العلماء: الاخلاق ميثاق حياة.. والاصلاح يبدأ من الاسرة السلوكيات والمظاهر السلبية التى اجتاحت عقول وتصرفات شبابنا فى الآونة الأخيرة أكثر من أن تحصي، وليت الأمر مقصور على الشباب، بل طال الفتية والأطفال فى مرحلة ما قبل المراهقة والبلوغ.. حيث أصبحر ضحية العنف اللفظي، والبلطجة، والتهكم والسخرية، والتقليد الأعمى لموضات الغرب، فضلا عن افتقاد التراحم والاحترام، وغياب الحياء والنخوة، وغلبة القسوة وجفاف المشاعر الإنسانية، وفساد الذمم.... إلخ.. كل ذلك ينبئ عن تراجع شديد وفساد كبير فى القيم الأخلاقية التى كانت تظلل مجتمعاتنا الشرقية ونفخر بها إلى سنوات قليلة مضت، قبل أن تهب علينا رياح التغريب والتشويه الأخلاقي، ومفاسد التكنولوجيا. علماء الدين أكدوا أن عوامل عدة مجتمعة أدت إلى تلك الحالة المتردية لأخلاق شبابنا، التى تصادم قيمنا، وترفضها جميع الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية. وطالبوا بثورة أخلاقية واستراتيجية محددة نعود بها إلى قيمنا التى أمرنا بها الله عز وجل وعلمنا إياها النبى صلى الله عليه وسلم. وتقول الدكتورة أمانى محمود عبد الصمد الباحثة فى الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم: قديما كانت تسود المجتمع عادات وقيم أساسها الفطرة السليمة، التى تزكى فى أصحابها الصدق والأمانة، والحياء والعفة والاحترام، وتوقير الكبير واحترامه، سواء كان هذا الكبير أبا أو أخا أو معلما أو عالما. وهى نفسها الفطرة التى تفرض على صاحبها حماية الضعفاء وكفالة الفقراء ومراعاة شعور الجار ولو كان غير مسلم. وجاء الإسلام فاهتم بالأخلاق اهتماما عظيما، فالقرآن الكريم والسنة النبوية يستنبط منهما أحكام يجب على الإنسان أن يتبعها لكى يكون مسلما، وهذه الأحكام تتنوع بين أحكام فى العقيدة، وأحكام فى الأخلاق، وأحكام فى العبادات والمعاملات المالية وغيرها من أفعال المكلفين، فالأخلاق تمثل دعامة أساسية من دعائم الإسلام، فكما لا يصح إسلام أحد دون عقيدة، ولا يصح الإسلام دون اتباع للأحكام الفقهية المتعلقة بعبادته ومعاملاته المالية... أيضا، لا يصح إسلام أحد دون اتباع لأحكام الأخلاق فى الإسلام، فالإسلام دائرة يتكون محيطها من اتباع تلك الأحكام، ويجب على المسلم إكمال ذلك المحيط، وإلا خرج من دائرة الإسلام، كما أشارت بذلك كثير من الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة. الأخلاق ميزان المسلم وتؤكد د.أمانى أن الأخلاق الإسلامية هى قوام شخصية الإنسان المسلم والميزان الذى يزن به إيمانه وقربه من الله، قال تعالي: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». ويقول صلى الله عليه وسلم: »إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، ولا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ« وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ. وقالت إن فى اتباع حسن الخلق سعادة الدنيا والآخرة، وفى سوء الخلق خسران وضياع دينى ودنيوى أيضا، فالأخلاق هى الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، لذا فيخطئ من يعتقد أن ما تعانيه بعض الأمم والحضارات من انحدار كامن فى الضعف المادى أو العلمى فقط، وإنما فى الضعف الأخلاقى بالأساس. ميثاق حياة وتشير الدكتورة إيمان حسين عصفور أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية البنات جامعة عين شمس الى أن الأخلاق ميثاق حياة.. فهى عماد الرقى والتقدم فى أى مجتمع.. وهى أساس التراحم والتعاطف بين البشر.. وميزان العدل فى كل التعاملات، فالمجتمعات التى تتردى فيها الأخلاق تصاب بالعطب الفكرى والجمود العاطفي، فيباح فيها كل ألوان الشرور والهمجية وتسود فيها الأمية الوجدانية وتتأخر علمياً وتنموياً. وأوضحت أن ما شهدته الآونة الأخيرة من صور سلبية تعكس