي يعرفها لا يستعملها كثيرا في الحياة العامة" ويضيف وببساطة فإن الشعب المصري لن يكون جاهزا للديمقراطية ما لم يبدأ بممارستها. هل نتفق حاليا علي ان "من يملك قوته.. يملك قراره" والعكس صحيح..