► مؤسس دار الإيواء: جاءتنى الفكرة عندما وجدت مسنا ممزق الملابس عليه علامات الشقاء ► مديرة دار السيدات: نسعد برؤية الحب فى عيون «المسنات» ► الإخصائية الاجتماعية: بعض «الحالات» تتصور أننا سنقوم بحبسها فى مكان مغلق! ► التمريض: معظم الحالات نفسية وعصبية وبالحب والحنان يثقون فينا ► الحاجة جيهان طردها مطلقها وأخذ منها أبناءها الخمسة ► أم الخير فقدت اثنين من أبنائها فى أسبوع واحد تزامنًا مع إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسى مبادرة «حياة كريمة» التى تسعى لإيواء المشردين لتضمن لهم العيش فى أمان وطمأنينة، قامت «تحقيقات الأهرام» بزيارة «دار بسمة للإيواء» بمحافظة الشرقية، وهى الدار التى تستقبل المشردين من جميع أنحاء الجمهورية ومن مختلف الأعمار، وذلك لتقديمها كنموذج فريد من نوعه من حيث القائمين على الدار ..فهم شباب جامعى متطوع كل هدفه رسم البسمة على وجوه حفر الشقاء ملامحه عليها، وتوفير الرعاية والأمان لأناس تنكر لهم أهلهم وتركوهم فى العراء بلا مأوي.. وعندما التقينا بهم وجدنا تفانيا وحبا فى عمل خالص لوجه الله لا يتقاضون عليه أى أجر، كما شعرنا بدفء المكان وراحة وطمأنينة النزلاء. فى بداية الزيارة التقينا محمود درج الطالب بكلية الهندسة وهو صاحب فكرة إنشاء تلك الدار، حيث قال: عندما كنت أتجول فى الشارع وجدت رجلا مسنا ممزق الملابس كثيف الشعر وتبدو عليه علامات البؤس والشقاء، فاقتربت منه وبعد أن اطمأن إليّ اصطحبته معي، ولجأت إلى جيرانى وأخذت منهم ملابس ثم اصطحبته إلى أحد الأماكن وقمت بقص شعره وتصويره، وعرضت صورته على صفحتى الشخصية، وكانت المفاجأة السعيدة أن أهله تعرفوا عليه وهم من منطقة الهرم، رغم أننى عثرت عليه بمدينة الزقازيق محافظة الشرقية، وعاد إليهم بعد فراق سبع سنوات وكانت سعادتى كبيرة، وقتها جاءتنى الفكرة وتساءلت : لماذا لا نقوم بهذا العمل الخيرى ونحاول أن نعيد المشردين لأسرهم؟ وإن لم نجد لهم أهلا فسنكون نحن أهلهم وسنوفر لهم كل الرعاية اللازمة لحمايتهم من حياة الشوارع، وبالفعل اتصلت ببعض أصدقائى ورحبوا بالفكرة تماما، وبعدها قمنا بعمل الإجراءات القانونية وأشهرنا الجمعية فى وزارة التضامن الاجتماعي، وبعدها استأجرنا مكانا لإيواء الحالات المماثلة وبعد أن زاد العدد استأجرنا مكانا آخر، وخصصنا واحدًا للسيدات والآخر للرجال، وبدأنا ننطلق فى كل المحافظات حتى وصل العدد الآن 163 نزيلا، ونعتمد بشكل كامل على التبرعات، وتمكنا بحمد الله من شراء قطعة أرض على أقساط بمنطقة العصلوجى بالشرقية، وكل أملنا الآن أن نبنيها لتستوعب كل النزلاء ونرحم من تكلفة الإيجار، ورغم الصعوبات التى نواجهها إلا أننا نعمل بحب، وسعادتنا تكون كبيرة عندما نسعد أى مسن أو نعيده لأسرته. عمل إنسانى رفيع نيرة ناصر طالبة بالسنة النهائية بكلية الآداب ومدير دار السيدات تقول : عندما عرض محمود صاحب الفكرة الأمر رحبت كثيرًا ووجدته عملا إنسانيا رفيعا، وعندما أرى الحب فى عيون السيدات المسنات أسعد كثيرًا وأجد متعة أنا وكل زملائى وزميلاتى فى مد يد المساعدة لهن، والجميع هنا يتمتع بصبر شديد فى التعامل مع الحالات لأن معظمهن يعانين أمراضا نفسية، وبمجرد وصول الحالة نقوم بعمل كشف طبى لها وتحاليل كاملة حتى نتابع علاجهم عن طريق فريق التمريض، وبعدها يأتى دور الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين حتى نتعرف على ظروف وجودهن فى الشارع ونجعلهن يتكيفن مع المكان، وغالبا يكون معظمهن مجهول الهوية، والحمد لله هناك تعاون من المواطنين، ولكن أهم ما نريد تحقيقه هو بناء قطعة الأرض التى سددنا كل أقساطها من التبرعات. مكان مغلق وتقول الإخصائية الاجتماعية أسماء عبده الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الاداب إن أول شيء نقوم به عند التعامل مع أى حالة أن نتقرب منها ونحتويها ونعمل على تهدئتها فى حالة مقاومتها الانتقال إلى الدار، هناك بعض الحالات ترفض المساعدة حيث اعتادت التسول خاصة أنها ظلت سنوات طويلة فى الشارع ، هذا إلى جانب أنهن يتصورن أنه بانتقالهن للدار سنقوم بحبسهن فى مكان مغلق، و بعد الانتقال إلى الدار