تسببت خطة ترامب لبناء جدار عازل بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك فى انقسام مجتمعى بعد إعلان ترامب حالة الطوارئ لتمويل الجدار، ووصل الانقسام إلى داخل الحزبين، الجمهورى والديمقراطى، ولم يعد الديمقراطيون وحدهم المعارضين، بل انقسم الجمهوريون أيضا على أنفسهم بين مؤيد ومعارض، وتصاعدت الأزمة لتصل إلى المحاكم، بعد أن أعلنت ولايات أمريكية ومنظمات وأعضاء بالكونجرس، أنهم سيلجأون للقضاء لمقاضاة ترامب. يحدث هذا فى وقت بدأت تطرح فيه بدائل أخرى تكلفتها أقل بكثير من المبلغ الذى يريد ترامب اعتماده من الكونجرس لبناء الجدار. الحل البديل جاء من المكسيك التى أبدت رغبتها فى إقامة الجدار بشرط ألا يكون مكانه حدودها الشمالية مع الولاياتالمتحدة، بل على حدودها الجنوبية مع ثلاث من دول أمريكا الوسطى، التى تأتى منها غالبية الهجرات، ممن يعبرون من هذه الدول إلى الولاياتالمتحدة عبر أراضى المكسيك، والدول الثلاث هى جواتيمالا والسلفادور وهندوراس. وعن هذا الحل كتبت صحيفة «إيلمانانا» وهى من أكبر الصحف المكسيكية وقالت، نعم للجدار لكن مكانه جنوبالمكسيك مع أمريكا الوسطى، فالمهاجرون من هذه الناحية لا يمثلون فقط مشكلة للولايات المتحدة، بل يحدثون أيضا ضغوطا اجتماعية على المكسيك. وكانت الأممالمتحدة قد قدرت أن 400 ألف شخص من أمريكا الوسطى يعبرون سنويا حدود المكسيك بطرق غير مشروعة. وفى الاتجاه نفسه ظهرت دراسات أمريكية تقول، إن الجدار الذى يريده ترامب لن يحل مشكلة الهجرة غير المشروعة. كما أجرى أيضا استطلاع أظهر أن معظم الأمريكيين ممن شملهم الاستطلاع، مؤمنون بوجود مشكلة فعلية على الحدود مع المكسيك، لكنهم فى الوقت نفسه لا يعتقدون أن الجدار سيحل هذه المشكلة. واتفاقا مع اقتراح الجدار البديل، فإن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نشرت مقالا جاء فيه ، أن الولاياتالمتحدة يمكنها إنفاق بضعة ملايين من الدولارات للمساعدة على الاستقرار داخل دول أمريكا الوسطى، وهو ما يشجع كثيرا من مواطنيها على البقاء فى بلادهم، وبذلك يمكن الحد من الهجرات غير المشروعة. وبدلا من إنفاق 5،7 مليار دولار لبناء جدار على حدود المكسيك، فإنه يمكن إنفاق قدر أقل من الأموال لمساعدة دول أمريكا الوسطى على تحسين أوضاعها الداخلية، وبذلك يمكن منع المهاجرين منها إلى الولاياتالمتحدة. أيضا يرى الأستاذ الجامعى المكسيكى أمريتوس مايكل، أن ترامب مازال يعتقد أن الجدار الذى يمتد إلى مسافة 1300 ميل سيحل مشكلة الهجرة غير المشروعة إلى بلاده، وطبقا للأمر التنفيذى الذى وقعه ترامب أخيرا، فإن هذا الجدار سيمنع الهجرة غير المشروعة وتهريب المخدرات والإرهاب، إلا أن هذا الجدار مهما يكن حجمه فلا يمكن أن ينجح فى تحقيق شىء مما يريده ترامب. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للإرهاب، لن يحول الجدار دون وقوع عمليات إرهابية لأن معظم منفذى العمليات الإرهابية السابقة إرهابيون لم يأتوا إلى الولاياتالمتحدة من خارجها، بل إنهم ولدوا فيها، أو كانوا يحملون الجنسية الأمريكية أو كانت معهم وثائق إقامة دائمة. كانت تقارير أمريكية قد ذكرت أن الإرهابيين الذين ولدوا فى دول أخرى وارتكبوا أعمالا إرهابية داخل الولاياتالمتحدة فى الفترة بين عامى 1975 و 2015، وعددهم 154 إرهابيا، كان منهم شخص واحد فقط من المكسيك. وهناك مشكلة أخرى تعزز موقف الرافضين لبناء الجدار وهى ، أن هناك 7،8مليون من المهاجرين، أغلبهم غير شرعيين، هم من قوة العمل فى الولاياتالمتحدة، وغالبيتهم يعملون فى قطاعات الزراعة والصيد والبناء والخدمات، كما يوجد ملايين ممن يعتبرون أيضا مهاجرين غير شرعيين يعيشون فى الولاياتالمتحدة منذ 20 عاما، ومنهم من هاجر إليها وهم أطفال، وأصبحوا جزءا من المجتمع الأمريكى. وقدرت المؤسسات المختصة بالضرائب أن المهاجرين غير الشرعيين يدفعون ضرائب تبلغ 11 مليار دولار سنويا، وهو ما دعا أكثر من 100 شركة وأعضاء بالكونجرس لحماية من هاجروا إلى أمريكا، ولو بطرق غير مشروعة، كما يؤيد أصحاب الشركات الكبرى بقاءهم. وكانت هناك أيضا مقارنة بين الحل البديل لتقديم مساعدات لتنمية دول أمريكا الوسطى تنعش اقتصادها وحياة مواطنيها، كحل واقعى لوقف الهجرات غير المشورعة، وبين الأفكار التى ظهرت أخيرا فى اجتماع قادة سبع دول أوروبية وإفريقية فى باريس، مع الرئيس الفرنسى إيمانول ماكرون، بهدف بناء علاقة جديدة تهدف إلى إيقاف تيار الهجرة إلى أوروبا من شمال إفريقيا، عن طريق تقديم مساعدات لتنمية هذه الدول، وهو ما يساعد على الحد من تدفق المهاجرين عن طريق ليبيا عبر البحر المتوسط، وأن نجاح هذه الخطة المبدئية يعتمد على التعاون لوقف الهاربين من الحروب ومن الفقر والاضطرابات السياسية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو ما قال عنه ماكرون، إن هذه المشكلة تخصنا جميعا، ولن تحل دون أن نعمل معا.