الصحافة في بريطانيا في مأزق. ويتحسب رؤساء تحرير وملاك الصحف للأسوأ. ومالم تبادر صاحبة الجلالة البريطانية بمشروع للإصلاح الذاتي , فإنها تواجه سيف الاصلاح بقوة القانون. وهذا هو الصراع الدائر الآن بين مشروعات تنظيم الصحافة. في شهر نوفمبر الماضي بدأ ليفسون, بتكليف رسمي من الحكومة البريطانية بالتحقيق في ممارسات ومعايير وأسلوب عمل الصحافة البريطانية, وعلاقتها بالسياسة والشرطة والسلطة. واضطرت الحكومة لفتح التحقيق بعد ضغوط الرأي العام إثر تفجر قضية امبراطورية الإعلام الشهيرة نيوز كوربريشن بقيادة روبرت مرودوخ, الذي خرق صحفيوه القانون وخصوصيات الناس, بمختلف فئاتهم ومكانتهم, بالتنصت علي هواتفهم. وبينما أخذ القضاء مجراه, وقدم للمحاكمة ثمانية من مسؤولي وصحفي ورؤساء تحرير في مؤسسة نيوز انترناشيونال, مالكة وسائل إعلام مردوخ في بريطانيا, واعتقل17 آخرون لأسباب جنائية منها عرقلة العدالة, مضت لجنة ليفسون للبحث عن إجابة لسؤال باتت الإجابة عنه لازمة: كيف يمكن إصلاح الصحافة لتعود إلي دورها الوصي علي المجتمع. وقبل أن يبدأ التحقيق, خاطب ليفسون البريطانيين قائلا: الصحافة تتيح مراقبة ضرورية لكل جوانب الحياة العامة. لهذا فإن أي فشل في وسائل الإعلام يؤثر علينا جميعا. وبحكم أنه قاض, أوجز ليفسون مهمة لجنته قائلا: بناء عليه فإنه ربما يكون في قلب هذا التحقيق سؤال واحد بسيط: من يكون الوصي علي الأوصياء( الصحافة)؟. وبحثا عن إجابة, استجوب ليفسون, تحت القسم وأمام الرأي العام, ما يقرب من150 منظمة و500 شخصية من فئات المجتمع المختلفة. ورغم الحالة العامة من الانضباط والالتزام بالمعايير المهنية في الاعلام البريطاني, استشعر المستجوبون حالة خطر تلوح في الأفق وتشير إلي أن قطاعا من الصحافة البريطانية يتصرف علي أنه سلطة فوق القانون, يدفع الرشاوي, ويعتدي علي خصوصيات الناس, ويبتز السياسيين, ويروج الشائعات, ويتبع أساليب غير قانونية للحصول علي المعلومات. واتفق الجميع علي المبدأ: لا بد من تدخل, شريطة ألا يخل التدخل بحرية التعبير؟ وتلك هي فحوي توصيات ليفسون المرتقبة التي تتعلق, كما قالت اللجنة, بمستقبل تنظيم وأسلوب عمل وإدارة( حوكمة) الصحافة بما يتفق مع الحفاظ علي حرية الصحافة وضمان أعلي مستويات أخلاقية ومهنية. أول ضحية التدخل المطلوب هو لجنة شكاوي الصحافة, جهة مراقبة الصحافة الرئيسية في بريطانيا. وهي لجنة أسسها ويمولها ناشرو الصحف. ورغم أنه ليس لها صلاحيات عقابية, فإن قراراتها بشأن أي شكوي من صحيفة ما لها تأثير معنوي ومحرج تحاول أن تتفاداه الصحف. وتسعي توصيات ليفسون إلي إنشاء جهة بديلة تنظم وتراقب عمل الصحافة. جهة لها أسنان حادة قادرة علي وقف الممارسات الصحفية الشاذة. وهناك مسعي لأن تبادر الصحافة نفسها بإنشاء هذه الهيئة كي يكون التغيير والإصلاح بيد الصحفيين أنفسهم. ومن المقترحات المطروحة إنشاء هيئة معايير وسائل الإعلام تمكن الصحافة من مراقبة ومحاسبة نفسها. والمقترح هو أن يكون لهذه الهيئة صلاحية فرض غرامات تصل إلي مليون جنيه استرليني علي الصحافة المخالفة, في حالة موافقة طرفي الخلاف( الصحافة والشاكين) إلي اللجوء إلي هذه الجهة وليس إلي القضاء. ويترك للمهنة( الصحافة) وضع تصور لكيفية وصلاحيات وطريقة عمل الجهة المقترحة. والبديل هو الاصلاح بيد ليفسون, ويتمثل ببساطة, في سن قانون ملزم بإعادة تنظيم عمل الصحافة, يفرض عقوبات مالية قاسية, وهذا ما يخشاه الصحفيون. موقف الحكومة, حتي الآن, هو كما قال رئيسها ديفيد كاميرون, معارضة سن قانون لتنظيم الصحافة. لكنها توافق الاتجاه العام بضرورة تحقيق الانضباط. والظاهر أن اتجاه كاميرون هو تأييد فكرة إنشاء هيئة معايير الإعلام, تتحمل مسئولية التزام الصحافة بمدونة السلوك المهني, علي أن يكون للصحفيين حق الاعتراض علي تعيين رئيس الهيئة. أما المعارضة تري أن أي تنظيم للصحافة وعملها يجب أن يكون بسند قانوني ملزم.