عائدات البترول سبب الحصار الأمريكى.. ولو كنا منتجين للبطاطس لما اهتموا بنا! ما يحدث في بلادنا يشبه ما حدث في العراق وليبيا.. ولكن التكتيكات تحسنت!
تشهد فنزويلا أحداثا ملتهبة هذه الأيام، وتخوض معركة أقل ما يقال عنها إنها «مصيرية» في تاريخها، بعد أن أدخلتها حركة «خوان جوايدو» المعارضة دوامة أزمة سياسية طاحنة، ومواجهة عاصفة غير متكافئة بين كاراكاس من ناحية ودول غربية من ناحية أخري، علي رأسها الولاياتالمتحدة، بسطوتها ونفوذها وإعلامها، بسبب إصرار هذه الدول علي الاعتراف بجوايدو رئيسا لهذا البلد الغني بالبترول والثروات، بدلا من مادورو، مما أدخل البلاد نفقا مظلما وحصارا خانقا، لا يعرف أحد متي وكيف سينتهي. في هذا التوقيت تحديدا، يبدو الحوار مع ويلمار أومار بيرينتوس سفير فنزويلا بالقاهرة، مثيرا وشيقا، ومفيدا أيضا، ليس فقط للحديث التقليدي عن العلاقات المصرية الفنزويلية، وإنما للتعرف منه علي حقيقة ما يجري في بلاده من أحداث وصراعات، وما آلت إليه الأزمة الحالية، وتأثيرها علي أوجه الحياة المختلفة في بلاده، بل علي عمله هو شخصيا، وإجابته علي أسئلة حرجة من نوعية: هل سلطات فنزويلا هي المسئولة عما يحدث الآن؟ وهل يمكن أن يسوء الوضع أكثر من ذلك، ليصل إلي حرب أهلية مثلا؟ وهل يمكن أن ينقلب الجيش على الرئيس مادورو تحت وطأة الحصار الخانق؟ وخلال زيارته لجريدة «الأهرام»، كان لنا هذا الحوار مع السفير الفنزويلي بالقاهرة: ارتبطت مصر وفنزويلا منذ منتصف القرن الماضي بعلاقات قوية، وبخاصة من خلال عملهما في إطار حركة عدم الانحياز، ماذا عن علاقات البلدين في الفترة الحالية؟ وما هو تقييمك لها؟ العلاقات بين مصر وفنزويلا علاقات تاريخية منذ ستين عاما، ولكنها الآن أقوي جدا، ويرجع ذلك لموقف اتخذته مصر، وهو مبدأ عدم التدخل في شئون الآخرين، وهذا ساعد كثيرا علي تقوية العلاقات، ونري أن هذه العلاقات قادرة علي أن تقوي كل يوم أكثر مما قبله، والشعب العربي عامة يحترم إرادة الشعوب الأخري، ويحترم بلادها. فنزويلا كانت من أوائل الدول التي ساندت مصر بعد ثورة 30 يونيو، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بعث بخطاب تهنئة إلي الرئيس عبد الفتاح السيسي في 16 يونيو 2014 بمناسبة انتخابه رئيسا لمصر في ولايته الأولي، ولكن الرئيسين لم يلتقيا حتي الآن، ما هي الأسباب في رأيك؟ حتي الآن لا توجد فرصة سانحة لعقد هذا اللقاء، ولكن يجب العمل من أجل هذا، وترتيب لقاءات رفيعة المستوي بين مسئولي الحكومتين، وأعتقد أنه يمكن أن تكون هناك لقاءات قريبة بين الزعيمين، وربما كان سبب التأخير هو الوضع الذي تمر به فنزويلا الآن، فمن المهم وجود الرئيس مادورو في بلاده حتي نهاية الأزمة الراهنة. هل تتوقعون نهاية هذه الأزمة سريعا؟ نتمني اجتياز الأزمة بسلام، فكل ما يريده الشعب الفنزويلي هو السلام، وأن نستطيع إصلاح أوضاعنا بأنفسنا دون تدخل من أحد. بخلاف التعاون بين البلدين في إطار عدم الانحياز، والذي ظهر من خلال مشاركة سامح شكري وزير الخارجية في القمة 17 لقادة المجموعة في كاراكاس عام 2016، هل تقترحون سيادتكم مجالات محددة للتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بين البلدين؟ بالفعل، يجب أن يكون هناك عمق في العلاقات في العديد من المجالات مثل الغاز والبترول والتعدين والزراعة، فمن المهم تنويع اقتصاديتنا، وإحداث تطوير في بعض المجالات، مثل التعدين، فنحن نملك الذهب والحديد والكولتان، وهناك ثروات تم اكتشافها، وأخري تحتاج إلي تنقيب عنها. كيف أثرت الأزمة الداخلية في فنزويلا علي عملكم في مصر؟ الحصار الاقتصادي أثر بالفعل بشكل كبير علي عملنا، فهناك صعوبات في الحصول علي موارد للسفارة، ولكن حكومتنا تعمل لتسهيل عمل دبلوماسييها في الخارج، فنحن قلب فنزويلا، ولدينا كرامة، ولدينا سيادة أيضا. هل توجد اتصالات مستمرة مع الحكومة في مصر، وهل التقيت أخيرا مع مسئولين مصريين؟ نعم، توجد اتصالات، وأحطناهم بالوضع في فنزويلا كاملا، وأجرينا لقاءات أخوية وودية لتبادل الآراء مع مسئولين، وكان من بينهم السفير رضا حبيب مساعد وزير الخارجية للشئون الأمريكية، وماجدة بركة مديرة إدارة أمريكا اللاتينية، وكانت هناك زيارة من مساعد وزير الخارجية الفنزويلي للشئون الإفريقية لوزارة الخارجية، وكانت مثمرة للغاية، وفيها ناقشنا العديد من الموضوعات التي تهم البلدين، وبالمناسبة، فقد تابعنا الاستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية، وقد كان هادئا بالفعل، ونجحتم في تحويلها إلي احتفالية أكثر من كونها حدثا انتخابيا. إذا انتقلنا بالحديث إلي ما يجري من أحداث في فنزويلا نفسها، هل لك أن تفسر لنا: لماذا اندلعت الأزمة الحالية؟ وهل صحيح أن الوضع الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية كان السبب الحقيقي وراء حركة خوان جوايدو؟ بالفعل، الأزمة الاقتصادية سببها الحرب الاقتصادية علي الأسواق في بلادنا، فهناك حصار علي الأسواق التجارية والمالية، وهناك حرب شديدة علي العملة الفنزويلية، مما سبب تدهورا شديدا في العملة دون سبب اقتصادي فعلي، بعد أداء الرئيس اليمين أمام المحكمة الدستورية بثلاثة أيام، ظهر جوايدو وأدي القسم دون حضور أي قوي في البلاد، ومع ذلك، اعترفت به أمريكا مباشرة، واعترفت به مجموعة ليما، فجوايدو لا يهمه أبدا أمر الشعب، كل ما يهمه هو السيطرة علي السلطة في البلاد دون أي اعتبارات أخري، وموقفه هذا سبب صعوبات للشعب، فبعض المنتجات الغذائية والأدوية، حاولت الحكومة شراءها من الخارج، ولكن بسبب الحصار، لم تتمكن من إدخالها للبلاد، وهناك 30 مليار دولار أخذت منا، نحن لا نريد مساعدات أو هدايا من أحد، ولكن نريد أموالنا لشراء احتياجات الشعب، هم الذين خلقوا الأزمة، وهم الذين يريدون الآن إنقاذ الشعب، سرقوا 30 مليار دولار، ويريدون إدخال مساعدات بعشرة مليارات بالقوة من كولومبيا، ومع ذلك، ونظرا للوضع الراهن، يمكننا أن نقبل مساعدات تقدمها جهات دولية محايدة معترف بها مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر. هل ما حدث كان سيناريو تم إعداده منذ البداية؟ نعم، كان سيناريو منذ البداية، منذ خروج جوايدو وتنصيب نفسه ذاتيا، بل كانت مؤامرة، مؤامرة كاملة، وشيئا مخالفا للقانون الدولي، وما فعله خلق فوضي داخل البلد، والأخطر أن هناك الآن محاولات لتسليح المعارضة، لأنهم يبحثون عن صراع لتقسيم البلاد من الداخل. ربما لإثارة حرب أهلية؟ هذا هو ما يبحثون عنه بالفعل، ولكن لن يستطيعوا، لأن الشعب يريد السلام، ودعني أسرد لكم واقعة تؤكد ما أقول، في عام 2017، كانت هناك مائدة حوار في جمهورية الدومينيكان، وكنا علي وشك التوقيع لاتفاق بين الحكومة والمعارضة، وكان خوليو خورخي يمثل المعارضة، وقام في أثناء الاجتماع للرد علي مكالمة هاتفية من كولومبيا، وبعدها عاد، ورفض تماما التوقيع علي الاتفاق، إذن، هو لا يريد حوارا، ماذا يريدون إذن؟ وحتي في حالة عدم وجود حوار، لماذا يتم تجميد أصولنا؟ لماذا هذه الهجمات ضد اقتصادنا؟ هل يعتقد أحد بأن هناك قائدا يرضي أن يقود بلاده وهو يسبب معاناة كهذه لشعبه؟ هذه هي المؤامرة، إنهم يريدون أن ينقلوا للعالم صورة أن الرئيس مادورو هو سبب معاناة شعبه، وأنه لا يوفر لهم الغذاء، هل قرأت في أي مكان أن حكومة ما وفرت ثلاثة ملايين شقة للشعب؟ هذه الأشياء الجيدة غير مرئية في وسائل الإعلام الأجنبية! تقصد أن هناك حربا إعلامية أيضا من الخارج ضد بلادكم؟ بالتأكيد، وللأسف الشديد، لقد فرضوا حربا نفسية علي الشعب، وهم الذين استهدفوا بطون المواطنين لتجويعهم، ولكني في الوقت نفسه أؤكد أن القوات المسلحة الفنزويلية الآن أقوي من ذي قبل. بمناسبة القوات المسلحة، هل يمكن أن يتخلي الجيش الفنزويلي ذات يوم عن دعم الرئيس مادورو إذا ساءت الأوضاع أكثر من ذلك؟ أعرف القوات المسلحة الفنزويلية عن قرب لأني أحد أبنائها، فالجيش في بلادنا يعرف جيدا الكفاح الذي تخوضه البلاد، والقضية بالنسبة له ليست في مادورو أو في أي أزمة سياسية عابرة، ولكننا نتحدث عن الكفاح من أجل الكرامة والسيادة، فأمريكا لا تكل من أجل السيطرة علي مواردنا، ولكننا أيضا شعب ذو سيادة، ومستقلون، ونعرف كيف نوجه مواردنا إلي الجهة المناسبة، وهم في أمريكا لا يتقبلون أبدا فكرة سيادة الشعب، أو أن يكون الشعب قادرا علي توجيه نفسه بنفسه، نعم، نحن لا نمانع أن تكون هناك علاقات بيننا وبين أمريكا، ولكن بشرط أن تكون علاقات ند بند، بين شعبين لهما سيادة، لا علاقات مع طرف يملي علينا ما الذي نفعله وما لا نفعله. كيف ترون مستقبل هذه الأزمة في ظل ما تردد من معلومات عن نشر قوات روسية قرب فنزويلا؟ لا صحة لوجود قوات روسية أصلا في فنزويلا، والحقيقة أنه في عامي 2001 و2002 تم التوقيع علي معاهدة عسكرية للدعم الفني مع روسيا، بمعني أنه عندما نشتري أسلحة من روسيا نحتاج دعما فنيا منهم، ولكن تخيل، الذي حدث أن الولاياتالمتحدة صاحت وصرخت بسبب وجود مائة عسكري في فنزويلا، ولكن لم يتكلموا عن سبع قواعد عسكرية كاملة موجودة في كولومبيا! هل ما يحدث في فنزويلا شبيه بما حدث في العراق وليبيا ؟ مشابه ولكن التكتيكات تحسنت أكثر، ربما نتشابه مع حالتي ليبيا والعراق بسبب البترول، ولكن دعني أسأل: هل غزو العراق أدي إلي تحسين أحواله؟ هل تحسن اجتماعيا؟ هل هم قلقون بشأن الشعب الفنزويلي أم بشأن البترول الذي يريدون السيطرة عليه؟ هل لو كنا منتجين للبطاطس مثلا، هل كانوا سيطمعون في بلادنا؟ الطمع سببه أننا أكبر بلد يملك احتياطيات بترول في العالم، وسببه أيضا أننا وضعنا قانونا يجعل إيرادات البترول في خزينة الدولة، ولا يذهب إلي أي جهة خارجية، وبمناسبة التكتيكات، يوجد شيء آخر حدث أخيرا، وهي الهجمات الإلكترونية التي استهدفت نظام الكهرباء في البلاد، وهذه كانت جريمة كاملة، فقد تسبب ذلك في حدوث وفيات في المستشفيات مثلا، ونحمد الله أن الرد كان سريعا من الحكومة لعلاج هذه الأزمة، ولكن بعد أن تسبب ذلك في حرائق وانفجارات في نظام الكهرباء لدينا، وقالوا وقتها في إعلامهم إنها بسبب إهمال الصيانة، ولكنها في الواقع كانت بسبب هذه الهجمات، تخيل مثلا، الآن الساعة 7 صباحا في فنزويلا، والناس هناك يستعدون للخروج إلي المدارس والجامعات، في حين أن وسائل الإعلام الغربية تنقل أن الناس يقتلون بعضهم البعض في الشوارع، والحقيقة أنهم يعيشون حياة يومية عادية جدا، أيضا هناك عقوبات جديدة تم فرضها علينا، وهي عقوبات ضد البنك المركزي، وضد حركة ناقلات البترول لكوبا، ودبلوماسيا هناك منظمات تحاول سحب اعتماد الموظفين الفنزويليين لديها، ولكن بسبب وقوف دول العالم معنا لم يحدث هذا، ولم يتمكنوا من إصدار أي قرار ضد فنزويلا، ولا أدري كيف يريدون اعتماد نظام شخص لا يحظي بشرعية، نحن لا نكافح من أجل أنفسنا، ولكن نكافح من أجل ميثاق ومبادىء الأممالمتحدة، وبشكل عام، الحوار السلمي مطلوب، ونحن مستعدون له من أجل تجاوز الأزمة في البلاد. هل يمكن الاعتراف بأن قمع الحريات وانتشار الفساد وسوء استغلال الثروات البترولية كانت كلها أخطاء أدت للأوضاع الحالية في فنزويلا؟ هل تعترفون بأخطاء؟ أنا موظف في الحكومة، وقد تعتقدون بأنني سأدافع عنها، ولكني سأقول تعالوا لزيارة فنزويلا لكي تشاهدوا بأنفسكم ماذا يحدث هناك، إذا تكلمنا عن انتهاك حقوق الإنسان، والمعتقلين السياسيين، ماذا يحدث في رأيك لو خرج أحد إلي الشارع وأمسك أتوبيسا وأحرقه، هل نتركه؟ أليست هذه جريمة يعاقب عليها القانون؟ وبالنسبة للانتخابات، نفس الانتخابات التي يعترضون عليها الآن، هي التي فازت فيها المعارضة في البرلمان، فكيف نصدق أن نظام الانتخابات الذي أدي لانتخاب الرئيس باطل، وهو نفس النظام الذي أدي لفوزهم بأغلبية مقاعد البرلمان؟ أين الديمقراطية في هذا؟ إنهم الآن لا يريدون المشاركة في العملية الانتخابية، إذن، قولوا لنا ما هي الأداة التي يمكن أن تعبر عن الديمقراطية إذا لم تكن هي صندوق الانتخابات؟ أؤكد لكم أن نظام الانتخابات عندنا هو من بين الأفضل علي مستوي العالم، وكله يتم أوتوماتيكيا، وتذاع عمليات التصويت علي الهواء مباشرة تليفزيونيا علي المستوي الوطني، وكل صوت تتم مراجعته وتخزينه، فمن المستحيل إذن أن يكون هناك أي تلاعب في العملية الانتخابية، إنهم فقط يتكلمون، ولكن بلا دليل.