الإنسان ما يعلم, والإعلام والمعرفة لها مصادر متعددة تشمل ما يسمع وما يقرأ وما يرى وما يشعر وما يتعلم وما يمر به من تجارب وخبرات، كلها تتجمع وتتفاعل وتكون رصيدا يوجه الفكر والسلوك والقرارات أصبحت المعرفة تشكل العقول والسياسات، يتشكل الرأى العام العالمى حسب ما يصل الشعوب من معلومات وما تتخذه الحكومات من قرارات. المهمة الأساسية فى التأثير على ذلك الرأى العام لا تقع على من يتلقى المعلومات بقدر ما تقع على من تتناوله هذه المعلومات. عليه التصدى لها وتصحيحها إذا ما حادت عن الصواب.. ومطالبة المعتدى بالالتزام بالحقائق.. تجاوزات الجزيرة وسى إن إن وأمثالها تنتهك أخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف الإعلامى كما تنتهك حق الإنسان فى المعرفة واحترام ذكاء الشعوب وعدم تضليلها. هذه التجاوزات والأكاذيب لا تسيء إلى مصر بقدر ما تسيء إلى من يروجون لها.. وهى تفتح ملف الإعلام الخارجى الذى علينا تناوله باهتمام وبالأولوية التى يستحقها ونبدأ بالتساؤل: هل ما تتعرض له مصر فى كثير من وسائل الإعلام هو تآمر أم تقصير؟ التآمر أسبابه واضحة أطرافه تشمل جماعات ودولا وتنظيمات وقوى كبرى كلها يؤلمها أن شعب مصر تخلص من حكم أتوقراطى ثيوقراطى كان يتلقى منهم المال والأوامر أساء إلى مصر وإلى المعتقدات الدينية. كانت ثورة 30 يونيو صفعة قاصمة لمن تصوروا أنهم نجحوا وسوف يقسمون المنطقة ويسيطرون عليها عن طريق احتلال مصر.. لكنها مصر حررت نفسها بنفسها من خطط الاستعمار والتقسيم، واليوم تشق طريقها نحو أهدافها بالعمل والقيادة الرشيدة. استعادت مكانتها الدولية والإقليمية. تماسك شعبها رغم الأزمات، يسير فى خطى ثابتة لتحقيق تطلعاته فى حياة كريمة يبنى أركانها بسواعده. عندما أفسد الشعب على أعداء مصر خططهم الشريرة فقدوا التوازن وأقدموا على محاولاتهم وخططهم فى نشر الأكاذيب والشائعات المضللة ومحاولات تقسيم الشعب. زادت جرائمهم عدداّ ووحشية وارتفعت نغمة الإعلام المضلل ضد مصر فى مؤامرة واضحة المعالم التآمر إذن موجود. هذا الواقع لا يمنع الاعتراف بأن هناك تقصيرا من جانبنا لعل سببه الانشغال بتوفير الأمن وتحقيق التنمية فلم تحظ مسألة الإعلام الخارجى بالإضافة الى مواجهتنا الشائعات داخليا بما تستحق من اهتمام وأولوية حيث تتطلب وضع خطة ذكية للتصدى للأكاذيب ومواجهة تآمر الإعلام الخارجي. أصبح علينا تناول مسألة الإعلام الخارجى بجدية والتصدى لها بالقدرة والكفاءة التى أثبتناها فى مجالات أخرى كثيرة وذلك فى ضوء الاعتبارات التالية: -الإعلام ليس مجرد هواية أو تسلية أو وسيلة للكسب السريع إنه علم له أصول وقواعد وقيم راسخة للممارسة، وأخلاق ومواثيق شرف. بما يعنى أن الساحة ليست مفتوحة وكل شيء مباح، بل يمكن محاسبتهم سياسياً وقانونياً وقضائياً.. تعددت أشكال الإعلام ووسائله ما بين صحافة وراديو وتليفزيون. أضيف إليها أسلوب التواصل الاجتماعى بما له من بعض المزايا وما أصبح عليه من سلبيات وسيئات برع أنصار الشر فى استخدامها. أقدم عليها الشباب وأصبح