تتابين آراء المثقفين حول الدور الذي تقوم به شبكة الإنترنت للترويج للمثقفين والأعمال الإبداعية، خاصة بالنسبة للكتاب الشباب من خلال النشر على الإنترنت، أو ما يعرف باسم (النشر الافتراضي)، فبينما يرى فريق أن الإنترنت فتح بوابة الإبداع والانتشار للأدباء والمبدعين الشباب، ويمنحهم فرصة للكتابة، والظهور على المشهد الأدبي بعيداً عن احتكار وسائل النشر والإعلام التقليدية، يرى فريق آخر أن الإنترنت روج لفكرة الاستعجال في النشر، ومنح بعض أصحاب القدرات السطحية فرصة للكتابة قد لا تكون مناسبة لهم، واعتبر هذا الفريق أن الإنترنت هو أداة لتلميع نجوم لا تستحق التلميع، وهو ما يؤدي إلى تضليل عقل القارئ، وخفض القيمة الأسلوبية والقيم الفكرية للكُتّاب وتروّج لفكرة الاستعجال والاستسهال. كما يؤكد أنصار الفريق الثاني أن شرعية أي كتاب لا تكتمل إلا بأن يخرج الكتاب للنور مطبوعاً ورقياً من ماكينات الطباعة والنشر التقليدي على حد قولهم، وليس من خلال النشر الإلكتروني، أو النشر الافتراضي عبر شبكات الإنترنت. نشر موازٍ الناقد المصري شوقي بدر يوسف، من أنصار الفريق الأول الذي يرحّب ب "النشر الافتراضي"، يقول: إن الإنترنت وفّر فرصة كبيرة للمبدعين لمتابعة آخر الإصدارات حول العالم، ووصف النشر على الإنترنت أو (النشر الافتراضي) بأنه عملية نشر موازية للنشر الورقي التقليدي، ويحقّق الانتشار للمؤلفين والمبدعين خاصة الشباب منهم، مشيراً في نفس الوقت إلى أن النشر من خلال الإنترنت أو (النشر الافتراضي) يعطي مساحة كبيرة للانتشار عبر مناطق جغرافية ممتدة من العالم، ولا يقتصر انتشار المؤلف أو الكاتب على مساحة جغرافية محدودة فقط. لكن بدر يشير إلى مشكلة حقيقية نتيجة انتشار النشر على الإنترنت أو (النشر الافتراضي)، وهي أن دور النشر التقليدية التي تنشر الكتب الورقية ترفض نشر أي كتب سبق نشرها عن طريق الإنترنت حتى لو كان هذا النشر قد تمّ في فترة سابقة، مؤكداً أنه لا يعلم سبب هذا الرفض. أما الروائية هالة البدري، فتعرض تجربتها في النشر الافتراضي على الإنترنت، وتقول: إن أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة في مثل هذا النوع من النشر اشترى منها حقوق النشر لروايتين هما "منتهى" و"ليس الآن"، ولكن التجربة لم يكتب لها النجاح، لأن الموقع لم ينجح في عرض الروايتين بالشكل المطلوب، ومع ذلك تؤكد البدري أن التجربة كانت مفيدة لها بالرغم من أنها كانت جديدة ولم يكتب لها النجاح. وتتوقّع البدري أن تكون الأجيال القادمة من المؤلفين والمبدعين قادرة بصورة أكبر على التعامل مع الإنترنت من خلال هذا النوع المستحدث من النشر الافتراضي، وتعتبر البدري أن الدليل على ذلك هو المدونات التي يطلقها الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي وتحقّق انتشاراً كبيراً، ويتحوّل المحتوى المنشور فيها إلى كتب ورقية من خلال دور نشر تقليدية، ولكن هذه الدور لا ترفض نشر الأعمال الإبداعية المنشورة في مدونات، لأنها وجدت الإقبال عليها كبيراً من جانب عدد هائل من القراء خاصة الشباب. واعتبرت البدري أن أي تقدّم تكنولوجي هو عامل إضافة مفيد للثقافة، وقالت إنها نفسها تتمنى إطلاق موقع إلكتروني خاص بها للتواصل مع قرائها عبر شبكة الإنترنت، وحتى يتمكّن الجمهور من معرفة أعمالها بشكل أكبر. لكن الروائية مي خالد لها رأي مختلف، فترى أن النشر عبر الإنترنت أو (النشر الافتراضي) قد يؤدي إلى تضليل الكاتب خاصة المبتدئين منهم، لأن المبدع المبتدئ الذي يلجأ للنشر عبر الإنترنت لا يكون لديه الفرصة للمرور بعمليات نقد لأعماله، ويقوم بنشر كتبه مباشرة عبر (النشر الافتراضي) بدون أي مجهود أو بذل مادي أو معنوي، كما يستطيع هذا الكاتب أو المبدع المبتدئ نشر أعماله بصورة أوسع عبر أدوات النشر والترويج على الإنترنت، على الرغم من أن مستواه قد يكون ضعيفاً أو لا يرقى لمرحلة النشر، وهو ما يؤدي إلى عملية تضليل للقارئ وحتى للمبدع نفسه الذي لن يعرف مواطن ضعفه، ولن ينجح في تطوير قدراته على الكتابة، كما تشير إلى أنه حتى في حالة كثرة الترويج والدعاية لكتاب ما عبر الإنترنت، فإن هذا قد يؤدي لرد فعل عكسي خاصة بالنسبة للكاتب المبتدئ. أما بالنسبة للمبدع المتمرّس على الكتابة وسبق له النشر فعلاً من خلال وسائل النشر التقليدي، فتعتبر مي خالد أن النشر على الإنترنت بالنسبة له سوف يكون شكلاً من "جس النبض"، ليعرف ردود الفعل على ما يقوم بكتابته قبل الدفع به للمطبعة وخروجه في شكل كتاب تقليدي. لكن مع ذلك فإن مي تعتبر أن النشر على الإنترنت أو (النشر الافتراضي) يعطي فرصة لمن لا يسمح لهم مستواهم الاقتصادي بشراء الكتب. أما الشاعر شعبان يوسف فقد رفض أي شكل من أشكال النشر على الإنترنت، أو النشر الإلكتروني بأي شكل من الأشكال، ويعتبر يوسف أن النشر بهذه الطرق الحديثة يخفض من القيمة الأسلوبية والقيمة الفكرية للكتاب على حد قوله، ويروّج لفكرة الاستعجال. ويضيف: العلاقة بين المبدع والمتلقي مختلفة نتيجة لاختلاف الرسالة، فالإنترنت يعرض رسائل لا تحوي أدباً كبيراً، ويمكن أن تؤثّر على القيمة الأدبية بشكل عام، والغريب أن المدونات تُنشر الآن في كتب وتغزو السوق وتروّج وتُباع إلا إن مردودها سرعان ما ينتهي، فالإنترنت لم يدُم كثيراً، والدليل أن المدونين يسعون لإعادة نشر المدونات في الكتب، فلكل وسيلة مروّجها، فالفيلم يختلف في عرضه في التلفزيون عن السينما، وكذلك الكتاب يختلف من عرضه على الإنترنت، ومن عرضه في كتاب ورقي. فكم من شعراء وكُتّاب روّج لهم بأشكال مختلفة من ضمنها الإنترنت وسرعان ما اختفت أصواتهم، والشاعر الأصيل يبقى حتى ولو كان بعيداً عن تلك الأضواء.