هذا الأهرام الآخر الذى أصدرناه نحن شباب الأهرام، ونحن يادوب نخطو خطواتنا الأولي.. فى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة..داخل رحاب أعظم وأكبر الصحف الناطقة بالعربية.. وأكثرها خلودا وانتشارا.. ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله..والذى اسمه «الاهرام».. الذى خرج على الدنيا وسطعت شمسه على كل الناطقين بالعربية قبل 143 عاما بالتمام والكمال.. تعالوا نتصفح معا هذا «الأهرام الآخر».. الذى حررناه نحن.. وكتبنا فيه ما لم نكتبه فى ذلك الأهرام اليومى الذى تشرق شمسه كل صباح مع صياح الديك.. كوكو..كوكو وتحمله القطارات وعربات التوزيع من النجمة.. يعنى قبل شروق الشمس.. وينادى عليه باعة الصحف فى كل ركن وكل زقاق وكل ميدان وكل حى وكل قرية وكل كفر فى بر مصر كله.. وكل بلد ينطق أهلها بلسان عربى أو حتى أعجمى . ولكن هذا «الاهرام» الآخر لم يكن يأخذ طريقه مع «الاهرام اليومى» إلى يد وعين وقلب وعقل القارئ فى طول البلاد الناطقه بلسان العقل والفكر العربى. ولكننا كنا نحن أفراد أسرة الأهرام فى هذا الزمن الجميل الذى نكتبه والذى نرسمه ونصوره ونطبعه.. لنقرؤه فيما بيننا لا أحد يراه غيرنا.. ولا أحد يقرؤه سوانا لان ما نكتبه وما نحكيه هو سر من أسرارنا نحن ومن فكرنا نحن.. ولم يعرف به أحد إلا نحن.. ربما حتى كتابة هذه السطور. وهذا «الاهرام» الخفى كان بلا رئيس تحرير.. بعد أن كتبنا فى ترويسة هذا الأهرام الداخلي: ليس رئيس تحريره محمد حسنين هيكل.. رئيس تحرير الأهرام اليومى والجورنالجى العظيم الذى وضعه على الطريق الصحفى الصحيح حتى وصل عدد قرائه الذين يشترونه كل صباح إلى نحو 450 ألف قارىء .. يزيدون إلى رقم المليون وأكثر فى عدد الجمعة.. عندما كان رئيس تحريرها للحق وللتاريخ العزيز الراحل إبراهيم نافع أيام مجد الأهرام الجريدة، وليس أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع.. التى عمرها من عمر الزمان نفسه. *** أكاد اسمع أصواتكم وأنتم تنادون وتسألون: ماذا كنتم تكتبون فى هذا الأهرام الذى بلا رئيس تحرير .. والذى تكتبونه أنتم وتطبعونه فى السر وتوزعونه عليكم.. ولم يقرؤه أحد غيركم؟ تعالوا نقرأ معا هذا العدد الذى عثرنا عليه بمعجزة من ذلك «الاهرام» الذى كنا نصدره ونحرره ونكتب كل كلمة فيه ولا يقرؤه إلا نحن ويحمل اسم أسرة : «الاهرام» وليس رئيس تحريره محمد حسنين هيكل كما هو مكتوب فى الترويسة + براوز على اليمين مكتوب فيه: ملحق «الاهرام» 3 أغسطس 1960 + 16 صفحة بالمجان + .. مربع صغير مكتوب فيه هيئة التحرير: 14 شارع مظلوم.. أما مانشيت هذا العدد من الاهرام الخاص بنا والذى ليس رئيس تحريره محمد حسنين هيكل فيقول باللون الأحمر : انقلاب فى مطابع الاهرام وتحته عنوان آخر يقول: الأهرام يقوم بانقلاب خطير فى الصحافة العربية + آلات جبارة تجمع 700 سطر فى الساعة بدلا من 100 سطر + ماكينات حديثة لحفر الكليشيه فى 5 دقائق بدلا من 45 دقيقة + كبير مهندسى الأهرام يسافر إلى لندن ليعود مع الماكينات فى نهاية هذا الشهر سوف يستطيع الأهرام ان ينشر آخر الصور ويغير المانشيت عند الفجر! .. «ياسلام سلم».. والعبارة هذه من عندى أنا.. أما نص الخبر فيقول فى الصفحة الأولى لملحق الأهرام: تصل خلال هذا الشهر إلى «الأهرام» أحدث آلات الطباعة والحفر.. سوف تقوم هذه الآلات بانقلاب خطير فى الصحافة.. سوف تحدث ضجة فى دور الصحف. يسافر كبير مهندسى «الأهرام» إلى لندن خلال أيام ليعود مع الماكينات الجبارة.. ويتم تركيبها إلى جانب آلات الانترتيب فى عنبر الجمع.. تستطيع هذه الماكينات ان تجمع كل واحدة منها 700 سطر