تراجعا بينا للقيم الأخلاقية وظهور غيرها من المظاهر السلوكية التى تنهى عنها كل الرسالات السماوية والدساتير الإنسانية. هذا بالإضافة إلى أن هناك نوعا آخر من التراجع قد لا يفطن إليه البعض، وهو التراجع الأخلاقى التكنولوجي.. والذى تمثل فى صور متنوعة منها التنمر الإلكترونى عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وتفشى فيروس التحرش اللفظى الكتابى والمرئى والتلصص والتجسس للنيل من آخرين وتشويه سمعتهم أو السخرية منهم أو تتبعهم لتهديدهم وابتزازهم. وذلك كله امتداد للتراجع الأخلاقى الذى نحن بصدده، فالتراجع الأخلاقى أفقد الإنسان الأمانة والمراقبة الذاتية لله عز وجل، وبمجرد أن يخلو بذاته ارتكب من المعاصى ما يحلو له. مؤسسات التنشئة وحملت د. إيمان عصفور مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الدعوية والتربوية، والتعليمية، والإعلام والأسرة) الدور الأكبر فى حدوث هذا التراجع، وطالبت بإعداد برامج ودورات تدريبية للمعلمين والطلاب وأفراد المجتمع لنشر قيم الحب والسلام وتوظيفها فى المواقف الحياتية. وإعداد أفلام ومسلسلات وأغان وإعلانات ومقالات هادفة بوسائل الإعلام المختلفة لإبراز الجوانب الإنسانية الإيجابية والعادات والتقاليد المصرية والعربية، والحد من بث أفلام العنف والتطرف والتلوث اللفظى والبصرى ..فالعنف يُولد نفوسا مريضة نفسياً تهدم نفسها وتعرقل مسيرة مجتمعها فى حين أن الحب يُولد نفوسا سوية عامرة بالخير زاهرة بالعطاء لنفسها ولمجتمعها. بالاضافة الى بث برامج ثقافية عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية للكشف عن عواقب سلوكيات الهمجية والتطاول والحقد والكراهية والاستقواء بين المراهقين والشباب، والاستشهاد فى ذلك بنماذج حية لأخذ الدرس والعبرة من أخطاء الآخرين. آفات التكنولوجيا من جانبه اعتبر الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، الثورة الهائلة فى تكنولوجيا المعلومات وتعدد وكثرة منافذ ما يسمى بالتواصل الاجتماعى سببا رئيسيا فى تراجع منظومة القيم والمبادئ حيث فتح أمام الجيل المعاصر أبوابا كثيرة للتأثير والتأثر الذى يأتى بصورة سلبية وأكد ان إصلاح الأخلاق يبدأ من البيت: الأب والأم والأخوة والأخوات الكبار على أن يكون الموجهون والمربون قدوة لما يوجهون به، فلا يعقل أن يحذر الأب أو الأم ابنه أو ابنته من مواقع معينة تهدم المبادئ والقيم الأخلاقية ثم يرتادها هو.!! ولا ننسى أيضا دور بيوت العبادة، حيث إن للدين دورا أساسيا فى المحافظة على القيم والأخلاق بما فيه من توجيه وإرشاد وإشباع للجانب الروحى والنفسى عند الناشئة وبما يحمله من ترغيب وترهيب؛ ترغيب فى عمل الخير وفى التمسك بالخلق الحسن وترهيب من سوء الأخلاق وسئ العادات والتصرفات. بالإضافة إلى الجانب التربوى فى العملية التعليمية، فدور المدرسة الأساسى هو دور تربوى تعليمى ومسئولية المدرس لا تقل عن مسئولية الأب فى البيت، وكم من معلم صالح كان قدوة ومثلا لتلاميذه الذين صاروا بعد ذلك نماذج حية لأخلاقه وتربيته. ويطالب الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر: بالاهتمام بتنشئة الشباب وتقويمهم ويجب على ولاة الأمر وضع استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف، مع الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام لما لها تأثير من عظيم فى تشكيل وعى الشباب. فمعظم الألفاظ والسلوكيات السلبية يقتبسها الشباب من الإعلام والسينما، بالإضافة إلى إصابة الشباب بشهوة التقليد ومجاراة الموضات الحديثة ولو كانت غريبة أو شاذة على مجتمعاتنا، دون تفكير او إعمال عقل، وإلا فما الذى يدفع الشباب إلى قصة شعر مقززة أو ارتداء بنطال مقطع بعض أجزائه، أو نحو ذلك، ناهيك عن بعض الألفاظ والحركات التى يبرأ منها الإسلام.