مرت علينا الأسبوع الماضى الذكرى التاسعة والثلاثون لوفاة الشاعر الغنائى الكبير مرسى جميل عزيز (9يونيو 1921 - 9فبراير 1980)، وهو من أبناء محافظة الشرقية، حيث ولد فى مدينة الزقازيق وكان والده واحدا من كبار تجار الفاكهة، لكنه أصر على أن يواصل ابنه رحلة التعليم حتى حصل على البكالوريوس ثم ليسانس الحقوق. لمع نجم مرسى جميل عزيز بشدة مع نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، وتغنى بكلماته كبار المطربين والمطربات، حيث غنت له أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى ونجاة.. واخرون، وبلغ ما أبدعه خلال حياته ما زاد على ألف أغنية. لكن لم تكن حياة الشاعر الكبير سلسلة من النجاحات الدائمة، حيث تعرض لأزمة عنيفة فى 1961، حين بدأت حملة صحفية ضارية ضده على صفحات اخبار اليوم، شارك فيها كل من جلال البندارى ومأمون الشناوى وأحمد شفيق كامل إضافة للملحن الكبير محمد الموجى، فجاء مقال جلال البندارى الأول تحت عنوان «من هو قرصان الأغانى الذى سرق أجمل كلمات الموسم؟» حيث اتهم مرسى جميل عزيز صراحة بأنه استولى على مطلع أغنية من تأليف أحمد شفيق كامل، لكن مرسى جميل عزيز رد فى العدد التالى للأخبار بمقال تحت عنوان «أغانى الشعراء وأغانى صبيان العوالم»، لكن مأمون الشناوى لم يسكت فرد هو الآخر بمقال عنوانه «مرسى جميل عزيز إشاعة كاذبة فى جو الأغنية.. منطق البطيخ ومنطق الأدب والفن»، وجاء فى أثناء هذا الرد أن تجارة البطيخ التى زاولها مرسى جميل عزيز عمل شريف لا يحط من قدره، ولكن لا ينبغى أن نستخدم منطق البطيخ فى النقد الأدبى أو النقاش الفنى وإلا أصبح المجال الأدبى شادرا يختلط فيه السليم بالمكسور والطيب بالأقرع. وكان عدد الأغانى المزعوم عن مرسى جميل عزيز سرقتها هو 12 أغنية، لكنه لم يهتم بضراوة الحملة ضده وأرسل لجريدة الأخبار شيكا بمبلغ 500 جنيه، وهو مبلغ ضخم جدا بمعيار هذا الزمان وطلب من الجريدة اعتباره غطاء ماديا لتكلفة عقد محاكمة علنية له، وهذا ما فعلته الأخبار فكونت هيئة للمحاكمة اشتملت على كبار نقاد وشعراء هذا الزمن فتكونت المحكمة من الدكتور على الراعى والدكتور عبدالقادر القط والدكتور محمد مندور والدكتور لويس عوض والشاعر صلاح عبدالصبور، وتداولت المحكمة الاتهامات التى وجهها البندارى لمرسى جميل عزيز وحكمت بأن الرأى العام للنقاد يميل إلى تبرئة الشاعر الكبير تماما من تهمة السرقة فى عشر أغنيات، وهناك رأى آخر يتهمه بالاقتباس فى أغنيتين هما «أبو رمش بيجرح» و«يمه القمر ع الباب»، إلا أن جميع النقاد المشاركين فى المحكمة الفنية يجمعون على أن موهبة مرسى جميل عزيز لا شك فيها. إلى هنا وانتهت هذه المعركة الشرسة التى وضعت لها الأخبار عنوان «مذبحة بن مؤلفى الأغانى»، والآن ماذا لو تخيلنا ان معركة حامية الوطيس كتلك قد نشبت بين بعض مشاهير اليوم لا شك ان نتاجها سيكون سيلا من التراشق بمحاضر الشرطة وبلاغات النيابة، ناهيك عن قيام بعض المحامين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى الموضوع بالتطوع بتقديم البلاغات إما طمعا فى الشهرة أو تزلفا أو ابتزازا لأى من طرفى الخصومة.. وهنا تحضرنا وبشدة المقولة الشهيرة للراحل العظيم الدكتور جلال أمين ماذا حدث للمصريين؟