على مدى 24 شهرا عاش المحقق روبرت مولر فى أذهان الأمريكيين شخصية أقرب للخيال. بدا للبعض وكأنه »سوبرمان« بُعث فى هيئة محقق فيدرالي. فالرجل يعرف ما لا يعرفه الجميع، وذهب الخيال بكثير من الديمقراطيين إلى قناعة بأنهم سيستيقظون ذات صباح على نبأ انتهاء تحقيقات مولر بإدانة ترامب وأفراد إدارته. أما أنصار ترامب فقد حملوا ل»مولر« وتحقيقاته كل كراهية وازدراء، كشخصية خيالية شريرة تحاول الإيقاع بمبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الأمة الأمريكية. بدأت تحقيقات مولر قبل أكثر من عامين للنظر فى اتهامين محددين يتعلق الأول بما إذا كان هناك تعاون مباشر فى 2016 بين حملة ترامب المرشح الجمهورى فى انتخابات الرئاسة آنذاك وبين روسيا للتأثير على سير هذه الانتخابات ونتائجها. ويتعلق الثانى بما إذا كان ترامب قد ضلل العدالة. وقبل أيام انتهت التحقيقات بتقرير مقتضب فى أربع صفحات رفعه وزير العدل الأمريكى ويليام بار إلى الكونجرس، يخلص إلى عدم توفر أدلة تثبت تورط حملة ترامب فى التآمر أو التعاون مع الحكومة الروسية فى الأنشطة التى قامت بها بهدف التدخل فى هذه الانتخابات، لكنه أيضا لم يبرئ الرئيس من شبهة تضليل العدالة. ورغم تلك النتيجة غير الحاسمة، فقد اعتبرها البيت الأبيض تبرئة بينة وشاملة للرئيس ترامب، وهزيمة منكرة لمناوئيه. وعلى رأس هؤلاء الديمقراطيون الذين طالما انتظروا أن يقدم لهم »مولر« الدليل الدامغ الذى يمكن أن يستخدموه لإقالة ترامب من الرئاسة قبل انتهاء فترته. لم يصدق هؤلاء أنه بعد ثبوت بعض الوقائع الدامغة، مثل لقاء ابن ترامب مثلا محامية روسية ذات صلة بالكرملين، لمناقشة سبل تشويه حملة منافستهم هيلارى كلينتون، واتصال الابن نفسه بموقع «ويكيليكس» فى الوقت الذى نشر فيه الموقع بعض رسائل البريد الإلكترونى الخاصة بهيلاري، ومناشدة ترامب نفسه فى أثناء الحملة روسيا أن تنشر هذه الرسائل، بعد كل هذه الوقائع، لم يصدق هؤلاء وجود نقص فى أدلة الإدانة. من ناحية أخرى مهمة للغاية، كشفت تحقيقات »مولر« عن تدنى مستوى مهنية وسائل الإعلام الأمريكية التى تابعت التحقيقات وكأنها حلقات درامية مثيرة، حيث لم تتسم كبرى المؤسسات الأمريكية بالحياد فى تغطياتها، وعمدت إلى إصدار أحكام إدانة قاطعة. عناوين التقارير الإخبارية بدت أقرب لموضوعات المنوعات منها إلى التحليلات السياسية. وبدلا من وصفها للمحقق مولر بأنه الرجل الذى يعرف كل شيء، راحت تلك المنافذ الإعلامية نفسها بعد صدور التقرير تصفه بأنه مجرد موظف تقليدي، رجل ذو خلفية محافظة أدار تحقيقات ضيقة النطاق، مركزا على وجود جرائم قانونية وليست مخالفات سياسية. البعض لايزال ينتظر صدور التقرير الكامل للتحقيقات، بحثا عن إدانة خفية بين سطوره، لكن التقرير قد لا يتاح قريبا للجمهور بسبب ما قد يحتويه من معلومات حساسة. نهاية تحقيقات »مولر« ليست الختام، فالتحقيقات التى يجريها الديمقراطيون حول ترامب مستمرة حيث أرسلت بالفعل لجنة الرقابة بمجلس النواب، الذى يسيطر عليه الديمقراطيون، رسائل استدعاء ل51 شخصا ممن يدورون فى فلك ترامب لسماع أقوالهم. تلك التحقيقات ستكون موسعة وتشمل كل ما يتعلق بالرئيس.