فى الساعة بدون عامل، إنها تعمل أوتوماتيكيا.. أما الماكينات الحالية فإنها تجمع كل واحدة منها 100 سطر فى الساعة. معنى هذا ان كل آلة من هذه الآلات تقوم بعمل 7 ماكينات انترتيب.. أى أن هذه الماكينة تستطيع ان تجمع أوتوماتيكيا كتابا.. كاملا من 400 صفحة فى يوم واحد. كذلك تصل خلال هذا الشهر ماكينات الحفر الحديثة.. إنها آخر صيحة فى عالم الزنكوغراف.. هذه الآلة الجبارة لايستعملها فى بريطانيا كلها إلا جريدة واحدة هى جريدة التايمز اللندنية. هذه الآلة تستطع ان تحفر كليشيه الصورة.. أو العنوان فى فترة لاتزيد على 5 دقائق بينما الآلات الحالية تحفرها فى 45 دقيقة + هذه الآلة تحفر الكليشيه رأسا دون تصويره أو طبعه على الزنك +. انها توفر عدة مراحل فى صنع الكليشيه.. أهمها الوقت. وسوف يستطيع «الأهرام» ان ينشر الصور التى تصله مع الفجر.. وان يغير المانشيت ويقدم آخر الاخبار التى يستطيع بها ان يسبق جميع الصحف. ان «الأهرام» الآن أيها السادة يسبق جميع دور الطباعة فى الشرق الاوسط باستعماله هذه الماكينات الحديثة. توقيع: ه . ت.ب انتهى الخبر أما توقيع الخبر : ه . ت. ب للذين يعرفون والذين لايعرفون فهى لسكرتير تحرير «الأهرام» أيامها .. وهو صحفى قدير متمكن تحمل مسئولية ان يصبح «الأهرام» الأول فنا وطباعة واخراجا وتوضيبا... وفتحا عظيما على عالم اخراج الصحف وطباعتها واحترامها للقارىء.. فى أحسن صوره وتطوير اخراج صفحات الأهرام كلها توضيبا وإخراجا.. وتصويرا اسمه: «هنرى توفيق بحرى».. وكان يوقع مايكتبه فى هذا الملحق بحروف: «ه . ت. ب». اختصارا لاسمه الطويل هنرى توفيق بحرى والذى أصبح فيما بعد هشام توفيق بحرى.. عندما أعلن اسلامه لكى يتزوج من الزميلة العزيزة سناء منصور الصحفية معه فى الأهرام. ملحوظة: معلومة سرية يعرفها كل الزملاء والزميلات على أيامى فى أهرام باب اللوق: محمود مراد + سعيد عبدالغنى + صلاح هلال + صلاح منتصر رئيس قسم التحقيقات الصحفية قبل أن يجىء صلاح هلال + إنجى رشدى + بهيرة مختار. ولكن القدر لم يمهل القدير المتمكن هشام بحرى أول سكرتير تحرير للأهرام تحت رئاسة عمنا ومعلمنا الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى أخذه معه ممن اخذهم من الأخبار إلى «الأهرام» مثل: صلاح هلال أحسن رئيس قسم تحقيقات عرفته الصحافة المصرية مع صلاح منتصر الكاتب الكبير وصاحب عمود مجرد رأى فى الأهرام و صلاح جلال نقيب الصحفيين الاسبق واحسن رئيس قسم علمى فى الصحافة المصرية بشهادة الجميع.. ولاننسى محمد يوسف كبير مصورى الأهرام الذى أخذه معه الأستاذ هيكل من أخبار اليوم إلى الأهرام لإحياء وتطوير قسم التصوير ومصوريه فى الأهرام الذى لمع فيه على أيامى إميل كريم + أنطون البير. وقد رحل عنا هشام بحرى فى حادث تصادم لسيارته التى كان يقودها فى آخر الليل فى طريقه إلى بيته. *** ولعل أعجب، وأظرف مافى هذا الأهرام الداخلى الذى نكتبه نحن ونطبعه نحن على حسابنا الخاص.. ولايقرؤه إلا نحن أيضا بعد عبارة. ليس رئيس تحريره محمد حسنين هيكل فى الترويسة.. هو أننا سمحنا من عندنا لمدير تحرير الأهرام أيامها نجيب كنعان وكان رجلا طيب القلب ساعدنا كثيرا ودفع مصاريف رحلاتنا الصحفية الداخلية بمبلغ تحت الحساب لايتعدى خمسين جنيها بأى حال من الأحوال.. فقد سمحنا له نحن محررى الأهرام الداخلى بأن يكتب مقال رئيس التحرير الذى لايكتبه إلا كاتب واحد اسمه محمد حسنين هيكل الجورنالجى الأول.. فماذا كتب ياترى فى الصفحة الاولى من هذا الملحق العجيب حقا؟ لقد كتب نجيب كنعان يومها يقول تحت عنوان: «توجيه وإرشاد»: هذه كلمة صريحة، أرجو أن يحملها الزملاء الذين قد تصيبهم أو تمسهم على محمل التوجيه والارشاد لا النقد والتحامل. بصراحة.. لاتعجبنى فى بعض المحررين أمور كثيرة.. لايعجبنى فيهم الجهل بقواعد اللغة، إننى لا أفهم كيف يدعى المحرر أنه محرر ويكتب على بطاقته: محرر «بجريدة الأهرام» أو «رئيس قسم بجريدة الأهرام» وهو مجرد من السلاح البدائى الأول الذى يجب أن يحمله. [البقية صفحة 4] وبحثنا عن صفحة 4 هذه لنقرأ بقية مقال بصراحة فلم نعثر عليها حتى الآن.. فقد ضاعت فى زحام الأيام. *** مازلنا مع هذا العدد العجيب من «الأهرام الداخلى» الذى كنا نحرره ونصدره ونصرف عليه كمان من جيوبنا نحن شباب الأهرام.. لنقرأ على الصفحة الأولى من هذا «الأهرام» العجيب تحت عنوان على السفر: بعثات صحفية تخرج من «الأهرام» إلى جميع أنحاء العالم لتقوم بتحقيقات صحفية للجريدة وتجرى وراء الاحداث العالمية: على الجمال مدير التحرير يطير إلى النمسا. نجيب كنعان مدير التحرير يطير إلى لبنان. صلاح هلال يحضر احتفالات عيد استقلال قبرص، ويسجل أزمة العلاقات السياسية بين مالطة وبريطانيا. زكلين خورى محررة الشئون الخارجية تطير إلى تركيا لتكتب عن الثورة التركية. محمد حقى يطير إلى القارة الافريقية التى تشتعل ثورة. ممدوح طه رئيس قسم الأخبار يسافر بالقطار إلى الاسكندرية. جلال الجويلى المساعد الأول لكمال الملاخ يطير إلى ايطاليا ليكتب سلسلة تحقيقات. يحيى التكلى يطير إلى السودان ليتفقد بيت العائلة فى الخرطوم. الزميلة العزيزة إنجى رشدى المحررة الدبلوماسية انتهزت فرصة وجودها فى مهمة صحفية فى موسكو وسافرت إلى مصحات فيشى الشهيرة «لتخس» حبتين بعد ان زاد وزنها عشر أوقيات!. الزميل حسن الشرقاوى عزم محررى الأهرام على أكلة فطير مشلتت فى البيت الريفى الذى بناه فى قريته العصلوجى فى الزقازيق وعندما ذهب المدعون وأنا معهم، ومعى الزميل العزيز عبدالوهاب مطاوع والعزيزة الغالية بهيرة مختار.. ولكن صاحب الدعوة فص ملح وداب!. شوهد الزملاء: سعيد عبدالغنى وآدم النواوى وإبراهيم عمر من قسم الحوادث يقفون أمام محل الجزار الشهير فى باب اللوق لشراء لحم العيد.. فوجدوا سعر الكيلو عنده 65 قرشا .. فامتنعوا عن الشراء لأن السعر غال جدا. تصوروا.. *** اتصل موظف الاستعلامات بالزميل عزت السعدنى تليفونيا ليقول له: المدام تحت والأولاد.. ورد عزت السعدنى : مدام إيه وأولاد إيه.. أنا لسه ماتجوزتش! ونزل عزت السعدنى ليجد مفاجأة كبرى فى انتظاره سيدة ظريفة لطيفة آخر حلاوة وآخر شياكة.. ومعها ثلاثة من الأولاد والبنات.. بمجرد نزول عزت السعدنى إليهم تعلقوا برقبته وهم يصيحون: بابا... بابا! . تماما كما يحدث فى أفلام ميمى شكيب إياها الأبيض والأسود.. والمصور إميل كرم هات ياتصوير فى هذا المشهد العائلى المثير، ومجموعة الصحفيين الشباب يضحكون وعلى رأسهم سعيد عبدالغنى الذى قال لعمنا عزت المذهول من الموقف العجيب: عشان تبطل بس تقول فى كل مكان أنا مش هتجوز أبدا: أنا أشهر عازب فى الأهرام!. *** هكذا عشنا حياتنا الصحفية نحن شباب الأهرام الذين أصدروا هذا الأهرام الآخر.. بالطول وبالعرض..وبالعرق وبالسهر والصبر والمثابرة.. كم شقينا وكم تعبنا حقا. ولكننا لم نفقد أبدا ابتساماتنا ولا مقالبنا الظريفة ولا تفاؤلنا ولا أملنا فى غد أفضل .. وقد كان بعد أن تحول إلى حاضر ما فيش بعد كده! وآسف للكلام العامى الذى «يحشر مناخيره» دائما فى كلامى!. --------------------------------------------------------------------- ◘◘هكذا عشنا حياتنا الصحفية نحن شباب الأهرام الذين أصدروا هذا الأهرام الآخر.. بالطول وبالعرض..وبالعرق وبالسهر والصبر والمثابرة. ◘◘