يتأثر بها كثيراً.. بدأ المجتمع الدولى يكتشف أخطارها ويسعى لوضع الوسائل التى تواجهها. واتخذت دول عديدة اجراءات للحد من تأثيرها السلبي. فى الولاياتالمتحدة حكم أحد القضاة حكماً لمصلحة وكالة الأمن القومى فى قضية ضد مراقبة اتصالات الإنترنت دون أمر قضائى لأنها مسألة أمن قومي. هذه الوسيلة علينا مواجهة سلبياتها واستثمار قدراتها فى خطة علمية عملية ذكية. -ثمة حقيقة راسخة هى أن القنوات التى تحاول الإساءة لمصر تسيء إلى نفسها وإلى دولتها تضرب مصداقيتها وتنهار مكانتها عاجلاً أو آجلاً. cnn التى أنشأها تيد تيرنر حتى يعرف المجتمع الأمريكى الحقيقة، حادت عن هذا الهدف وأصبحت وسيلة للتضليل لدرجة أن قامت المظاهرات ضدها فى أكثر من مكان ورفعت عليها الدعاوى القضائية.. الجزيرة التى تعترض على كل شيء فى مصر خاصة كل ما يتعلق بالجيش أفلست لدرجة أنها خصصت برنامجاً لنقد الكعك الذى يقدمه الجيش للمواطنين بمناسبة الأعياد.. وعقدت جلسات لتذوق هذا الكعك.. منتهى السطحية والهزل. وهنا نتوقف لنؤكد أن سقوط قطر أو اهتزاز مكانة cnn يجب ألا تؤثر فى قضية ضرورة الاهتمام بالإعلام الخارجى فهناك قنوات أخرى تعادى مصر ولأن ضعف هاتين القناتين دافع لأعداء مصر لتكثيف جرائمهم ضدنا ومحاولة إنشاء أو شراء قنوات أخري. -إن أفضل وسيلة لتصحيح الصورة هى تصحيح الأصل. إن ما حققنا ونحقق من تنمية وإصلاح فى مجالات كثيرة هو الرد الحاسم على ما يقال علينا التعريف به وبدور مصر فى حفظ السلام العالمى ولا نقتصر على مجرد الرد على الأكاذيب. -هناك تطور إيجابى حدث بالتدريج وبدأت بعض وسائل الإعلام تتناول ما يحدث فى مصر بصورة موضوعية وإيجابية لكن ذلك لم يتم نتيجة لجهود أو برامج الجهات المسئولة عن الإعلام إنما جاء نتيجة لما يقوم به الرئيس شخصياً من اتصالات ولقاءات. ونحن فى سعينا أن نكون دولة مؤسسات لابد من تفعيل مؤسسات الدولة.. -علينا أن نعترف أن هناك أخطاء يرتكبها بعض المسئولين تسيء إلى سمعة مصر وصورتها، علينا عدم التراخى فى توقيع العقوبات الرادعة خاصة على مرتكبى الفساد والذين يرتكبون جرائم طائفية.. هذه وغيرها تعتبر مادة دسمة للإساءة لمصر يستمر الحديث عنها أياما وشهورا قبل أن تبدأ الجهات المسئولة بالرد عليها. وهناك فى الداخل من يسيئون إلى مصر. أصبحوا مصدرا لمعلومات مغلوطة أو مبالغ فيها ومرجعاً يمد أعداء مصر بمادة إعلامية تسيء إلينا حيث يتم استخدامهم كمصدر للكثير من التقارير السلبية التى تنشر وتذاع. الإعلام الخارجى لابد أن يحظى باهتمام الكتاب والمفكرين والإعلاميين والمسئولين فى كل مجال ومنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية بل والمواطنين جميعاً مما يقتضى التعرف على الواقع ايجابيا وسلبيا، وتحديد الهدف، وحصر الآليات المطلوبة مع التعرف على الجهات المسئولة ورسم خطة عملية علمية واضحة تقوم على أن الإعلام نوع من أنواع الاتصال الذى له أصول وقواعد من المهم مراعاتها وسنتناولها تباعاً. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا