لا أنكر أننى حملت معى موقف حرص السفارة الهندية فى مصر على فصلى عن كل أعضاء الرحلة، وإجراء مقابلة خاصة بى دونا عن الجميع، شرط حصولى على الفيزا، والسبب أننى صحفية، حتى ولو لم تكن زيارتى لبلادهم مهمة عمل، ومجرد سياحة، واطمئنانهم أننى لا أكتب فى السياسة.. أفقت من أفكارى الخبيثة على أربعة قرود يجلسون بأدب شديد حول سلة قمامة مستوردة كبيرة شديدة الشبه بسلال القمامة المصرية، ويبدو أن عولمة جمع القمامة جمعت ووحدت بلاد العالم. الله أكبر.. ما شاء الله، هكذا صرخت فى أتوبيس السياحة شديد الفخامة، الذى مر فى طريقه فى شوارع العاصمة دلهى، ثالث أكبر مدينة، التى تعصر الفن القديم بالحديث، وتنقسم فى تناغم بين نيودلهى القديمة والحديثة، بحيث تمثل محور السياحة فى شمال الهند، ولأننى «شبعانة» سياحة آثار وحضارات قديمة، لم يلفت نظرى فى الشوارع المؤدية إلى الفندق إلا القرود المهذبة، التى تجلس فى حالها على موائد القمامة تأكل بنظام، وتلقى ببواقى الطعام فى سلة القمامة! ثم تتجول على أسوار قصور الأثرياء، لتقفز لتنام فى خيام الإيواء ناصعة البياض، ولا الأسرةَّ البيضاء التى يتبرع بها الأثرياء لتجمع الفقراء وتسترهم من البرد والحر، بل وتوفر لهم الطعام والمأكل والملبس، لتمنع ظاهرة التسول التى كانت منتشرة حسبما قال لى أصدقاء زاروها منذ سنوات، خصوصا فى هذا البلد السياحى الغنى بالثقافة والتنوع البشرى، التى تمثل محور السياحة فى شمال الهند، وعربات السياحة تتهادى لتستعرض المبانى الحكومية التى صممها السير إدوارد لوتز وهيربرت بيكر فى أوائل القرن العشرين، ثم يشير «الجايد» «الحاج أنور»، إلى المنزل الرئاسى راشتارياتى بافان، ثم نصل إلى بوابة الهند والنصب التذكارى العظيم الذى أفقت من نعاسى عليه، فظننت أننى فى فرنسا أمام قوس النصر، من شدة تشابه العمارة عشرينية القرن فى الإمبراطوريات ومستعمراتنا، فيما عدا إحساسك بحالة السلام بين الإنسان والقرود التى قد تعبر الشارع فى أى وقت، فتجد نفسك مضطرا للوقوف حتى تمر بسلام، عكس ما يمكن أن يحدث مع الإخوة البنى آدميين الذين قد يعبرون ولا يهتم بهم السائقون، بل يحدثك التنمر أنه على وشك «دهسك»!. استدرنا حول بوابة الهند للاصطدام بقصور الأمراء السابقين التى تحولت إلى مكاتب حكومية ومتاحف، نفس الحال لدينا فيما عدا تلك المكاتب البراقة، وكأن الماضى لا يزال يسكنها، عكس مكاتبنا التى كانت قصورا فأصبحت مثل الحزين المهجور.. ظل شعور الانبهار برؤية القرد صديقى يقفز مرحبا بالمصريين فى الهند، حتى وصلنا إلى الفندق ووجدته فى انتظارى، القرد صديقى، وكأنه توءم روحى، ما إن هبطت لأبحث عن حقيبتى وهو يجاورنى ويقلدنى، «أُربع يدى» فيفعل مثلى، أخبط كفا على كف، فيخبط مثلى، أزعق على صديقتى هل وجدت الحقيبة، فيزعق مثلى!! استمرت تلك التصرفات القردية طوال فترة الرحلة، وعندما سألت أحد الهنود المرافقين لنا حدثنى عن عمليات الاستنساخ! والكرمة! وتوارد الأفكار! وتواتر الأرواح! فقلت لنفسى يا بنت لا داعى للسؤال فى ظاهره تفسير وفى باطنه تفتيت للمعتقدات. لمزيد من مقالات دينا ريان