تعديل الدساتير ليس بدعة، كما أنه ليس اختراعًا مصريًا، فقد شهدت العديد من دساتير العالم تعديلات عديدة، فالدستور فى النهاية صناعة بشرية، قد يداخلها النقصان حينًا، أو عدم الملاءمة حينًا آخر، وجميعها قابل للتعديل، ومادامت الدساتير ليست مؤبدة، وأن الشعوب هى التى توافق عليها فى النظم الديمقراطية، ومادامت ليست كتباً سماوية فيمكن أن تخضع للتعديل، فالكمال لله وحده فقط، وصناعة البشر تنطوى على نقصان. وتكمن فلسفة تعديل الدستور المصرى، فى بناء مؤسسات قوية ومتوازنة وديمقراطية تستطيع القيام بمسئولياتها بكفاءة، دون المساس بالضمانات الأساسية التى كفلها الدستور. ومن أهم المبادئ التى يقوم عليها التعديل، دعم المرأة ودعم تمثيل الشباب، والأقباط والأشخاص ذوى الإعاقة، والمصريين المقيمين فى الخارج، بنصوص ثابتة وراسخة لا تقبل التأويل، فضلا عن إنشاء غرفة ثانية للبرلمان تسمى مجلس الشيوخ لتوسيع قاعدة التمثيل ولكى تضمن للجميع وجود قدم فى المجالس النيابية. ومن أسباب التعديلات أيضا، استكمال مشوار التنمية الذى بدأه الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومعالجة القصور الشديد فى بعض النصوص، والتى أثبت واقع الحال فى مصر وظروف البلاد وواقع المنطقة، عدم مناسبتها تماماً للظروف الراهنة، لبناء مصر جديدة وقوية، وحديثة وقادرة على التعامل مع التحديات فى الداخل والخارج. فى مراحل عديدة من عمر التاريخ، عدلت مصر دستورها، ولعلنا نتذكر أن دستور 1923، قد وضع من خلال لجنة مشكلة من ثلاثين عضوا برئاسة حسين رشدى باشا وضمت مجموعة من رجال القانون والعلماء والأدباء ورجال الدين وهم الشيخ / محمد بخيت شيخ الأزهر الشريف والأنبا يؤانس بابا الأقباط ورجل الأعمال يوسف قطاوى ممثل الطائفة اليهودية ورفض المشاركة فى أعمال اللجنة كل من حزب الوفد والحزب الوطنى، وقد أطلق على لجنة الثلاثين لجنة الأشقياء . وقد تعددت النظم السياسية من زاوية الفصل بين السلطات، تلك النظرية التى تجلت بوضوح فى كتاب الفيلسوف مونتسكيه روح القوانين الذى نشر عام 1748 وتضمن الإشارة إلى ضرورة وجود سلطات ثلاث فى الدولة تشريعية وتنفيذية وقضائية، مؤكدا ضرورة التعاون بين هذه السلطات ورافضا الفصل المطلق بينها . والحقيقة أن تعدد النظم السياسية من منظور نظرية الفصل بين السلطات أفضى إلى وجود نظام رئاسى، كالنظام الأمريكى الذى تتركز فيه جل السلطات فى يد رئيس الدولة ، والنظام البرلمانى كالنظام البريطانى الذى فيه الملك يملك ولا يحكم، والوزارة هى القلب المحرك لهذا النظام، لكن يلزم ان تكون الوزارة أو الحكومة حائزة دوما لثقة البرلمان. وهناك نظام حكومة الجمعية أو النظام المجلسى الذى تختص فيه السلطة التشريعية بالجانب الأكبر من السلطات مقارنة بتلك المقررة للسلطتين التنفيذية والقضائية، كما تفرع عن هذه النظم نظامان آخران هما: النظام شبه الرئاسى، والنظام شبه البرلمانى . وتتعدد طرق إعداد الدساتير حيث يوجد ما اصطلح على تسميته بالطرق غير الديمقراطية، وهى أسلوب المنحة من الحاكم، وأيضا أسلوب العقد بين الحاكم والمحكومين، أما الطرق الديمقراطية فهى أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الدستورى وأحيانا يمكن الجمع بين هذين الأسلوبين، حيث يختار الشعب جمعية يناط بها مهمة إعداد الدستور أو يتولى البرلمان نفسه هذه المهمة، ثم يصار إلى عرض المشروع على الشعب، هيئة الناخبين فى إطار استفتاء عام ليقول كلمته بالقبول أو الرفض, نعم/ لا. ومن أمثلة ذلك أن المادة 156 من الدستور المصرى الصادر 1930 كانت تنص على الآتي: لا يجوز تعديل هذا الدستور فى السنوات العشر التى تلى العمل به, لكن الشعب لم يرتض هذا الدستور فأطاح بالدستور كله بعد خمس سنوات فقط حيث العودة إلى دستور 1923. وفى دولة الإمارات العربية المتحدة تنص المادة 144 من الدستور على أنه إذا رأى المجلس الأعلى للاتحاد أن مصلحة البلاد تتطلب التعديل يحال المشروع إلى المجلس الوطنى ويلزم موافقة 2/3 أعضاء المجلس الوطنى، بعد ذلك يقوم رئيس الدولة باسم المجلس الأعلى بالتوقيع على التعديل وإصداره. بينما نظمت المواد 174، 175، 176 من الدستور الكويتى كيفية تعديل الدستور، حيث أنه للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة اقتراح التعديل ويلزم موافقة 2/3 أعضاء مجلس الأمة على مقترح التعديل، ولنفاذ التعديل، يجب أن يصادق عليه الأمير ويصدره . وفى تونس، نص دستور عام 2014 والذى دخل حيز النفاذ بدءا من 10/2/2014 الفصل 143 على أنه: لرئيس الجمهورية و 1/3 من أعضاء مجلس نواب الشعب حق اقتراح التعديل واقتراح الرئيس له أولوية النظر ويعرض الاقتراح على المحكمة الدستورية ويلزم موافقة الأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل ولإقرار التعديل يلزم موافقة 2/3 أعضاء المجلس ، ثم يعرض على الاستفتاء الشعبى، ويصبح التعديل نافذاً بموافقة الأغلبية المطلقة للمشاركين فى الاقتراع. فيما نصت المادة 172 من دستور المملكة المغربية، على أنه للملك ورئيس الحكومة ولمجلس النواب ومجلس المستشارين حق اقتراح تعديل الدستور وللملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء المشروع الذى اقترحه ، كما تنص المادة 174 على أن تعرض مشاريع التعديل على الاستفتاء. وغنى عن البيان أن الدستور الفرنسى الحالى دخل حيز النفاذ عام 1958، وتم تعديله 3 مرات فى سنة واحدة، كما أن التعديل رقم 24 للدستور الفرنسى كان عام 2008 واشتمل على 36 مادة، كما جرى تعديله بالمخالف لنص المادة 89 من الدستور الفرنسى. وعلى ذلك ، فإن تعديل الدساتير أمر ليس بجديد، وقد تقتضيه الضرورة، إذا دعت الحاجة لذلك، وهو ما تتجه إليه مصر، بناء على تعديلات مقترحة من ممثلى الشعب وهم نواب البرلمان وأخيرا.. فإنه يلزم فى الاختلاف العلمى عزل سخونة اختلاف الرأى وتقريب الفكر المستنير وتكامله . ------------------------------- أستاذ القانون الدستورى بجامعة المنصورة لمزيد من مقالات د. صلاح الدين فوزى