كان أكثر ما يؤلمنى فى الأزمنة السابقة هو عدم مبالاة كثير من المصريين بما يجول حولنا من تحديات، مقتنعين أنها قضاء وقدر لن تتغير ولن تتحسن. أيضا السخرية مما كان يواجه مصر، كانت تقلِّل من شأن هذه التحديات وبالتبعية تقلِّل من شأن مصر وشعبها وتجعل بعضهم يلجأ إلى المزاح والنكت وحتى الإهانة لتصنيف أدق وأحلك المصاعب. كذلك كانت اللامبالاة تعمى عن رؤية الصالح وتخلطه بالطالح. وكان كل هذا يصب فى منظومة واحدة تجعلنا نبنى عشوائيا ونتصرف غوغائيا ونتجاهل الحقوق ونحلِّل الأخطاء ونعتبر أنفسنا فوق القانون. انت عارف أنا مين؟. كانت تكفل حرية التعامل مع أى قانون وتعطى القائل حقوقا لا نهاية لها. والخطأ كان هو الحق والمستحق, ما الكل بيعمل كده هى جت عليا أنا؟. والآن نسأل هل تغير المصريون؟ هل الدنيا أصبحت غير الدنيا؟ أم نحن كما نحن متفرجون لا يعملون وساخرون يرفضون ومستفيدون لا يعطون؟. بينما وقف البعض فى 25 يناير يطالبون بالعدالة والحرية والكرامة، سوّل للبعض الآخر الإفراج عن السجناء والهجوم على أقسام الشرطة كما سوّل لآخرين السرقة والنهب والتخريب والحرق. ثم تلت فترة زادت الطين بلة، فترة تعثرت مصر كما لم تتعثر من قبل، وأدركت الأغلبية الصامتة التى كانت قد وقفت تتأمل الأحداث عن بعد أن الهاوية الساحقة باتت وشيكة، وبدت مصر كما عرفوها قد ذهبت للحضيض. ثم جاءت قيادة تأمل لمصر الخير وتعمل بجدية من أجلها وينبعث منها احترام لمصر وللمصريين وتقف أمام الفساد وضد التطاول على القانون. تراها تهتف بحياة مصر فى كل مكان وزمان حتى أمام زعماء الدول فى الأممالمتحدة الذى جعل بعضهم آنذاك يهتفون هم أيضا بحياة مصر. هنا امتزج الخوف من الهاوية التى كانت مصر على حافتيها مع الأمل فى غد أفضل لخلق مصريين أكثر دعامة لمصر يكرهون كارهيها ويحبون محبيها. المزح والدعابة والسخرية ستبقى جزءا لا يتجزّأ من مصر وأجوائها وأسلوب تعامل أبنائها مع الحياة اليومية، ولكن أصبح الاستهزاء بالأوضاع لا يوجد له مكان فى مصر الآن، لأن مصر أصبحت فوق كل شيء، لا تُهان ولا تذلّ بل هى فوق الجميع. كان المصريون دائما وأبدا يغنون ويهتفون لمصر، ولكن اليوم يعنون ما يقولون، فالمصرى اليوم ابن مصر، ويقول: أنا رافع راسى تملى فوق طول العمر. يفتخر المصريون اليوم بمصريتهم وتاريخهم وحضارتهم ويحاولون بجدية إظهار الوجه الأفضل لمصر، ويسلِّطون الأضواء على ما هو جميل فى جميع المجالات. وأصبح من يتطاول على مصر يعانى بشدة، كما تنهال اللكمات على الإعلام الغربى، لأنه لا يقول الحق فى حق مصر. عندما وصفت يورو نيوز الإرهابى هشام عشماوى بأنه المعارض البارز، انهالت عليها الانتقادات، حتى اضطرت الصحيفة إلى تغيير عنوانها الرئيسى عن هذا الموضوع إلى مصر تستلم هشام عشماوى أحد أهم المطلوبين المتهمين بالإرهاب. وقالت تدوينه يورونيوز: قمنا بتعديل العنوان الأصلى للخبر من خلال تصحيح توصيف هشام عشماوى. نأسف لهذا الخطأ الذى لا يعكس قطعا الخط التحريرى ليورونيوز. وأثلج ذلك صدور المصريين. إن فخر المصريين بمحمد صلاح ورامى مالك ينبع من كونهما ينتميان إلى مصر ودائما وأبدا يؤكدان هذا الانتماء. لم يسمع المصريون بمينا مسعود، ممثل دور علاء الدين فى الفيلم الأمريكى، لكن عندما هتف تحيا مصر أصبحت له شعبية كبيرة. فخر المصريين باختيار محمد العريان رئيسا لكلية كوينز بجامعة كامبريدج وتعيين مينوش شفيق كأول امرأة ترأس كلية لندن للاقتصاد نابع أيضا من مصريتهم، وعندما لُقِّب الدكتور مجدى يعقوب بأسطورة الطب فى العالم تعالت صيحات الاعتزاز والفخر. لا يفتخر المصريون بالأفراد فقط بل بالأماكن والتراث والأحداث والتاريخ والجهد. كثرت جمل الفخر مثل «هذه ليست شواطئ نيس أو كان إنما هى مرسى علم أو سهل حشيش والصورة دية مش من باريس ده التجمع الخامس» ووسط البلد أصبح مزارا وتعيشى يا ضحكة مصر وحلوه يا بلدى، حتى الأحياء القديمة تنال نفس الإعجاب: حى الجمالية، سأدعم السياحة المصرية. وسعادة المصريين من الأعمال الكبرى مثل أنفاق سيناء أو محور روض الفرج إثبات أنهم يكنِّون لبلادهم أحر الامنيات. اما عن فخرهم بافتتاحية مسابقة كأس الامم الافريقية فحدث ولا حرج. العطاء قد تكاثر والتبرعات قد تكاثرت أكثر، فقد أنشئت عشرات المستشفيات الكبرى فى الصعيد والأقاليم الأخرى، والعطاء لا يقف عند التبرع بل يتوسع ليشمل أعمال الخير وتكافل المحتاج. والأهم أن الفساد الذى كان على عينك يا تاجر, وإن كان لم نتغلب عليه نهائيا، فتضاءل خوفا من العواقب. كانت هذه المشاعر الفياضة قادمة لا محالة، إنما احتاجت اجتماع الاثنين معا: الخوف على مصر والأمل فى الغد. فهل تغير المصريون؟ بالطبع. وهل نطمع فى المزيد؟ بالتأكيد، ولكن نحن دون شك على الطريق الصحيح. تحيا مصر. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى