أخبار مصر اليوم: خطة حكومية لتعظيم العائد الاقتصادي من خامات المثلث الذهبي.. الزراعة تنفي علاقة "النمل الأبيض" بانهيار منازل بالأقصر.. قرار حاسم من محافظ القاهرة بشأن نظافة المحال    بلومبرج: أمريكا تسعى لعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة الشهر المقبل ومصر ضمن الأماكن المقترحة لاستضافته    مدرب جنوب أفريقيا: مواجهة مصر مختلفة تماما.. ونعرف كيف نستعد لها    ميرال الهريدي: تحركات الرئيس السيسي ترسم ملامح نظام عالمي متوازن    60 دقيقة | محاولات مصرية لإدراك التعادل وتراجع زيمبابوي    شاشات عرض فى شوارع المنيا لمتابعة مباراة مصر وزيمبابوى فى بطولة أمم أفريقيا    السيطرة على حريق شب داخل مخزن خشب بالمرج    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    دراما بوكس| «المتر سمير» ينافس في رمضان 2026.. وأيتن عامر تعتذر    الإجهاد الذهني، أسبابه وطرق التخلص منه بوسائل طبيعية    «الهلال المصرى» يقاوم برد غزة |قافلة طبية لدعم الأشقاء فى السودان    النيابة ترسل صورة من تحقيقات قضية وفاة السباح يوسف محمد لوزارة الرياضة    برلماني يقترح إنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري وحماية المواطنين من النصب    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    مروة عبد المنعم: حزينة من كمية التطاول غير المهني على الفنان محمد صبحي.. بابا ونيس خط أحمر    وليد صلاح عبداللطيف: منتخب مصر مرشح للتتويج بأمم أفريقيا    مسؤول سابق بالناتو: احتجاجات مزارعين أوروبا تتصاعد بسبب تقليص الدعم    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    مصر و الأردن يؤكدان تعزيز التعاون في النقل البري خلال اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بعمان    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة مصر × زيمبابوي Twitter بث مباشر دون "تشفير أو اشتراك" | كأس أمم إفريقيا    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    الكويت وروسيا تبحثان تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    محافظ بني سويف يوجه بتيسير عمل البعثة المصرية الروسية لترميم معبد بطليموس الثاني    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    نائب الصحة لشئون الحوكمة والرقابة يشهد الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    انتظام أعمال امتحانات الفصل الدراسي الأول بجامعة قنا    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    دكتور مصطفى الروبى : مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر (FinTech) كيف تستفيد الشركات الناشئة من التحول الرقمي    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    الحقيقة الكاملة لسحب الجنسية من البلوجر علي حسن    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    قمة منتظرة تشعل حسابات المجموعة الثانية.. بث مباشر جنوب إفريقيا وأنجولا في كأس أمم إفريقيا 2025    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وسائل التواصل.. عصر الجماهير الغفيرة على الإنترنت
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 03 - 2019

تحدث الرئيس السيسى أمام الشباب فى أسوان فقال إننا لم نكن مستعدين للطفرة فى وسائل الاتصال. الثورة فى وسائل الاتصال والتواصل لا تمثل مشكلة لنا وحدنا. قبل أيام، وبمناسبة العيد الثلاثين لإنشاء شبكة الإنترنت، أجرت هيئة الإذاعة البريطانية مقابلة مع مخترع شبكة الإنترنت، السير تيم بيرنرز لي، قال فيها إن الأمور على الشبكة كانت تسير بشكل حسن طوال الخمسة عشر عاما الأولى، لكنها بدأت تسوء بعد ذلك.
الأرجح أن السير بيرنرز لى يشير إلى الأثر الذى تركته وسائل التواصل الاجتماعى على شبكة المعلومات الدولية، فوسائل التواصل الاجتماعى هى الشيء الذى غير وجه الإنترنت منذ أن تم اختراعها. وصلت الانتقادات الموجهة لوسائل التواصل إلى مستوى غير مسبوق بعد أن قام القاتل فى مذبحة المساجد بنيوزيلندا ببث حى للمجزرة على الفيسبوك، وبنشر وصلة لمانيفستو الكراهية الذى شرح فيه عقيدته على موقع تويتر, الأمر الذى جسد الاتهامات الموجهة ضد وسائل التواصل لما تسمح به من تسهيل نشر التطرف والكراهية.
فى عام 2010 كنا نجهز لتجديد موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية على شبكة الإنترنت، وكان بعض المتحمسين من الزملاء الشبان يريدون تحويل الموقع إلى موقع تفاعلى يتيح للقراء التعبير عن رأيهم فيما ينشر عليه من مقالات وتحليلات.
قاومت هذا الاتجاه لأن الكاتب ينشر ما يكتبه لكى يطالعه القراء، ولكنه يجب أن يتمتع بالحق فى التفكير والكتابة متحررا من ضغط هؤلاء القراء أنفسهم, وعلى المؤسسات الثقافية والبحثية توفير الحماية الضرورية للكاتب، لا أن تعرضه للضغوط. كان من رأيى أيضا أن بعض الناس يكتب، وبعضهم الآخر يقرأ، وأن تمييع الحدود بين الفريقين له مثالب كثيرة. فالقراء لهم الحق فى أن يعتقدوا ما يشاءون حول ما يكتبه وينشره الكتاب والمحللون، ولهم أن يمتنعوا عن قراءة ما يكتبونه كلية، وأن يلعنوهم فى جلساتهم مع الأصدقاء فى جلساتهم الخاصة؛ أما التحدث للناس كافة من فوق المنابر العامة فهو امتياز لكتاب يتمتعون باعتراف مؤسسات ذات جدارة، وأقران يتسمون بالتخصص والنزاهة.
قبل التواصل الاجتماعى كان هناك البلوج، حيث كان الراغبون، وبتكلفة لا تذكر، يخلقون لأنفسهم مساحة على شبكة الإنترنت، ينشرون عليها ما يحبون، أملا فى أن تجذب كتاباتهم الزوار / القراء. كان البلوج وسيلة ممتازة لتمكين أصحاب المعرفة والموهبة من تقديم أنفسهم للقراء متغلبين على القيود المفروضة من مؤسسات النشر. فى مرات كثيرة كان صاحب البلوج الذى يصادف استقبالا جيدا من القراء ينتقل بكتاباته ليصبح جزءا من فريق عمل مؤسسة صحافة أو نشر تقليدية معترف بها, فكان البلوج وسيلة غير مكلفة لاكتشاف المواهب وتجديد دماء مؤسسات الصحافة والنشر والإعلام. كان البلوج وسيلة فعالة لمقاومة القيود على حرية التعبير التى تفرضها الحكومات. فحيث كانت النخبة الحاكمة تمنع ظهور نخب جديدة، أو تمنع النخب المنافسة لها من التعبير عن رأيها، كان البلوج علاجا فعالا.
تجاوز التواصل الاجتماعى كل ذلك عندما قام بمحو الخط والمسافة الفاصلة بين الكتاب والقراء، وبين النخبة والجمهور, فأصبح كل مشارك على شبكات التواصل يقوم بالدورين معا. الناس على وسائل التواصل لا يكتبون مقالا أو «بلوج» يؤصلون فيه لموقفهم أو لفهم ظاهرة ما. الناس على شبكات التواصل يطلقون تويتات يشرحون فيها موقفهم من الكون والنظام السياسى والإصلاح الاقتصادى فى حدود 280 حرفا. وهم أيضا يرفعون بوستات, والبوست هو شكل من أشكال التعبير ليست له ملامح محددة، فقد يكون طويلا أو قصيرا، مكتوبا أو منقولا أو مسروقا أو مرسوما أو مرئيا أو مسموعا, لكن المهم أن يكون فيه رأى وتعبير قوى يتذكره الناس، ويتيح لصاحبه الفرصة للزهو بنفسه عندما يتحدث عن فتوحاته التواصلية فى جلسة المساء على المقهى.
عصر الجماهير الغفيرة هو واحد من أهم كتب الراحل الدكتور جلال أمين. فى هذا الكتاب فسر الدكتور جلال أمين ظاهرة انحدار وتراجع الذوق العام فى العمارة والسلوك والموسيقى والزى والألفاظ بدخولنا عصر الجماهير الغفيرة، وهو العصر الذى جرى فيه تمكين أعداد كبيرة من الناس قادمين من خلفيات ثقافية متواضعة، لكنهم استطاعوا بما توافر لهم من مال المشاركة فى اقتصاد ومجتمع الاستهلاك، فأصبحت لديهم قوة شرائية يستخدمونها فى استهلاك ما يروق لهم من فنون وأذواق، فظهر فى السوق منتجون مستعدون لتقديم ما يحتاجه هؤلاء، مادام كان المقابل المادى مضمونا.
التواصل الاجتماعى هو مجتمع الجماهير الغفيرة على شبكة الإنترنت. فإذا كانت الجماهير الغفيرة فى الواقع ليس لها شهية تهضم كتابات معقدة، أو فن راق، أو موسيقى غير إيقاعية وغير راقصة، فإن الجماهير الغفيرة تتصرف بالطريقة نفسها فى الواقع الافتراضي، فتفضل اتخاذ المواقف على شرح الحجج والمبررات, وتحب للموقف أن يكون واضحا حادا جارحا زاعقا لأنها لا تستطيع تمييز الأصوات المنخفضة، أو ملاحظة الفروق الدقيقة بين الآراء؛ وتفضل النكتة والقلشة والسخرية على الأفكار المنطقية المرتبة, وتتذوق اللغة العامية على العربية الرصينة؛ ولاتستبعد استخدام اللعنات والشتائم، أما وأبا، مادام ذلك يجسد الموقف بطريقة أكثر درامية.
التواصل الاجتماعى هو طوفان بشرى اجتاح الإنترنت، فأغرق النخبة من منتجى الأفكار. وبقدر ما كانت النخبة عندنا ضعيفة وضحلة وناقصة التكوين، بقدر ما كان إغراقها فى طوفان التواصل الاجتماعى أسهل، وكانت فداحة تأثير وسائل التواصل علينا أكثر خطورة منه فى بلاد أخرى، فيها نخب أفضل تكوينا، تمتلك جذورا أكثر عمقا، وتحميها مؤسسات ثقافية وسياسية قادرة على البقاء طافية فوق فيضان التواصل الاجتماعي، فكانت أكثر استعدادا لامتصاص الصدمة. ومثلما أغرق طوفان الهجرة الريفية مدننا وحرمها من تميزها منارة للحداثة، أغرق طوفان التواصل الاجتماعى ما جاد الزمان به من النخب ومؤسسات إنتاج الأفكار. فهل نسارع ببناء المؤسسات والنخب، ونغنيهم عن الحاجة لمداهنة الدهماء.
لمزيد من مقالات د. جمال عبد الجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.