العلماء : الأديان تؤكد على الأخلاق الحميدة عند الفرد والجماعة يجب أن تستمد المناهج من القيم الإسلامية النبيلة
فى ظل ما يعانيه المجتمع من انفلات أخلاقى وحالة الفوضى والعشوائية وانتشار ظواهر سلبية دخيلة على الشباب أثرت على المجتمع المصرى بصورة أو بآخرى أدت إلى انفلات فى الأخلاق وسوء فى سلوكيات الأفراد نتج عنها انتشار الفكر المتطرف لدى الشباب وغياب الانتماء وحب الوطن نتيجة لغياب الأخلاق. تقدم النائب علاء والى، بمشروع قانون إلى مجلس النواب، بتعديل المادة 8 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، ويقضى بإضافة فقرة جديدة تنص على إدراج مادة التربية الأخلاقية كمادة أساسية فى مراحل التعليم الأساسي، ووقع على المشروع 63 نائباً. وأكد علاء والى عضو مجلس النواب أن الغرض من مشروع القانون تصحيح المفاهيم المغلوطة من خلال مادة الأخلاق وتدريسها فى مراحل التعليم الأساسى لغرس حب الوطن والانتماء لدى الطلاب من البداية وتوعية الأجيال القادمة بالأخلاق الحميدة. وقال إن الهدف من المشروع هو معالجة سوء الأخلاق التى انتشرت فى الفترة الأخيرة وأدت إلى الانفلات الأخلاقى والتطرف واعتناق الفكر التكفيرى، حيث تعرضت مصر فى الفترة السابقة عقب 25 يناير لموجة عنيفة من الانفلات الأخلاقى أدت إلى انهيار فى القيم الأخلاقية نتيجة لعدة عوامل من أهمها السوشيال ميديا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى والعولمة التى كان لها تأثير قوى على سوء الأخلاق. وأضاف: إن تدريس الأخلاق فى مراحل التعليم الأساسى يسهم فى وقاية الطلاب من جرائم الأخلاق والفكر المنحرف المتطرف وذلك من خلال المواد الدراسية والأنشطة بأساليب متعددة منها القدوة الحسنة والحوار عن طريق المشاركة والممارسة المجتمعية التى تسهم فى غرس الإيمان وحب الانتماء، والدراسات التربوية الحديثة أثبتت من خلال النتائج أن التربية الأخلاقية تساهم بشكل فعال فى غرس الأخلاق الحميدة والقيم المثالية فى نفوس الطلاب فضلا عن أنها وقاية مباشرة من الفكر المتطرف والسلوكيات الخاطئة، ومن ضمن بنواد القانون أن تكون المادة مادة رسوب ونجاح و أن يكون 25% على سلوك الطالب فى المدرسة. مادة أساسية من جانبهم طالب علماء الدين بضرورة تدريس مادة التربية الأخلاقية فى مراحل التعليم الأساسى وجعلها مادة أساسية لترسيخ الأخلاق الحميدة للطلبة فى المراحل التعليمية الأساسية لتسهم فى تنشئة الطلبة على القيم والأخلاق الطيبة التى نحتاجها لصلاح المجتمع وإخراج جيل نافع لوطننا. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن مادة الأخلاق هى مادة أساسية فى تربية الناشئة, باعتبار أن الخلق القويم من مقاصد الشريعة الإسلامية, ونصوص القرآن والسنة حافلة بآداب هذه التربية, بل عرف من علماء السلف من ألف فيها, كالإمام الماوردي, الذى ألف فيها كتابه (أدب الدنيا والدين), وكتابه (أيها الولد), وكذا غيره من الفقهاء. صياغة دقيقة وأضاف: إن المادة تحتاج إلى صياغة دقيقة, بحيث تكون مادتها جرعة قويمة فى الأخلاق, تعلق بذهن الناشئة فى باكورة حياتهم, وتشكل قيمهم ونوازعهم ونهجهم فى الحياة, بحيث لا تكون حشدا لمتفرقات شتى لا رابط بينها, ولا يخرج منها الدارس بطائل, وآلية وضعها معروفة لدى المتخصصين فى الدراسات الشرعية والتربوية والنفسية والاجتماعية, والعهد بها إلى المؤسسة الدينية فقط لوضع مادتها العلمية غير كاف, موضحا أن جوانب الأخلاق تفتقر إلى العوامل النفسية والتربوية والاجتماعية, ونحوها, التى تقتضى أن يشترك فى وضع هذه المادة علماء فى هذه التخصصات, حتى تخرج مكتملة الجوانب, فتحقق الغاية من وضعها, وتقريرها كمادة أساسية فى التعليم. تحض على مكارم الأخلاق من جانبه أشار الدكتور رأفت عثمان, عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إلى أن الأديان السماوية جاءت للتأكيد على الأخلاق الحميدة عند الفرد والجماعة والدولة، والشريعة الإسلامية ما هى إلا عقيدة ومعاملات وأخلاق فى الأساس، فالعقيدة فى مجملها هى حب الله واعتراف بالربوبية وحب الله الحقيقى يستدعى أن يكون الإنسان عاملا بما هداه الله إليه من تشريعات من أحكام سواء فى علاقته بالله أو مع سائر أفراد المجتمع لقوله تعالي: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). ولقد بين العلماء الارتباط الوثيق بين الإيمان والأخلاق كما أشار ابن القيم إلى أن النبى جمع بين تقوى الله وحسن الخلق وعلل هذا بأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وربه وحسن الخلق يصلح بينه وبين خلقه فتقوى الله تستوجب محبة الله وحسن الخلق يستدعى الناس إلى محبته والأخلاق هى الآداب العامة الفاضلة التى يجب أن تحكم سلوك الجماعات والأمم والأفراد. وطالب بضرورة وضع مادة التربية الأخلاقية من الابتدائى إلى الجامعة لبيان الأحكام التى تحض على مكارم الأخلاق والتى لها تأثير كبير فى تنشئة الأجيال على أساس متين وقوى يساعد على نشر الفضيلة والبعد عن الأخلاق السيئة والعنف والإرهاب والتطرف. موضحا أن تدريس مادة الأخلاق واعتبارها مادة أساسية يساعد على القضاء على الأفكار الهدامة ويقوى روح التدين لدى الفرد والمجتمع وذلك لقول الرسول الكريم الإيمان قيد الفك لأن الإيمان يعصم صاحبه من التعدى على حياة الناس. تبنى الشخصية وأضاف: إن التربية الأخلاقية للطفل من البداية سواء كانت عن طريق التربية الأسرية أم كانت فى المناهج الدراسية عن طريق الأساتذة هى أسس بناء الشخصية الإنسانية السليمة. وطالب بأن تكون مادة رسوب ونجاح وتضاف إلى المجموع النهائى حتى بالجامعة لضمان تنشئة جيل قوى يحافظ على امن وسلامة وطنه ضد المخربين لان هذه المادة تعرض كل القضايا الشائكة سواء فقهية أو علمية أو ثقافية أو اقتصادية أو فلسفية مشددا بضرورة تضافر كل مؤسسات الدولة لبناء الشخصية المصرية، فالقضايا الأخلاقية ليست مقصورة على المسلم بل كل أطياف المجتمع حتى تؤدى فى النهاية إلى بناء مجتمع قوي. كما طالب بتضافر جهود جميع الجهات من البيت والأسرة والمعلمين فى المدارس والجامعات لتوجيه سلوك الطلبة والبعد عن سوء الأخلاق وذلك للعمل على تقويم الأخلاق لقول الرسول الكريم:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». ميثاق للأخلاق وفى سياق متصل يرى الدكتور احمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أهمية التركيز على الأخلاق فى السلوكيات العملية والحياتية فى المجتمع مع مراعاة فقه الواقع والمصالح، ومثال ذلك آداب الطريق وآداب المتعلم مع المعلم والانتماء للوطن والأخوة فى الله والإحسان إلى الجار. كما طالب بضرورة وضع ميثاق للأخلاق لأن ذلك يساعد بالضرورة على معالجة التطرف الفكرى والإرهاب فى بدايته من خلال أسلوب مبسط، وهذه المقررات المتدرجة فى علم الأخلاق تساعد على بناء مواطن صالح ومجتمع آمن مصداقا لقول الرسول الكريم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وأن يكون المكون العلمى لمادة الأخلاق من خبراء أكاديميين وتربويين ذوى خبرة فى توصيف مواد تعليمية متوازنة لأن المجتمع أصبح الآن فى حاجة إلى انضباط أخلاقى وخاصة فى ظل الانفلات السلوكى الذى انتشر بصورة مفزعة نتيجة غياب الرقابة سواء بالبيت أو المدرسة. وطالب بضرورة أن تكون مادة رسوب ونجاح ولا تكون مادة فرعية لأنها تؤسس قيم وشخصية الفرد خاصة فى المرحلة الابتدائية حيث يتم غرس إما القيم الفاضلة أو السيئة فى الأطفال. وأشار الدكتور إبراهيم نجم - مستشار مفتى الجمهورية - إلى أن الاهتمام بالطلبة فى هذه المرحلة العمرية فى التعليم الأساسى أمر مهم جدًا لأنهم يكونون أرضًا خصبة لغرس بذور القيم والأخلاق التى ستنمو معهم فى مراحلهم العمرية المختلفة فتحصنهم من الوقوع فى براثن الأخلاق والعادات البذيئة والسيئة، وتحصنهم كذلك من أن يكونوا عرضة للتطرف أو التسيب والانحلال. وحول ملامح هذه المناهج والمعايير التى يجب أن تقوم عليها، قال مستشار مفتى الجمهورية: «إنه يجب أن تستمد هذه المناهج من القيم الإسلامية النبيلة، وهى كثيرة ومتعددة وتغطى كافة جوانب الحياة، ونستطيع أن نستمدها من سيرة النبى صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام فى كتب السيرة النبوية وكتب التاريخ الإسلامي». وشدد الدكتور نجم على ضرورة ربط الطلبة بدينهم وبأخلاق المجتمع وعاداته الحسنة، وعرض نماذج من الشخصيات التى تمثل القدوة لهم، عن طريق سِيَرِهم التى تحض على مكارم الأخلاق، كذلك إبراز النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى تدعو لكل خلق حسن، وتنهى عن كل خلق دنيء، خاصة السلوكيات السيئة مثل التنابز بالألقاب والسباب والسخرية من الناس التى أصبحت سمة العصر، فقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: « ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء».