بعد إعلان نهاية ما سمى بدولة الخلافة فى سوريا والعراق، كان السؤال لدى الخبراء والمهتمين بمتابعة تحركات تنظيم «داعش» الإرهابى: ما هو الهدف التالى الذى سينقل إليه «داعش» عملياته الارهابية، وفى أى مكان، وعلى أى صورة سيكون ذلك؟. ورأى كثير من المحللين والدارسين لمكافحة الارهاب، أن »داعش« لم يعد متاحا له الفضاء الذى تسميه دولة، أو الوجود فى مجال إقليمى محدد، يسيطر عليه، وبالتالى لن يجد أمامه سوى القيام بعمليات تنتشر فى أنحاء بعيدة من العالم، وليس بالضرورة فى الشرق الأوسط، مستخدما وسائله التى حققت له الشهرة, وهى القتل للقتل والتفاخر به وقطع الرءوس، والتمدد إلى أماكن لم تكن عملياته تصل إليها من قبل، مثل سيريلانكا والفلبين وأماكن أخرى فى الكاريبى، وانزال خسائر ضخمة بالبشر بشكل عشوائى، مثلما قتلوا فى سيريلانكا فى عملية واحدة 250 شخصا، وتنفيذ 8 عمليات انتحارية فى ستة مواقع فى ثلاث مدن مختلفة، بطريقة القتل دون تمييز لمسلمين ومسيحيين على السواء، وتنفيذ هجمات على مساجد وكنائس. إن الهدف الأساسى لداعش أن تظل عملياته الدموية والوحشية الصادمة، تذكر العالم بأنه مازال له وجود، وكأنه يرد على التقارير التى انتشرت عقب هزيمته فى سوريا والعراق، وما أعلنه الرئيس الأمريكى ترامب، من أن داعش قد هزم تماما. وفى سبيل تأكيد رؤيته، اتجه إلى تكثيف نشر لكل جريمة يرتكبها على وسائل التواصل الاجتماعى، وأن تظل عملياتها تحتل عناوين الصحف وشبكات التليفزيون، وهو يعتمد فى ذلك على استخدام رصيد الأموال التى قد نهبتها من بنوك سوريا والعراق، وأيضا ملايين الدولارات التى هربها من بيع مسروقاته من البترول السورى والعراقى، والتى أودعها بنوكا خارجية أهمها بنوك تركيا. ولاحظت تقارير صحفية، منها ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وجود تشابه فى السلوك بين «داعش» عقب هزيمته فى سوريا والعراق، وبين ما سبق أن حدث لتنظيم القاعدة. وتشرح هذا التشابه دراسة للمركز الدولى لدراسات التطرف فى كينجز كولدج فى لندن، حيث أشارت إلى أنه عندما وجهت ضربات قاصمة لتنظيم القاعدة فى أفغانستان عام 2002، ضعفت قنوات الاتصال المركزى بين قيادات القاعدة، وبين المنتمين له فى مناطق أخرى فى العالم، ضمن تنظيمات تحمل مسميات أخرى غير القاعدة، مما دفع هذه التنظيمات بعد ذلك إلى تنفيذ نفس العمليات الارهابية، لكن بشكل لامركزى متأثرة بأفكار القاعدة دون وجود الاتصال المباشر أو التنسيق مع قيادات القاعدة. نفس الأمر تكرر مع تنظيم داعش حيث لجأ إلى تجنيد مقاتلين منتشرين فى مناطق بعيدة من العالم فى أوروبا وآسيا وإفريقيا، إلى جانب تسهيل وصولهم إلى ليبيا بمساعدة دول تدعم الارهاب مثل تركيا وقطر. ومن بين أساليب «داعش» التى طور بها عملياته لضمان استمرار اعتقاد العالم بأنه لايزال موجودا، ما ذكرته ريتا كاتز, مؤسسة مجموعة مركز سايت الاستخباراتى المختص بمتابعة ومراجعة عمليات الدعاية التى تقوم بها المنظمات الارهابية، حيث أوضحت أن داعش يسعى لاستقطاب أعضاء من منظمات أخرى متطرفة، خاصة هؤلاء الذين أبدوا تعاطفا مع عمليات «داعش» فى سوريا والعراق، ومنهم أعضاء فى تنظيم الاخوان، وبثت تسجيلات فيديو لهؤلاء المتطرفين وهم يعلنون ولاءهم. وفى هذا الإطار استطاع داعش تجنيد أعضاء من جماعة أبو سياف الارهابية فى الفلبين، ليستخدم انضمامهم له فى الدعاية لنفسها بأنه استطاع أن يحقق وجودا لها فى جنوب شرق آسيا. وحسب ما قاله ليث الخورى المدير بمركز فلاش بوينت، الذى يركز على تقييم تهديد الارهاب فى العالم، لم يعد »داعش« تعتمد تماما على أعضاء التنظيم وحدهم أو ما تبقى منهم، بل على إقامة شبكة ارهابية متعددة الانتماءات فى العالم.