كتب نيوتن فى عاموده بجريدة المصرى اليوم فى عدد الجمعة 3 مايو مقالا بعنوان الفيدرالية خيال مشروع، وفيه دعا إلى تطبيق النظام الفيدرالى فى مصر بناء على التطبيقات الناجحة له فى عدد من دول العالم، وخص بالذكر من هذه التطبيقات كلاَ من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية. وفى معرض ترويجه لهذه الفكرة ذكر الكاتب نقطتين، الأولى أن ما أدى إلى فشل الوحدة المصرية - السورية هو أنها طبقت النظام الكونفيدرالى بدلا من النظام الفيدرالي، وتساءل فى هذا الخصوص ماذا لو كانت هذه الوحدة تطبق النظام الفيدرالى بدلا من الكونفيدرالى الذى يُرسّخ للمركزية؟ لو حدث ذلك لم يكن هناك أبدا ما يدعو للانفصال. وطوّر نيوتن هذه النقطة قائلا إن الأخذ بالفيدرالية فى الوحدة - المصرية السورية كان سيؤدى لجذب العراق وليبيا والسودان على أساس وجود دستور فيدرالى ودستور يخص كل دولة من دول الاتحاد. أما النقطة الثانية التى تناولها المقال فقد انصبّت على تعداد مميزات النظام الفيدرالي، ومنها أن تتحكم كل دولة فى مجرياتها الداخلية، وفى الوقت نفسه هى مرتبطة بالدولة العظمى الأم المكونة منها ومن الدول الأخري. وانتهى إلى اقتراح البدء بتطبيق الفيدرالية فى محافظة مصرية واحدة، ثم إضافة المزيد من المحافظات للفيدرالية كل عام، واعتبر أن ذلك يعد بمثابة خيال مشروع. مضى على نشر المقال ثمانية أيام ولم أقرأ فى حدود علمى تعقيبا عليه وبالتالى فإننى سوف أتصدى لهذه المهمة، ليس من باب المصادرة على مشروعية الخيال، لكن من باب تدقيق الأساس الذى انطلق منه هذا الخيال. بداية خلَطَ المقال بين الفيدرالية والكونفيدرالية والفارق بينهما كبير جدا، فالفيدرالية هى أحد أشكال الدول التى يتم فيها توزيع السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم والولايات، وتوجد عدة طرق لهذا التوزيع لكن المهم فى الموضوع أن الحكومة المركزية تحتفظ بين يديها بالاختصاصات السيادية كالدفاع والخارجية والاقتصاد، وعادة ما تتألف برلمانات الدول الفيدرالية من مجلسين، أحدهما تُراعى فيه قاعدة التمثيل النسبى للأقاليم بحسب عدد سكانها، والآخر تُرَاعى فيه قاعدة المساواة، ويحدد الدستور طريقة تعاون المجلسين. أما الكونفيدرالية فأمرها مختلف لأنها عبارة عن علاقة تعاهدية بين عدد من الدول المستقلة ذات السيادة إيماناً بأنها تحتاج إلى نوع من تنسيق علاقاتها للحفاظ على مصالحها. ولأن الأطراف الداخلة فى الكونفيدرالية تكون دولا كاملة السيادة، لا عدة أقاليم فى إطار دولة واحدة، يكون لكل منها جنسيته ووزاراته السيادية وتمثيله الدبلوماسى المستقل. من هنا فإن المقال عندما يتحدث عن دول ترتبط بالدولة العظمى وبالدول الأخري، فإنه إنما يتحدث فى واقع الأمر عن النظام الكونفيدرالى وليس أبدا عن النظام الفيدرالي. نأتى إلى حديث المقال عن أن السبب فى فشل الوحدة المصرية - السورية هو أخذ الوحدة بالنموذج الكونفيدرالي، والواقع أن ما كان بين مصر وسوريا من عام 1958 حتى عام 1961 هو النقيض التام للكونفيدرالية أى الوحدة الاندماجية، وهذا الاندماج هو تحديدا ما أفشل التجربة لأنه لم يراع خصوصية كل دولة، وبالتالى فإن المشكلة لم تبدأ مع قرارات 1961 التى خصّها كاتب المقال بالذكر لكنها بدأت مع إلغاء الأحزاب السياسية واستمرت مع الاختلاف على نمط الحكم ومدى تمثيله للإقليمين، هذا بالطبع بالإضافة إلى تأثير العوامل الخارجية. ولو تركنا هذا الخلط بين الفيدرالية والكونفيدرالية وبين الكونفيدرالية والوحدة الاندماجية، وافترضنا جدلا أن الكاتب كان يقصد التحول للفيدرالية، هنا يكون السؤال: هل يناسب مصر الأخذ بالفيدرالية؟ لو نظرنا إلى التجارب الفيدرالية على مستوى العالم لوجدناها تنشأ بإحدى طريقتين، الطريقة الأولى ترتبط بلحظة تأسيس الدولة كما هى الحال مع دولة الإمارات العربية المتحدة التى ذكرها المقال، ففى عام 1971 اتفقت الإمارات السبع المعروفة على تكوين دولة فيدرالية تعد بالفعل من أنجح التجارب الفيدرالية فى العالم، ويختلف ذلك كلية عن وضع مصر التى أصبحت دولة مركزية منذ آلاف السنين. أما الطريقة الثانية لإنشاء الفيدرالية فهى ترتبط بالتنوع السكانى الكبير الذى يميز دولة من الدول, وبالتالى فإن الأخذ بالفيدرالية يتيح لكل مجموعة سكانية أن تعبر عن خصوصيتها اللغوية أو العرقية أو الدينية بحرية أكبر فى نطاق إقليمها، وهو المنطق الذى أدى لإقرار الفيدرالية فى دستور العراق عام 2005. هذا أيضا يختلف كلية عن الحال فى مصر التى تتمتع بدرجة عالية من التجانس بين سكانها على نحو يصعب معه تكوين إقليم فيدرالى فى أى محافظة من المحافظات المصرية. إن الفيدرالية لا تناسب كل دولة وهى بالتأكيد ليست الحل السحرى لمشكلات الدول، وإذا كان المطلوب هو إعطاء مزيد من الصلاحيات للمحافظات، وهذا بالفعل نوع من الخيال المشروع، فإنه يمكن تحقيق ذلك من خلال توسيع نطاق اللامركزية الإدارية وتعزيز دور المجتمعات المحلية فى عملية صنع القرار. وأخيرا إن من حقنا جميعا أن نحلم بمستقبل مزدهر لوطننا الحبيب، إلا أن من المهم أن نطمئن إلى أن هذا الحلم يقود إلى الازدهار فعلا. لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد