هل يحتاج كاتبنا الكبير مصطفى أمين - فبراير 1914 - أبريل 1997 - إلى مناسبة للحديث عنه وهو من هو فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية؛ والذى أحدث بها بالتعاون مع توءمه على أمين انقلابا؛ فى الشكل والمضمون؛ كما أثبت أن المصريين قادرون على إنشاء صحافة ناجحة ومتميزة ومستمرة؛ كقدرة الشوام الذين أسسوا فى مصر أشهر المؤسسات الصحفية كالأهرام و دار الهلال و روزاليوسف؛ فجاء مصطفى أمين ليؤسس مع أخيه على أمين «أخبار اليوم» التى ولدت عملاقة لتحدث ثورة فى عالم الصحافة؛ وكان من الطبيعى بعد أن دخلت عالم الصحافة من خلال الفرصة التى أتاحها لى ولجيل كامل أستاذنا مكرم محمد أحمد أن يكون من أمنياتى مقابلة مصطفى أمين؛ وقد تحقق ذلك بفضل كاتبنا الكبير توفيق الحكيم الذى كان من أول المشجعين لى حينما كان يهدى كتبه إلى كبار الكتاب والأدباء فيعطيها لى لتكون مفتاحا لشاب مثلى لمقابلتهم؛ فيهتمون بى ويعرفون قدرى؛ وهم يرون شيخ المفكرين والأدباء يحملنى مسئولية الاتصال بهم فيعتقدون أنه ما فعل ذلك إلا لأنه وجد صحفيا مبشرا كما كتب فعلا لى فى أحد إهداءاته - وهكذا عرفت طريقى إلى كبار أدباء مصر ومفكريها. ولما كنت بصدد عمل تحقيق صحفى لإحدى الصحف العربية - إعانة على أعباء الحياة عن أشهر الأعمدة فى الصحافة المصرية؛ فقد اتجهت أولا إلى مصطفى أمين؛ وإن لم أستكمل التحقيق إلى نهايته؛ وظل حديثى مع مصطفى أمين قابعا بين أوراقى التى رحت أفتش فيها هذه الأيام لأعثرعلى اثنتى عشرة ورقة من كراسات التلاميذ المدرسية مشبوكة بدبوس علاه الصدأ؛ ورحت أقرأ مستعيدا صوت مصطفى أمين الهادئ الواثق الحنون لتضيء كلماته عقلى وقلبى؛ مستعيدا فى الوقت نفسه عصرا ذهبيا كنا نجد فيه التشجيع من الكبار ليأخذوا بأيدينا لصعود سلم النجاح؛ مما جعلنى أعيش فى نورذكرياتى مع هذا المؤسس العظيم؛ و التى بدأت بقصة طريفة. كنت لاأزال شابا فى مقتبل حياتى الصحفية محاولا أن أجد لى مكانا بشارع الصحافة حينما طلب منى محمد جلال رئيس تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون»؛ والتى كنت أعمل بها آنذاك؛أن أنزل فورا إلى «أخبار اليوم» لإجراء حوار مع مصطفى أمين؛ و كأن الكاتب الكبير يجلس فى انتظارى!، ولكن هكذا كان التحدى الذى واجهنى؛ فلم يكن أمامى اختيار إلا أن أذهب إلى مكتب مصطفى أمين؛ واستقبلنى سكرتيره كرم؛ الذى أبلغنى اعتذاره فلم أيأس؛ وكتبت رسالة قصيرة؛ طلبت من سكرتيره أن يوصلها إليه؛ مفادها أنه لو لم يقبل أن أجرى معه حوارا فسوف يرفتنى رئيس التحرير؛ وظننت بسذاجتى أن حيلتى نجحت؛ حينما أعطانى سكرتيره موعدا؛ حتى اكتشفت أن مصطفى أمين لم تنطل عليه حيلتى حينما قال لى ضاحكا فى نهاية الحوار وهو واقف يصافحنى: هذه الحركات كنا نفعلها ونحن فى مثل سنك! و لم يخيب مصطفى أمين لى رجاء أبدا كلما طلبت منه حوارا؛ إلا مرة واحدة حينما أردت إطلاعه على رسائل لم تنشرمن النحاس باشا إلى طه حسين ليعلق عليها؛ ولكنه رفض تماما؛ وعلمت أن حادث الرابع من فبراير 1944 يقف حائلا بينه وبين الحديث عن النحاس الذى شكل الوزارة تحت ضغط الإنجليز على الملك وحصارهم لقصره، وإلا عزلوه، مما اعتبره المصريون إهانة لرمز البلاد - وتلك قصة أخرى المهم أن مصطفى أمين لم يتأخر أبدا فى الإحتفاء بى عندما صرت كاتبا تصدر له الكتب؛ فكتب عنى مرتين فى عموده «فكرة»؛ بل إنه وقف موقفا رائعا لا يقفه إلا الكبار عندما نشرت لى سلسلة «كتاب اليوم » كتابا عن توفيق الحكيم «رسائل خاصة جدا»؛ وبدأت جريدة «الأخبار» كعادتها فى التنويه عن الكتاب الجديد قبل صدوره تشويقا للقارئ؛ وكانت المفاجأة الصادمة أن التنويه عن كتابى ينشر بدون الإشارة إلى اسم المؤلف - اسمى - وفكرت فورا فى مصطفى أمين؛ وأمليت سكرتيره فى التليفون رسالة قصيرة أشكو له فيها ما يحدث معى من إحباط؛ وبعدها نشر اسمى؛ وعلمت فيما بعد أن مصطفى أمين ثار ثورة عارمة على المسئولين فى ذلك الوقت عن «كتاب اليوم»؛ وقالوا لى معاتبين: ألم تجد سوى مصطفى أمين تشكو له.. إنه لو طلب منا أن نلقى بأنفسنا فى النيل لفعلنا. وبرروا ما فعلوه بأننى اسم غير معروف للقارئ؛ ولذلك تمهلوا. فتساءلت: ولماذا تنشرون لكاتب غير معروف وتنوهوا عن كتابه إذا لم يكن أهلا لذلك. وتواصلت علاقتى مع مصطفى أمين إلى درجة أنه حينما كانت تضيق بى الأمور فى الصحيفة التى أعمل بها بحكم الغيرة والمكائد الشخصية المعروفة، كنت ألجأ إليه، فيمدنى بطاقة من القوة النفسية والمعنوية؛ فأخرج من عنده أكثر قوة وصلابة ورغبة فى مواصلة الطريق فى شارع الصحافة الملئ بالأشواك. والآن أصل إلى حوارى غير المنشور حول قصة عموده الشهير «فكرة»، وستلاحظون أن الرجل تعامل معى ليس كشاب صحفى، يرضيه بكلمتين من عينة «ما قل ودل»، ولكنه كان يجيبنى باهتمام واستفاضة، ولم يرفض الإجابة على سؤال واحد، رغم اعترافى الآن بسخافة بعض الأسئلة وعدم لياقتها، ولكنه نزق الشباب الذى قدره وعذره الصحفى الكبير المخضرم. يقول مصطفى أمين متذكرا حكاية الأعمدة فى الصحافة المصرية: أذكر العمود الذى بدأت أقرأه وأنا صغير، كان عمودا لواحد اسمه جورج طنوس فى جريدة «كوكب الشرق»، وكان عمودا ساخرا، كما كان هناك أيضا عمود فكرى أباظه فى «الأهرام» وكان يأخذ عمودا ونصف عمود، وكان ناجحا جدا لدرجة أنه يوم ظهوره كان يعتبر موازيا لخبر تأليف وزارة أو سقوط وزارة، ثم بدأت أقرأ بانتظام لأحمد الصاوى محمد ابتداء من سنة 1930 عموده «ما قل ودل»؛ وكان عمودا ناجحا، فقد جاء من باريس و راح يحكى عن تجاربه، وكان الناس معجبين به جدا، ثم ظهر عمود آخر فى «الأهرام» كان يكتبه صحفى عجوز اسمه توفيق حبيب يحكى فيه ذكرياته، ثم انتشرت الأعمدة فى الصحف،أما «فكرة» فقد بدأت عندما أصدرت أنا وأخى على أمين جريدة «الأخبار» 1952 ورأينا أن الصفحة الأخيرة لا يقرأها أحد، فقلنا ليكتب فيها أحد رؤساء التحرير عمودا يوميا بالتناوب خلال أيام الأسبوع،وكان للأخبار 6 رؤساء تحرير هم: محمد التابعى، كامل الشناوى، على أمين، جلال الحمامصى، محمد زكى عبد القادر، وأنا، واختيرعلى أمين ليكتب فى أول يوم، و كان يوم أحد، وعندما كتب عموده لم يكن له عنوان، وكان قد دفع به إلى المطبعة، فنزل يبحث عن أكلشيه عنوان يصلح للمقال، فوجد عنوان «على فكرة»، وكانت تنشر تحته فى «أخبار اليوم»، الأخبار الصغيره المتفرقة، فقطع بأسنانه كلمة «على» وأبقى الكلمة الأخرى «فكرة»، فطلعت «فكرة»، التى استمرت كعنوان على هذا العمود، وفى اليوم التالى لم يرض أحد من رؤساء التحرير الكتابة فى الصفحة الأخيرة، فاضطر على أمين أن يكتبها كل يوم إلى أن توفاه الله، وتركت مساحة العمود فى اليوم الأول لوفاته بيضاء وعليها توقيع على أمين، وفى اليوم التالى كتبتها منذ 4 أبريل 1986 حتى اليوم. استدركت قائلا لمصطفى أمين:؛ ولكن «فكرة» منعت من النشر فى بعض الفترات. فقال: أيام الرئيس أنور السادات عندما ألف «الحزب الوطنى» فوجئت بأن أعضاء «حزب مصر» الذى كان يؤلف الحكومة تركوا حزبهم وانضموا إلى حزب الرئيس، فأنا كتبت أقول إننى كنت أتمنى لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلى الانضمام لحزب الرئيس،الجديد، وكنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى يعلن السادات برنامج الحزب، فيبحثونه ويدرسونه ثم يقتنعون به، وبعد ذلك يقررون الانضمام إليه بعد أن يحصلوا على تأييد ناخبيهم بعد أن يذهبوا إليهم ويتحدثوا معهم عن رغبتهم فى تغيير لونهم الحزبى الذى حملوه فى المعركة الانتخابية، و فى أوروبا النائب يستقيل ويرشح نفسه مرة أخرى للحزب الجديد لإعادة انتخابه وأضفت فى مقالى - ثم ما هى حكاية إن اتحاد العمال يتبرع ب 27 ألف جنيه لحزب الرئيس، مع أن القانون يمنع تبرع النقابات إلى الأحزاب، فهل من أجل حزب رئيس الجمهورية يخالف القانون - وفى النهاية قلت - صباح الخير أيتها الديمقراطية. الرئيس السادات قرأها وغضب، وأوقفنى عن الكتابة، ولكننى لم أتوقف، وكنت أكتب كل يوم «فكرة» وأحتفظ بها إلى أن جاء الظرف المناسب ونشرتها فى كتاب «أفكار ممنوعة». وسألت مصطفى أمين: هل تقرر منع نشر «فكرة» مرة أخرى؟ فقال: كتبت عن ديكتاتور نيكاراجوا «سوموزا»، فقالوا للسادات إنه هو المقصود لأنه لا يوجد واحد اسمه سوموزا! وفى البلاد العربية منعت «فكرة» لأسباب غريبة جدا.. ذات مرة كتبت عن شقيق الحاكم، و كنت أقصد شقيق الرئيس السادات، فإذا ببعض البلاد العربية تصادر جريدة «الأخبار»، لأنه يبدو أن شقيق الحاكم هناك يفعل نفس ما كان يفعله شقيق السادات، رغم أن هذه الأشياء محلية عندهم، وأنا لا أعرفها، لكنهم يفهمون أننى أوجهها لهم،فيأخذون «فكرة» على أنها مفصلة على مقاسهم، رغم أننى لم أقصدهم. ولكن هل منعت «فكرة» أثناء أن كان يكتبها على أمين قبل رحيله؟ أجابنى مصطفى أمين: أفكار على أمين كانت تثير غضب الحكام.. مثلا كتب ذات مرة يقول إن حبرا اخترعته انجلترا تمحى الكتابة به بعد أربع وعشرين ساعة، ولذلك أرجو الرئيس عبد الناصر وهو يوقع اتفاقية الجلاء مع انجلترا ألا يوقع بهذا الحبر. فغضب عبد الناصر، ولكنه لم يمنعه من الكتابة. وسألت مصطفى أمين: أليس من الصعب أن تجد فكرة جديدة يومية تطالع بها قراءك؟ فقال: أكتب كما أتنفس، وقبل أن أمسك القلم لا تكون عندى فكرة عما سوف أكتبه، ولكننى بمجرد أن أمسك القلم أكتب على طول ولا أتوقف ولا أشطب. (ولدهشتى أطلعنى مصطفى أمين على نماذج لبعض أصول مقالاته ليثبت لى أنها ليس بها شطب واحد وإن كان بها بعض الإضافات). هل هناك مدة محددة لكتابة «فكرة»؟ أكتبها فى عشر دقائق تحت أى ظرف.. فى القطار، فى الطائرة، فى حجرة بها 20 شخصا، وكنت أكتب وأنا فى الزنزانة. قلت: ما هى ردود أفعال ما تكتبه؟ رد الفعل يأتينى يوميا من خلال خطابات كثيرة أتلقاها، بين ناس تؤيد وناس تنتقد ما أكتبه.. مثلا عندما أكتب أن الوزير مخطئ، تأتى لى رسالة يقول فيها صاحبها: كيف تقول إنه مخطئ، إنه ابن كلب! ولكننى أكتب ولا أفكر أن ما أكتبه يرضى أو يغضب.. ما يهمنى فقط أن أكتب رأيى سواء أغضب الحاكم أوالمحكومين. كيف كان رد فعل الحكام منذ عبد الناصر وحتى حسنى مبارك؟ أنا أقول لك.. جمال عبدالناصر حينما كان يغضب من كاتب كان يشنقه، مثلما شنق سيد قطب مثلا، أما السادات فيمنع النشر عندما يغضب، وأما حسنى مبارك فيهاجم الكاتب الذى يغضب منه كما حدث معى وهاجمنى فى التليفزيون دون أن يسمى، فقال: كاتب كبير و أنا معجب به وهو فى سن والدى، ازاى يستعمل كلمة خازوق ويقول إن منصب وزير مثل الخازوق. فرددت عليه وقلت: أنا مبسوط جدا إن رئيس الجمهورية يهاجمنى لأنه إذا كان من حقنا أن نهاجم الحكومة كصحفيين، فمن حق رئيس الجمهورية أن يهاجم الصحافة، لكن لو كنا نطالب أن يكون لنا فقط نحن الصحفيين حق الهجوم، تبقى دكتاتورية، ونحن كما نرفض ديكتاتورية الحكومة نرفض ديكتاتورية الصحفيين. قلت لمصطفى أمين: لقد أغضبت الحكومة كلها.. فقال: كثيرون يغضبون، لكن يكفى أن رئيس الدولة يحتمل، وأنا لا أعتقد أنه يوجد حاكم فى الشرق الأوسط كله تستطيع أن تنتقده باسمه إلا الرئيس مبارك. هل أنصفت «فكرة» مظلومين ورد ت حقوق مهضومين؟ العمود الذى أكتبه ليس مجرد نقد أوهجوم، ولكنى أعتقد أنه أنصف كثيرا من المظلومين، ورد حقوق ناس، ويكفى أن تعلم أن الرئيس السادات أصدر أمرا عسكريا لمنع الشقق المفروشة، فكتبت أقول له: كيف تقول ديمقراطية ثم تصدر أوامر عسكرية، أفهم أن يصدر قانون يبحث فى مجلس الشعب لمنع الشقق المفروشة أوالاتجار فى الشقق المفروشة، أويمنع امتلاك أحد أكثر من شقة مفروشة، ولكن لا أفهم أن أحرم أرملة أو موظفة مرتبها محدود، من استغلال شقة مفروشة لتصرف على 5 أولاد يتعلمون فى الجامعة، إنهم الآن يطردون سكان الشقق المفروشة محتجين بالأمرالعسكرى، ليؤجروها بإيجار أعلى، كأن هذا الأمر صدر ليضاعف أرباح شقق الجشعين وبعض الذين يملكون تسع أو عشر شقق مفروشة فى مدينة القاهرة، إننا نريد قانونا يضرب على يد تجار السوق السوداء فى الشقق،لا قانونا يزيد من عدد المشردين فى الشوارع. ولم يغضب السادات هذه المرة،واستجاب لما كتبت وألغى الأمر العسكرى. هل وصلتك تهديدات تعقيبا على بعض ما كتبت؟ هناك قضايا اغتيالات تم ضبطها، ومحاولات قتل عدد من الصحفيين وأولهم أنا. هناك من يقول إن العمود الخالى من الخبر أو المعلومة لا يثير القارئ.. أنا لا أقصد أن أثير الرأى العام أو أبسط الرأى العام أو اخترع خبرا لأرضى القراء، أنا أكتب كما أتنفس فقط. تجرأت: أحيانا..، إذ لا ينطبق عنوان العمود «فكرة» مع المضمون لأنك تكتب نقدا.. رد هادئا: أنا أعتقد أن النقد «فكرة». طرحت عليه مشكلة نقص المعلومات التى تواجه حرية الصحفى فى بلاد العالم الثالث التى نحن منها.. فأكد أنه فيما يتعلق بمصر، توجد حرية صحافة أكثر من أى بلد عربى آخر لكنها أقل مما نتمناه، رغم أن ما أكتبه كله ينشر دون أن تشطب منه كلمة واحدة،إنما أنا أطالب لكل محرر صغير فى أى جريدة أن تكون له هذه الحرية، لأن الحرية ليست حريتى أنا، إنما هى حرية الآخرين، فأنا أطالب للآخرين بنفس الحرية التى أتمتع بها. فقلت: لا يشطب لك طبعا لأنك مصطفى أمين.. فقال: أريد كل واحد يبقى مصطفى أمين، لأن رؤساء التحرير أصبحوا بدلا من أن ينشروا يشطبوا، وهذه وظيفة جديدة لهم استحدثت. استدركت: بعض رؤساء التحرير لا يزالون يعيشون فى العصر الماضى. أوضح: الحاكم هو الذى يعين رئيس التحرير وهو الذى يرفته، ورئيس التحرير مسئول أمام الحاكم، بعكس زمان كان رئيس التحرير مسئول امام القارئ، والذى يقبل عليه القارئ يصبح رئيس تحرير، أما الآن فالذى يرضى الحاكم يصبح رئيس تحرير، و زمان كان القارئ حينما يقبل على جريده فتنتشر، أو يغضب على جريدة فتتوقف، هذا الآن غير موجود. حينما منعت من الكتابة قالت لك السيدة جيهان السادات إنك بطل.. ولكنك قلت إنك تكره البطولة.. لماذا؟ أنا لا أريد بطولة شعبية، أنا أريد حرية.. إيه فائدة بطولة شعبية فى بلد فيه عبيد،أنا أتمنى إن البطولة تكون فى الحرية والدفاع عن الحرية لا تأييدا للاستبداد. لمن تقرأ من كتاب المقالات؟ أقرأ كل المقالات من أولها إلى آخرها فى كل الصحف.. الأخبار والأهرام والجمهورية والوفد وكل الصحف، أقرؤها بترتيب الصفحات، وآخر مقال أقرؤه فى «الأخبار» هو «فكرة». ولمن تقرأ من كتاب الصحف العالمية؟ أقرأ لعدد كبير منهم، ولا أستطيع أن أفضل واحدا عن واحد، لأن أحدهم يعجبنى اليوم وقد لا يعجبنى غدا. هل شعرت يوما بالندم على بعض ما كتبت؟ أنا لا أندم على ما أكتبه، ولكن أحيانا لما أهاجم أحدا يصعب على، لأننى للأسف لا أقرأ «فكرة» بعد كتابتها، بل أرسلها للمطبعة، لأننى لو قرأتها لمزقتها، لأنها لن تعجبنى. هوجمت كثيرا إلى درجة اتهامك بالخيانة.. فلماذا لا ترد دفاعا عن نفسك؟ لأننى من يوم ما عملت فى الصحافة لم أدافع عن نفسى بكلمة واحدة، فقد وضعت لنفسى وللجرنان مبدأ، وهو الدفاع عن بلدى لا الدفاع عن نفسى، وأنا أستفيد من الشتيمة جدا، وأنا أعتقد أنه من أسرار نجاح «أخبار اليوم» أنها شتمت فى جميع أنحاء العالم..أمريكاوانجلترا وروسيا، وكلما اتشتمنا ارتفع التوزيع. استدركت: كادت «أخبار اليوم» أن تحرق فى يوم من الأيام.. تذكر: ألقوا علينا القنابل، يمكن هذا رأيهم، المقال أحيانا يكون أقوى من الألم، فيردون عليه بقنبلة. يقال إن «أخبار اليوم» متهمة على يديك بالإثارة. نفى: أنا لا أستثير أحدا، وإن كانت مدرسة أخبار اليوم هى فعلا مدرسة فى إثارة الحكام، لأن كل الحكام كانوا غاضبين عليها، نحن نكتب للملايين، والآن توجد صحف جديدة اسمها صحف القارئ الواحد، لأنها تكتب لفرد واحد هو الحاكم. وعاد مصطفى أمين يسألنى عما كنت أقصده بمدرسة الإثارة الصحفية؟ فقلت له: قصدت أن الخبر المثير هو المهم فى النشر بأخبار اليوم.. فنفى مصطفى أمين وموضحا:أبدا.. كل ما فعلناه أننا طورنا الخبر، وقارن بين طريقة نشر الأخبار زمان، وبين نشرها فى «أخبار اليوم»؛ كنت تقرأ الخبر مثلا فى جريدة «روز اليوسف»: استيقظ صاحب الفضيلة شيخ الأزهر صباح أمس من النوم بعد صلاة الفجر، ثم بعد ذلك نزل إلى الطابق الأول و تناول الفطور مع فضيلة شيخ معهد أسيوط وشيخ معهد الزقازيق وعميد كلية اللغة العربية، ثم ركب سيارته وذهب إلى مجلس الوزراء، وكان فى استقباله الأستاذ ميشيل ساويرس تشريفاتى مجلس الوزراء، وصعد إلى الطابق الأول، ثم دخل إلى مكتب صاحب الدولة توفيق نسيم باشا رئيس مجلس الوزراء، وقدمت القهوة، ومكث ربع ساعة، وبعد أن خرج سأله مندوب الجريدة: ماهى الأخبار؟ فقال: كل خير بإذن الله. وبعد أن كتبنا ما تقدم علمنا أن فضيلته قدم استقالته ثم انصرف. يضيف مصطفى أمين: فهذا خبر ليس فيه إثارة، فجاءت «أخبار اليوم» تقول: قدم شيخ الأزهر استقالته. ثم التفاصيل لمن يريد أن يقرأ بعد ذلك، فالناس قالوا إنها إثارة. أنت لم تثر الحكومة فقط بل أثرت الأعداء أيضا.. أليس كذلك؟ أثناء مفاوضات السادات مع مناحم بيجين فى الإسماعيلية،كتبت أن بيجين وهو يتفاوض مع مصر، ذكرنى بشيلوك تاجر البندقية وهو يقطع جزءا من لحم المدين، فقامت الدنيا ولم تقعد فى إسرائيل، وثار مناحم بيجين فى الكنيست الإسرائيلى، وقال إن مصطفى أمين عدو للسامية. واحتجت إسرائيل، ونشرت الصحف العالمية هذه الحكاية، وجاء مندوبو الصحف والتليفزيون فى البى بى سى والتليفزيون الفرنسى و اليابان، وسألونى: هل أنت ضد السامية؟ فقلت لهم: كيف أكون ضد السامية وأنا «سامى». ما هى الفكرة التى تشغلك الآن؟ لا أعرف، ولكن لما أمسك القلم تأتى الفكرة. ما الذى يشغلك من همومك الدائمة؟ أتمنى قبل أن أموت أن تتمتع الصحافة العربية فى كل البلاد العربية بحرية الصحافة، وأن يتمتع الإنسان العربى فى كل البلاد العربية بحقوق الإنسان.