استحوذت أزمة غياب منظومة القيم الأخلاقية من حياة الشباب، وشيوع الأفكار المتطرفة بينهم، وتراجع دور الأسرة والمؤسسات المعنية فى نشر مفاهيم الحوار بين الشباب المعاصر، على أعمال المؤتمر الدولى الثامن عشر للفلسفة الإسلامية الذى نظمته كلية دار العلوم بجامعة القاهرة تحت عنوان «التربية الأخلاقية والتحديات المعاصرة». وكان الدكتور عبدالراضى عبدالمحسن رئيس قسم الفلسفة ومقرر الموتمر قد أكد أهمية موضوع المؤتمر، وقام بدوره فى توجيه الدعوة للخبراء والباحثين من ثلاث عشرة دولة عربية وأجنبية. وعلى الرغم من إجماع المشاركين فى أعمال المؤتمر على تعاون جميع مؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية فى صياغة «ميثاق أخلاقى» عام، يكون هاديًا للشباب ويضع المحددات الكلية للسلوك القويم فى حياتهم الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية. وأوصى المؤتمر بضرورة التعاون بين مؤسسات الفكر الإسلامى ومعاهده الكبرى على بيان معالم التصور الأخلاقى المكتمل الذى جاء به الإسلام، وأوصوا أيضًا بضرورة تجلية الفكر التربوى والأخلاقى عند مفكرى الإسلام وعدم التساهل مطلقًا فى شأن المراعاة الحاسمة للمعايير الأخلاقية للبحث العلمي. ويقول الدكتور محمد حفيان الأستاذ بجامعة السعيدة باليمن، فى بحث تحت عنوان: «المنظومة الأخلاقية الصوفية: هل يمكن أن تكون بديلا؟» إن التربية الأخلاقية فى التصوف الإسلامى صارت الآن فى بؤرة اهتمام الدرس النفسى والاجتماعى والدينى خاصة بعد الإفلاس الفكرى والانفلات السلوكى الذى أصاب حركات الإسلام السياسى وبعد انحسار القيم الأخلاقية والإنسانية. أما الدكتور حامد طاهر عميد الكلية ونائب رئيس الجامعة سابقًا، فيؤكد أن المعايير الأخلاقية فى الإسلام غاية فى البساطة وغاية فى الحسم والحزم، موضحًا أنه لا بد من ترسيخ الجانب الأخلاقى فى المجتمع، مبينًا أن التصور الإسلامى يقوم على أسس هي: العقيدة والشعائر والأخلاق والتشريع فمجرد أن يؤمن الإنسان بهذه العقيدة تتحول حياته من فوضى إلى نظام.وفى السياق نفسه قدم الدكتور أبو اليزيد العجمي، أستاذ الفلسفة الإسلامية بالكلية، بحثا تحت عنوان: «الشباب وقيم النهوض بمجتمعاتهم» أشار فيه إلى أهمية التربية الأخلاقية الرشيدة للشباب حتى ينهضوا بأعباء الحضارة والعمران فى مجتمعاتهم. وأوضح العجمى مكانة الشباب فى الإسلام باعتبارهم أبرز أدوات التغيير إلى الأفضل والأمثل، وباعتبارهم مستقبل الأمة دون منازع. وتقدم الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن الحضيبى أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط بجامعة شقراء السعودية ببحث عنوانه »دور المؤسسات الرسمية والأهلية فى التربية الأخلاقية«، أوصى فيه بضرورة وضع ميثاق أخلاقى لطلاب الجماعات الإسلامية، وإحياء دور المسجد والأسرة فى التربية الأخلاقية وعدم ترك التربية للخدم والمربيات الأجنبيات والسائقين، وأن تقوم الجمعيات الخيرية ومراكز التدريب بإقامة الدورات التدريبية التى تمثل دور القدوة الحسنة فى المجتمع وضرورة الاحتفاء بحفظة كتاب الله ومنحهم الفرصة لتولى بعض المناصب القيادية. أدب الحوار وفلسفته وتقدم الدكتور مصطفى محمد يحيى عبده الأستاذ بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالزقازيق ببحث عنوانه »فلسفة الحوار فى الإسلام« موضحًا أن الحوار جزء لا يتجزأ من الإسلام، وذلك لأنه من الثابت أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وفى الوقت ذاته أكد المولى سبحانه أنه لا إكراه فى الدين، إذن فليس إلا الحوار إقناعا بالدين ووصلا إلى إثباته، وتكمن فلسفة الحوار فى الإسلام فى أنه الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحق، كما أنه الوسيلة التى بها يرسخ الدين ويثبت فى نفوس أتباعه أولا، ثم فى نفوس الآخرين ممن يجرى الحوار معهم. نحو ميثاق أخلاقي وطالب الدكتور علاء رأفت عميد الكلية ورئيس المؤتمر بتفعيل دور الأخلاق فى العملية التعليمية والصحف والمجلات، وتوضيح دور العلماء فى نشر الفضيلة والتحذير من الرذيلة. أما الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة فطالب بتوظيف الفن لدعم القيم والأخلاق، مشيرا إلى أن الفلسفة يجب أن تُوجِّه وتصحح وتكون جزءًا من حياة الناس، وأنه ليس المهم أن نحفظ ولكن المهم أن نعى فالوعى هو الفلسفة. وفى ختام أعماله أوصى المؤتمر بضرورة تحرير المفهوم الدقيق للتربية الأخلاقية فى ضوء المناهج التربوية والفلسفية المعاصرة، والعناية بوضع «ميثاق أخلاقى» عام، يكون هاديًا للشباب ويضع المحددات الكلية للسلوك القويم فى حياتهم الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية، كما أوصى المؤتمر بدعم الدور المنوط بالأسرة بوصفها الحاضنة الأولى للنشء ونشر مفاهيم التربية الأخلاقية والإفادة من المنهج الخاص المتفرد للتربية الفنية فى دعم القيم الخلقية للطفل، وناشد المؤتمر القائمين على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا سيما القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعى بتحرى المعايير الأخلاقية فيما يقدمونه من مادة إعلامية موجهة إلى الرأى العام، حيث إنها تؤثر فى قطاع عريض خاصة الشباب. كذلك أوصى القائمون على المؤتمر بضرورة التعاون بين مؤسسات الفكر الإسلامى ومعاهده الكبرى على بيان معالم التصور الأخلاقى المكتمل الذى جاء به الإسلام، وأوصوا أيضًا بضرورة تجلية الفكر التربوى والأخلاقى عند مفكرى الإسلام وعدم التساهل مطلقًا فى شأن المراعاة الحاسمة للمعايير الأخلاقية للبحث العلمي. كما أوصى المؤتمر بتخصيص صفحة بالجرائد الرسمية للقيم الأخلاقية، وتبارى الكتاب فى بثها فى المجتمع، وتوحيد الفلسفة التربوية للعاملين بمجال التدريس والتوجيه من خلال جامعة متخصصة فى مجال التربية وتأهيل القائمين على التربية، ونشر قيم التسامح بين فئات المجتمع ومؤسساته.