محاولة الإجابة عن تساؤل هل قضية الإعلام الخارجى تآمر أم تقصير لم تستغرق وقتاً ولا مجهوداً فقد كان واضحاً أنها تعانى الإثنين مما يعنى أن مواجهتها بأسلوب علمى رشيد يقتضى التعامل مع المصدرين. التآمر علاجه ليس فى ايدينا بصورة كاملة لأنه، يرتبط بسياسات دول وأجهزة وجماعات معادية لمصر تعانى كلها مرضا يجعلها ترى كل شيء سلبياً وإن لم تجده فإنها تقوم بتأليفه. أما أوجه التقصير فإن علينا واجباً وطنياً قومياً أن نتعرف عليها ونواجهها لنعمل شعباً وحكومة على علاجها وعلينا التعامل مع كليهما فى إطار إعتبارات معينة أشرنا الى بعضها ونستكملها. الإعلام بوسائله المتعددة وأولها الكلمة المذاعة أو المكتوبة نشأ كى يٌعلم الناس الحقائق وكى تصلهم تعليمات ومطالب القائمين على الحكم. كان بعض موظفى الدولة يطوفون بالطرقات والشوارع يعلنون ما تريد الدولة أن تخبرهم سواء بالنسبة لأحوال تهم المواطنين مثل أحوال الفيضان أو فرض ضريبة أو توفير خدمة. بظهور الكتابة أصبح المسئولون يكتبون ما يريدون أن يصل للمواطنين على ورقة تعلق فى الطرقات على الحوائط أو الأشجار أو توزع ويقوم غير الأمى بقراءتها للأميين. لم يكن هدف الإعلام فى بدايته، التعبير عن الرأى أو نقد المسئولين أو النصح أو مشاركة الشعب فى اتخاذ القرار أو الإساءة الى أفراد أو دول معينة، ولكن لمعرفة الحقائق وتحديد المسئوليات. تغير كل ذلك وأصبحت وسائل الإعلام يساء استعمالها. لم تعد قائمة على الحقائق، ولكن تستخدم للتضليل أو إثارة الشعب أو إسقاط نظام أو الإساءة إلى شخص أو لتشويه صورة دولة. الإعلام المضلل يقوم على نيات سيئة وفكر مضلل والفكر لا يواجهه أو يغيره أو يعالجه إلا فكر آخر يقوم على الحقيقة والواقع. مما يعنى أن مواجهته تكون بفكر آخر يقوم على الاتصال الذكى لنشر الحقائق وتصحح الأكاذيب السياسات والقرارات والعلاقات الدولية لم تعد تقوم على المبادئ إنما على المصالح وهناك حكومات دول تتصور أن مصلحتها فى تفكيك مصر وإضعاف جيشها حتى تسيطر على المنطقة وهو تصور خاطئ لابد أن ننبه لأضراره ونهتم به خاصة وقد بدأ عدد من مواطنين فى أوروبا وأمريكا يدركون أن سياسات حكوماتهم تلحق الضرر بهم أمنياً واقتصاديا وأصبح علينا استثمار ذلك الواقع خلال اتصالاتنا. بغض النظر عن مواقف الحكومات وتخطيطهم للسيطرة على الشرق الأوسط وعموده الفقرى مصر.. تظل الشعوب هى صاحبة السلطة الحقيقية التى يمكن أن تؤثر على حكوماتها وهى السلطة التى يجب مخاطبتها. وإن كانت الأجهزة الحكومية المصرية تقوم ببعض المحاولات فى اتصالها بنظرائها من الحكومات فى بعض الدول، فإن الحملة الإعلامية الذكية تتجه للشعوب. تشكيل الرأى العام العالمى لم يعد يقوم على ما تقوله الحكومات فكل منها تدافع عن سياساتها ووجهة نظرها أو مصلحة حكامها. الشعوب تميل إلى تصديق ما يقوله المواطنون والمنظمات غير الحكومية أكثر مما تقول الأجهزة الرسمية. مما يعنى أن تحريك الشعوب بالشعوب يكون أكثر تأثيراً من اتصال الحكومات ببعضها. نحن لا يمكننا التأثير على الحكومات لتغيير مواقفها، لأنهم فى حقيقة الأمر لا يهمهم رأينا ولن يستمعوا إلينا ليس فقط لأننا لا نحسن استخدام الأوراق التى فى أيدينا لكن أساسا لأنه ليس لنا صوت انتخابى، هم يستمعون لمواطنيهم الذين لهم حق التصويت، وإبقائهم فى السلطة أو إزاحتهم عنها. هؤلاء علينا توصيل الحقائق اليهم وهم يصبحون قوة الضغط على حكوماتهم ويظل دور اتصال الشعب بالشعب هو الأقوى والأكثر تأثيراً. هذه بعض الاعتبارات التى يجب أن توضع على أساسها خطة ذكية لمواجهة الإعلام الخارجى المضلل. بالنسبة لأوجه التقصير فهى متعددة بين البحث الأولى أن هناك جهداًً مبذولاً ومحاولات يقوم بها عدد من الوزارات والمؤسسات فى ساحة الإعلام الخارجى لتوضيح حقائق ما يحدث فى مصر، رغم ذلك أثبتت متابعة ما ينشر ويذاع عن مصر من أكاذيب وأخبار مضللة أن هناك حاجة ملحة للتعامل مع هذه القضية بأسلوب أكثر كفاءة. تبين أيضا أن تأثير هذه الجهات خافت غير موجود أو غير محسوس والتنسيق بينها يكاد يكون غائباً. إننا لا نتحرك بما يكفى. مكاتبنا فى الخارج وهى متعددة. المراكز الثقافية للسفارات أغلبها عازف عن العمل لا هم له إلا الشكوى من قلة الإمكانات. تبين ايضا أن الإعلام الداخلى غير الدقيق أو المضلل أو المغرض أصبح أهم مصادر ما ينشر فى الخارج ضد مصر. هذه التعديات وتلك الفضائيات لابد من محاسبتها وردعها فى إطار القانون مع عدم المساس بحرية الرأى. قضية الإعلام الخارجى ليس مجرد مسألة دعاية لمصر والحرص على سمعتها وإنما هى مسألة تتعلق بالأمن القومى والاستقرار والتقدم الاقتصادى والاستثمار والسياحة وغير ذلك كثير.. قضية لابد أن تعطى الأولوية التى تستحقها والحد من اضرارها وذلك اسوة بمشكلات كثيرة طال إهمالها عبر السنوات وأصبحنا اليوم نهتم بها. المسئولية هنا لا تقع على الحكومة وحدها إنما على الإعلاميين والمنظمات المدنية والجمعيات الأهلية ونواب الشعب بل وكل مواطن يهمه أمر وطنه خاصة كل من لهم اتصالات بمؤسسات أو منظمات فى الخارج. عليهم جميعا التنسيق للإسهام فى تصحيح الواقع، ونظراً لأن الاتصال بالشعوب والمؤسسات غير الحكومية أنجح وسائل الإقناع وتصحيح المعلومات المغلوطة وإيماناً بدور كل مواطن فى المشاركة والعطاء، بادرت مجموعة من المواطنين بمحاولة للتصدى لذلك الإعلام المضلل الذى يسيء إلى مصر شعبها وقيادتها. والحديث مستمر. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا