* منة الله: أحلم بدخول موسوعة جينيس بالغطس 3 أيام متواصلة * د. عماد خليل: المركز احتل مكانة عالمية ويمنح الماجستير والدكتوراه * 70% من الخريجين فتيات من مصر والدول العربية والأجنبية
مركز الآثار البحرية بالاسكندرية يعد أحد أهم المراكز التى أصبحت مؤسسة عالمية، ولم يقتصر دوره على كونه مركزا علميا، بل تحول الى مفرخة لأجيال تحمل على عاتقها مهمة نشر الوعى الاثرى من خلال العمل على إدخال تخصص الآثار البحرية فى مصر كعلم تحت الماء، مما دفع الشباب خاصة الفتيات من جميع انحاء العالم للالتحاق به لدراسة الاثار البحرية والغوص لساعات طويلة من اجل قراءة التاريخ الغارق منذ آلاف السنين، ليصبح المركز الوحيد المتخصص فى مجال التراث البحرى الغارق فى افريقيا والعالم العربي.
بداية يقول الدكتور عماد خليل مدير مركز الآثار البحرية والتراث الثقافى الغارق بكلية الآداب جامعة الاسكندرية إن المركز تم إنشاؤه منذ 10 سنوات بتمويل من الاتحاد الاوروبى بقيمة 250 ألف يورو، ويهدف إلى إدخال تخصص الآثار البحرية كعلم فى مصر ، لان العمل فى مجال الاثار الغارقة ظل مقصورا على البعثات الاجنبية بشكل كبير منذ الثمانينيات وحتى انشاء المركز، حيث كان دور المصريين إشرافيا متمثلا فى وزارة الاثار، وذلك على الرغم من وجود إدارة للآثار الغارقة متخصصة فى العمل الاثرى تحت الماء ولكن الجانب العلمى الاكاديمى لم يكن متاحا إلا من خلال بعثات خارجية وكل من يريد التعلم والتخصص فى الاثار البحرية عليه السفر للخارج وهذا بالطبع يتطلب تكلفة باهظة فى إرسال البعثات للدراسة، فكان البديل انشاء مركز معتمد متخصص داخل جامعة الاسكندرية لا يقل كفاءة عن نظيره فى جميع دول العالم، وبالفعل تم إنشاء نموذج مناظر للمراكز المماثلة فى دول الاتحاد الاوروبى وتحديدا فى انجلترا، بالإضافة إلى أن مصر حالة فريدة فى الاثار البحرية فلا توجد دولة بها كم ولا مساحة المواقع الاثرية الموجودة فى مصر ، والتى تبلغ نحو 5 آلاف كيلو متر على امتداد الساحلين الابيض والاحمر، كما أن الاسكندرية تحديدا حالة اكثر تفردا لان المواقع الاثرية بها شاسعة المساحة، مثل: منطقة ابو قير والميناء الشرقى والاثار بها متعاقبة العصور، ومنها يمكن قراءة تاريخ مصر البحري. مركز علمى عالمي ويضيف الدكتور خليل أن المركز يعد أكاديميا بحثيا يمنح درجتى دبلوم الدراسات العليا والماجستير فى تخصص الاثار البحرية ويقبل الطلاب الحاصلين على المؤهل الجامعى ويقوم بتنفيذ مشروعات الاثار البحرية فى مجال التراث الثقافى الغارق، ويعتبر المركز الوحيد المتخصص فى هذا المجال فى افريقيا والعالم العربي، لذلك كان الاقبال عليه كبيرا من الطلبة والطالبات المصريين ومن الدول العربية والاجنبية مثل «تونس ليبيا عمان صربيا اليونان إنجلترا»، وعلى مدى 10 سنوات تم تخريج 68 طالبا وطالبة، منهم 70% طالبات ويمارسن التدريب على الغوص تحت الماء بجميع انواعه واشكاله. وعن أهم المشروعات الأثرية البحرية التى يقوم الطلاب بها من خلال المركز، نجد مشروع المسح الاثرى بمنطقة مرسى باجوش الذى تم بدء العمل به عام 2015، وأسفر عن اكتشاف واحد من أهم الموانى الأثرية على الساحل الشمالى الغربى لمصر يرجع الى العصر الروماني، وهناك أيضا مشروع توثيق السفن الغارقة فى البحر الاحمر، حيث تم تسجيل اهم سفينة «ثسل جروم» البريطانية والغارقة منذ الحرب العالمية الثانية، مؤكدا أن رسالة المركز تقتصر على اكتشاف الاثر البحرى وتوثيقه دون النظر لانتشاله وفقا لاتفاقية اليونسكو عام 2001 والتى تنص على ضرورة الابقاء على الاثار الغارقة فى مكانها الاصلى تحت الماء. نشر الوعى الأثري ويؤكد مدير المركز أن من بين مهامه أيضا المشروعات القومية والمتمثلة فى نشر التوعية الاثرية واهمية الاثار البحرية وكيفية الحفاظ عليها فى المدارس، وذلك من خلال عرض افلام كرتونية عن الاثار ونماذج محاكاة وادوات الغوص، كما يقوم المركز أيضا بتبادل طلابى بين مصر والعديد من الدول العربية والاجنبية، مثل: «إنجلترا فرنساايطاليااسبانياكرواتيا اليونان لبنانتونسامريكااستراليا بلجيكا» وفقا لاتفاقيات تمت بينها مع جامعة الاسكندرية ، كما ساهم المركز عام 2012 فى انشاء رابطة اليونسكو للجامعات المتخصصة فى الآثار البحرية ويبلغ عددها 33 جامعة عربية واجنبية وبموجب هذه الرابطة اصبحت مصر العضو العربى المؤسس فى الرابطة العالمية. الطلاب والباحثون يقومون بترميم أحد الآثار المكتشفة موسوعة جينيس ومن داخل المركز كان لنا عدة لقاءات مع بعض خريجى المركز، وكانت البداية مع منة الله ابراهيم ابو العطا احدى خريجات المركز وغاطسة مصرية يملؤها الاصرار والتحدى على دخول موسوعة جينيس العالمية من خلال الغطس والعيش تحت الماء لمدة 3 ايام، حيث قالت إنها التحقت بالمركز نظرا لعشقها للغطس تحت الماء وعلى مدى 8 سنوات غطست 70 غطسة فى مصر على المواقع الاثرية بالبحرين الابيض والاحمر، وحوالى 90 غطسة فى كرواتياواسبانياوفرنساولبنان، مضيفة أن الغطس تحت الماء شعور رائع لا يوصف، فعندما تغطس وتصل لأعماق البحر ينتابها شعور التمنى بالبقاء تحت الماء وعدم الرغبة فى الحياة خارجه، وتضيف أن أطول غطسة لها على المواقع الاثرية استمرت نحو ساعتين ونصف ساعة، أما فى التدريبات فقد مكثت تحت الماء 24 ساعة فى مركز الغوص بهيئة قناة السويس، وتقوم حاليا بتكثيف التدريبات حتى تستطيع البقاء تحت الماء لمدة 70 ساعة تمهيدا للاشتراك فى موسوعة جينيس العالمية لاطول غطسة فى العالم، حيث تقدمت وتمت الموافقة على المسابقة التى ستقام يوم 20 أغسطس المقبل فى شرم الشيخ، ويحدوها الامل فى تخطى عدد ساعات الغاطسة الامريكية التى حصلت على لقب صاحبة اطول غطسة سيدات منذ سبع سنوات والتى ظلت تحت الماء (51) ساعة. اكتشاف بالمصادفة أما محمد سعيد سلامة باحث بمركز الاثار البحرية وطالب دراسات عليا ماجستير فيقول: أعشق الغوص منذ الصغر وهذا ما دفعنى للالتحاق بالمركز بعد علمى بالجانب العملى الشائق..وفى عام 2009 خلال اشتراكى بمعسكر باجوش نزلنا للعوم ولكن بالمصادفة اكتشفنا موقع مرسى باجوش وفى عام 2015 كنت ضمن البعثة الاثرية التابعة للمركز لاستكشاف الموقع وكانت هذه اول مرة اغطس تحت الماء وقد شعرت بأن رؤية الاثار تحت الماء تعتبر رحلة سفر عبر الزمن ففى ثانية اجد بين يدى بقايا اثرية ترجع الى (2000) سنة، وهو امر مذهل، ويضيف أن الغوص يفصل الغواص عن الحياة التى يحياها بعيدا عن الماء وقد ايقنت ذلك بعد ان قمت بالغطس نحو (400) غطسة بالمواقع الاثرية واهمها فى منطقة سفاجا على حطام سفينة سعدنة الغارقة من القرن ال18. تجربة مدهشة وتؤكد مريم مستورى من تونس ان الدراسة العلمية والعملية بالمركز تجربة مدهشة للغاية حيث تقول: لقد التحقت للدراسة بالمركز عام 2010 الى 2012، بعد اشتراكى فى احدى الورش عن الاثار البحرية التى ينظمها المركز، فقررت الحصول على درجة الماجستير، وقد اتاح لى المركز الدورات التدريبية من خلال خبراء علم الاثار البحرية الى جانب الغوص مرتين اسبوعيا على المواقع الاثرية تحت الماء، وأن المركز يعد مؤسسة تدار بشكل علمى وتحتوى على معدات حديثة ومكتبة ضخمة تساعد على العلم والتثقف فى هذا المجال. تخصص نادر ومن ليبيا، جاءت ريم سعد سليمان لدراسة الاثار البحرية وتقول: لقد التحقت بالمركز لانه تخصص نادر ومن اروع التخصصات ولكونى ليبية تدرس هذا التخصص فكانت تجربة رائعة وانطلاقة جديدة لتخصص جديد فى ليبيا، وكم كانت سعادتى وانا اغطس فى المواقع الاثرية تحت الماء، واتاحة الفرصة لى لقراءة التاريخ عبر العصور. بعثة لإنجلترا أعشق الاثار منذ كنت فى المرحلة الثانوية، بهذه الكلمات بدأت ندى كامل محمد طالبة ماجستير بالمركز حديثها، حيث تقول: عرفت المركز من خلال الموقع الرسمى للكلية وحصلت على كورسات للغطس وسافرت الى كرواتيا للتدريب على العمل الاثرى تحت الماء وبعدها سافرت بمنحة الى انجلترا لمدة ثلاثة أشهر وأقوم بتنفيذ مشروع الوعى بالاثار الغارقة مع بعض الزملاء، وأجد متعة فى الغوص تحت الماء والاستمتاع بالاثار الغارقة واشعر بتحقيق ذاتى وانا اغطس فوق المواقع الاثرية. وعن مدى اهمية المركز فى علم الاثار البحرية يقول ايهاب فهمى مدير عام الادارة المركزية للاثار الغارقة إن المركز يعد الاول فى المنطقة العربية معتمدا وتكمن اهميته فى تعريف المجتمع بالثروة الاثرية تحت الماء إلى جانب نشر الوعى الثقافى والاثري، وقد ساهم المركز فى اكتشاف وتوثيق عدد من المواقع الاثرية من خلال التعاون بين الادارة والمركز الذى يعد فخر جامعة الاسكندرية.