قبل ثمانى سنوات، عندما هبت رياح التغيير فى المنطقة العربية، شدنى السؤال, ما الذى يحدث؟ ولماذا؟ وما هو مستقبل هذا الحراك الثوري؟ ولماذا نجح فى دول وأخمد فى دول أخرى؟ وجاء الرد فى كتاب أصدرته أواخر عام 2013 تحت عنوان: «غياب الرؤية الحضارية». ما جعلنى أعود لهذا الكتاب، اليوم، هو ما شهدته السودان وقبلها الجزائر من إسقاط الحكام بعد احتجاجات شعبية أعادت للذاكرة صخب أحداث 2011، كما اعادت إليها ما ميز الشارع الجزائرى والسودانى فى تلك الفترة. ففى الجزائر قادت أحزاب المعارضة الى جانب بعض الشباب الجزائري، آنذاك، تظاهرات طالبت بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، لكنها تعثرت بسبب عدم تفاعل الشعب مع مطالب هذا الحراك الذى لم يحظ، أيضا بتغطية كبرى فى الإعلام الجزائرى الذى تعامل معها باستخفاف، بل ونجح هذا الأخير، بتوجيه من السلطة، فى تحويل مسار الحراك إلى مجرد مطالب اجتماعية فئوية، اعتبر، وقتها، انه سوف تتم الاستجابة إليها. وبنفس النبرة استبعد بعض المحللين السياسيين الجزائريين أن تكون للاحتجاجات علاقة بأى مشروع ثورة على شاكلة الربيع العربي، واعتبروا ان الحراك الجزائرى لم يخرج عن كونه مجرد احتجاجات على الوضعية الاجتماعية للمواطنين. وبهذا المنظور، ابتعد الحراك الجزائرى عن مفهوم الثورية، سواء لدى النخبة او الشعب، الأمر الذى تعامل معه النظام، آنذاك بحيطة وبقدر من الذكاء، حيث تم تحويل مسار الحراك إلى حالة من الخمود، مستغلا فى ذلك ما آلت إليه الأوضاع فى دول الجوار، سواء فى تونس وليبيا ومصر التى وصل إليها الاسلاميون، وما كان يعنيه ذلك للجزائر التى كان لها تجربة سوداء معهم، ما جعل الشعب يحسم قراره لصالح النظام. أما فى السودان، فقد انطلق فيه الحراك، فى ذلك الوقت، بالقليل من المظاهرات التى ظهرت على استحياء فى 30 يناير 2011، حيث طالبت بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، فيما نادى عدد ضئيل منها بتغيير النظام. وقد كان الحشد ضعيفا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لاقت هذه الدعوات كمّا من السخرية والتعليقات المستخفة بالقدرة على التغيير. وقد كشفت هذه التعليقات عن واقع شعبى سيطر عليه اليأس، حيث طرح الحراك السودانى كما من الاسئلة الصعبة من نوعية: ما الفائدة من الثورة؟ وما الفائدة من الإطاحة بالنظام وحال البلاد التى دعت الثورة فيها الى التغيير، مثل مصر وتونس وليبيا، لم يأت تغييرها بالجديد سوى ازدياد الأوضاع سوءا مما كانت عليه، بعدما ركب الإسلاميون الموجة، وكان واضحا أن هدفهم كان إما الوصول للسلطة وإما إحراق البلاد. وردا على لماذا لم ينتفض شعب السودان، كان الرد هو أن الشعب لا يرى فى الأفق بديلا جديرا بالثقة إذا هو أطاح بحكومة البشير، لذا لم تلق دعوات الحراك الثورى أى تجاوب من الشعب. بالإضافة الى ذلك، وفى سابقة أولى من التحدى بين الحكومة السودانية وبين المعارضة، انتقدت الحكومة السودانية، وقتها، وبلهجة قاسية، مساعى المعارضة لإسقاط النظام، وتحدّتها بأن تأتى بربيع عربى فى البلاد. وكانت هذه الثقة الحكومية فى تحدّيها للمعارضة مبنية على ما اختبره السودانيون أنفسهم من مواقف المعارضة المتخاذلة والقوى الداعية للحراك بأنهم يستغلون جوع الفقراء للصعود الى حكم الخرطوم. لكن واقع الأمر فى الخرطوم كان متدهورا على جميع المناحي، خاصة فى ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية بعد فقدان موارد النفط عقب انفصال الجنوب، إضافة، إلى حركات تمرد فى كثير من مناطق البلاد، فضلا عن إصدار مذكرة توقيف دولية بحق عمر البشير. ،ورغم أن السودان شهدت احتجاجات متفرقة ضد حكم البشير وحزبه المؤتمر الوطني، لكن هذه المرة الاولى التى يتراجع فيها الشعب عن مطالبه، ليس حبا فى النظام أكثر من أنه خوف من تضخم الاحداث، وان يحدث للشعب السودانى ما يعانيه الشعب السورى من شتات. ورغم أن هذا التخوف كان شرعيا فإن هناك من اعتبر أن الشعب السودانى بدا فى صورة المهمل الذى ضيع قضيته وحراكه وقضايا الإصلاح بسبب الخوف، وربما هو نفس الخوف والريبة التى سيطرت على الشارع الجزائري. لقد انتظر الشعبان الجزائرى والسودانى ثمانى سنوات قبل ان يتخلصا من حالة الخوف هذه. وقد اختمرت لديهما فكرة الثورة ما يكفى ليقوداها باحتجاجات لم تدم سوى أسابيع قليلة حافظا خلالها على السلمية وعبرّا عن نضج سياسى نجحا معه فى تحقيق جزء من مطالبهما. لكن يبقى ذات السؤال الذى طرحناه فى 2011، وماذا بعد إسقاط الحاكم؟ هذا ما ننتظر ان تكشفه الأيام او ربما الاشهر المقبلة، آملين ان تكون المسارات مختلفة عما شهدته المنطقة قبلا، وتكون النتائج أفضل، مع مراعاة ان السيناريوهات التى لا يتفق فيها الجيش والشعب على خطة واضحة للمضى قدما، فدائما ما تكون النتائج كارثية. لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى