ترجم قبل يومين الجنرال حسن فيروزبادي رئيس أركان الجيش الايراني مخاوف النخب الخليجية من أطماع إيرانية لمنطقة الخليج، حيث أدان في تصريحات -تناقلتها وكالات الأنباء العالمية وسائل الاعلام-"الدول العربية" في الخليج، والتي أعتبرها معادية لإيران، مؤكداً ان هذه المنطقة "كانت دائما ملك ايران". وقبل أسابيع كانت الأحداث التي مرّت بالشقيقة البحرين؛ هي التي جعلت النخب الخليجية تعود لطرح موضوع الكونفدرالية بين دولهم، والحقيقة أن الدعوة قديمة من لدن المفكر الكويتي وأستاذ العلوم السياسية د.عبدالله النفيسي، قال بها قبل عقدين من السنوات، وتجدّدت بعدما شعر الجميع بخطر الهيمنة والأطماع الصفوية الإيرانية في دول الخليج، من خلال اكتشاف شبكة تجسس إيرانية كبيرة في الكويت، فضلاً عن المظاهرات المنظمة لطائفة الشيعة في البحرين، التي كانت ممهّدة لاحتلال إيراني، وقد أفصح عن ذلك صراحة د. عادل العبدالله الأكاديمي البحريني ومستشار أمين عام مجلس التعاون الخليجي وقال في حوار فضائي بأن "قوات (درع الجزيرة) سبقت بيوم واحد فقط انزال مظلي إيراني على البحرين"، ولولا أن انتبهت القيادات الخليجية، لكادت تلك الدول الآمنة أن تذهب في قضمة واحدة للتنين الإيراني في زحمة الضجيج للثورات الشعبية التي نشهدها في عواصم الدول العربية. دعوة د. النفيسي كانت في مستهل صيف عام 2010 م، حيث نادى كل من الكويت وقطر والإمارات والبحرين، إلى الاندماج في صيغة وحدوية فيدرالية، مع المملكة العربية السعودية وتشكيل دولة جديدة تكون عاصمتها المدينةالمنورة، وعاد قبل أشهر وصحّح تلك الدعوة عبر اتحاد كونفدرالي متدرج . وبرّر د.النفيسي دعوته بوجود ضغوط أمنية خطيرة تهدد بقاء هذه الدول، وأنها لن تستطيع تحقيق الحدّ الأدني من أمنها القومي مادامت ستظل شظايا جغرافية . وعرض الدكتور النفيسي في وقتها، الخطة التي وردت في كتاب بعنوان (آبار النفط أداة عسكرية ) والتي أقرتها لجنة الدفاع والأمن بالكونجرس الأمريكي، وتقضي الخطة باشتراك أميركا مع اسرائيل في احتلال شريط النفط في الخليج، ابتداء من الكويت مرورا ً بكل من قطر والامارات والبحرين وصولاً إلى عمان، وذلك عام 1973 م، عندما أعلنت كل من السعودية والامارات عزمهما عدم تصدير النفط إلى أميركا . هذه الدعوة جعلتني أعود لأقرأ في الموسوعات المتاحة عن مفهومي (الكونفدرالية) و(الفيدرالية)، والتي عرّفت الأخيرة بأنها: عبارة عن دولة موحدة، تتكون من اقليمين أو أكثر، وتخضع لحكومة مركزية واحدة، ويكون لها دستور واحد ينظم العلاقة بين الحكومة المركزية للدولة والأقاليم أو الولايات التابعة لها، بحيث يقتسمان السلطة فتختص الحكومة المركزية بالوظائف السيادية للدولة، في حين تنهض الأقاليم بتنظيم شؤونها المحلية، كلٌّ على حدة، حيث يتمتع كل إقليم بوضع الحكم الذاتي. وأقرب مثال عربي على هذا النوع من الدول، الإمارات العربية المتحدة، وأشهرها دوليا ً الولاياتالمتحدةالأمريكية. بينما مفهوم الكونفدرالية: تعني الإتحاد الاستقلالي، وهي عبارة عن اتحاد دولتين مستقلتين أو أكثر، يتفقون فيما بينهم على تفويض هيئة مشتركة تضم ممثلين عن كل الدول الأعضاء، تتولى التنسيق بينها في مجالات محدّدة فقط .ٍ في تصوري أن موضوع دمج دول الخليج مع بعضها في دولة واحدة؛ هو موضوع متقدّم، لسنا مؤهلين له البتة، اضافة إلى أن الوقت غير مناسب لطرحه، فثمة تعقيدات كبيرة من مثل التشريعات الموجودة في كل دولة، وهناك مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمتقدمة في دول والخامدة في دول أخرى، ولا ننسى البرلمانات السياسية، فهناك في الكويت مثلاً مجلس الأمة وما يتمتع به من مزايا وصلاحيات تجعله ينصّب أميراً ويخلع أميراً، دعك من استجواب الوزراء ومساءلتهم، والمراقبة الشديدة على المال العام. وأيضاً لا أتصور أننا نصل للاتحاد الكونفدرالي الكامل، فنحن مذ ثلاثة عقود لم نستطع أن نتقدم في مجلس التعاون الخليجي، بل حتى الوحدة النقدية لم تظهر إلى الآن، وانسحبت عمان والإمارات منها بحجج شاحبة ومضحكة. غير أن رهان المتفاءلين يكمن في هذا التهديد الصفوي الكبير للدول الخليجية الصغيرة، والذي ليس أمامها سوى التسليم والدفع بهذا الإتجاه وإلا فسيفقدون عروشهم، حيث أن الرهان على الغربي بات رهاناً خاسراً، وقد رأوا بأمّ أعينهم موقفهم من الرئيس المصري حسني مبارك، وكيف خذله الغرب خذلاناً قبيحاً، وانتهى إلى هذا المصير في المستشفيات والمحاكم أمام سمع وبصر من خدمهم طيلة فترة حكمه، وقبله الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي ظل لساعات في الطائرة يبحث عن ملجأ، ولولا شهامتنا، لكان مصيره أسوداً، والطريف المؤلم،أن أول من تبرأت منه فرنسا التي خدم أجندتها طيلة فترة حكمه، ورفضت تماماً استقباله. وعودة للكونفدرالية الخليجية، أميل كثيراً الى التمرحل في موضوع الإتحاد، وأن نبدأ -كخطوة أولى- في مجالات الأمن والدفاع كخطوة ضرورية وعاجلة، ومن بعدها الوحدة النقدية، فالنفط و الخارجية وهكذا مرحلياً حتى نصل لاتحاد في جملة من الوزارات، تمهّد لكونفدرالية خليجية نحن بمسيس الحاجة إليها، ولا بدّ من وضع سقف زمني يُلتزم به مهما كانت الظروف. على الدول التي عناها د. النفيسي في بحثه ودعوته وهي الكويت وقطر والبحرين والإمارات أن تعي أن وجودها مهدّد، وقال بذلك مجموعة من الخبراء والمحللين الخليجيين، ونصّ عليها صراحة د. النفيسي بقوله: "وأن بقاءها على وضعها الحالي يشكل لها تهديداً كبيراً في المستقبل القريب من قبل قوى خارجية، على رأسها جمهورية إيران، التي اقتضت ظروفها الداخلية المهترئة أن تصنع عدواً في الخارج لتحاول به تعويض الاختلالات الداخلية، معتبرة أنه متنفس خارجي، بعد أن ضاقت بها السبل في الداخل". الحكيم من اتعظ بالتجارب والتاريخ.. [email protected] * إعلامي وكاتب سعودي