نقوم بعمل فحص كامل للحالة ونقوم بعزل الحالات المعدية كحالات فيروس «سي»، ونواجه بالطبع صعوبات فى التعامل لكن بالصبر نستطيع تذليلها كتعديل السلوك والحالات العصبية الشديدة، ونتبادل الحالات مع أحد مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية، خاصة الحالات التى تحتاج رعاية طبية شاملة، وهم أحيانا يرسلون إلينا حالات فى حالة اكتمال العدد لديهم. قافلة طبية ومن فريق التمريض شيماء رمضان وهى مسئولة عن الحالات الصحية، حيث تتسلم النزيلة وتقوم بعمل تحاليل طبية كاملة لها وتتعرف على ما تعانيه، وتقول معظم الحالات نفسية وعصبية ونستطيع التعامل معهم بالحب والحنان حتى يثقوا فينا وهناك قافلة طبية تأتى إليهم لرعايتهم ..ومن أصعب ما واجهته من حالات الحاجة «صباح» والتى توفيت منذ أيام بعد معاناة مع أزمة صدرية و كانت تتعامل معى كابنتها. ضحايا التقينا عددا من الحالات التى تحمل كثيرا من المآسى والآلام وكانت البداية مع الحاجة سنية عبد الحميد والتى قاربت السبعين عاما، قصتها تحمل الكثير من الأوجاع وجحود الأبناء فقد كانت تعيش مع ابنها بالعريش حتى لعب الشيطان برأسه واستسلم لزوجته التى أجبرته على جعل أمه تبصم على تنازل عن كل أملاكها من بيت وأرض بالشرقية وبعدها أقلها بسيارة متجهة إلى الشرقية، وأوهمها أنها ستزور شقيقها المقيم هناك والذى سبق أن طردها من قبل، وبعدها وجدت نفسها بمدينة الزقازيق فى الشارع لا تعرف أين تذهب ولم تجد غير الشارع مأوى لها حتى عثر عليها متطوعو دار بسمة لتلتحق بالدار وتعيش وسطهم ومازال لديها أمل أن يأتى إليها ابنها ويعيدها إلى بيتها. مأساة نجاح الحاجة نجاح عمرها 55 عاما ولكن عندما تنظر إليها تجد الشقاء رسم ملامح جلية على وجهها ومأساتها كبيرة، فقد قررت الانفصال عن زوجها الذى رفض بشدة أن ترعى والدتها المسنة وقررت أن تضحى باستقرارها لتعيش تحت أقدام أمها المريضة دون تفكير فى الزواج وظلت تخدمها لسنوات طويلة الى أن فوجئت بابن عمها وزوجته يطردانها من منزل أمها ولم تستمر دهشتها طويلا، فقد كتبت أمها (التى ضحت من أجلها )المنزل لابن عمها بعقد بيع موثق لتجد نجاح نفسها فى الشارع بلا مأوى .. فجلست أمام المحكمة بأبو حماد بلا طعام أو شراب حتى وجدها أحد متطوعى الدار، وعندما عرض عليها اصطحابها للدار سعدت كثيرا، وتقول: وجدت سريرا نظيفا أنام عليه ولقمة تسد جوعى وأناسا أجلس معهم وأتحدث، وكل من فى الدار يعاملوننا كما لو كنا أهلهم، شعرت هنا بالأمان والدفء، و«الأستاذة نيرة» لا تترك أى أحد منا يحتاج شيئا والمهندس محمود يرعانا وكذلك سارة ونور وأم باسم كلهم فى خدمتنا بحب وحنان لم نجده خارج الدار. الرعاية والدفء تعويض عن الحرمان وحيدة فى الشارع الحاجة جيهان وجدوها فى بورسعيد بعد أن طردها مطلقها وأخذ منها أبناءها الخمسة، ووجدت نفسها وحيدة فى الشارع حتى وجدها شاب من دار بسمة ورغم أنها أبدت سعادة وطمأنينة فى إقامتها بالدار إلا أنها تعيش على أمل العودة لأولادها والحاجة هدى عمرها نحو ستين عاما كان لها أخ وحيد مات غريقًا وأصبحت وحيدة فى الحياة وقد وجدها متطوعو دار بسمة أمام محكمة المنصورة حيث تنتظر أمامها لتجد من يعيد لها ذهبها الذى سرقه منها مجهولون لا تعرفهم وقاموا بحرق جزء كبير من جسدها وهى تعانى «وساوس» من أن أى أحد يقترب منها سيؤذيها. الأم الثكلي تروى «أم الخير حجازي» حكايتها المأساوية قائلة كنت أعيش فى الإسماعيلية مع زوجى وأبنائى اربعة وكنت فى انتظار مولودى الخامس، وكانت حياتنا مستقرة إلى أن جاءنى خبر وفاة ابنى الكبير وهو عائد من العمل وكان عمره 18 عامًا، سكتت قليلا وانهمرت الدموع من عينيها وهى تسترجع ذكريات مؤلمة، وقالت كان قلبه طيبا ويحبنى ويحب والده وإخوته، وكان لا يحرمنا من شيء واحتسبته عند الله وما لبثت فى حالة الصدمة الأولى حتى أفجعتنى وفاة ابنى الأوسط فى نفس الأسبوع بعد تعرضه لأزمة صحية بعد وفاة شقيقه الأكبر، ومكثت فترة بعدها فى حالة ذهول لم أستطع استيعاب ما حدث فقد فقدت اثنين من أبنائى فجأة، وتبكى بحرقة وتدعو الله ألا يذيق أحدا مرارة فقد أى عزيز، بعدها تعرضت لاكتئاب حاد لم أستطع خدمة أبنائى حتى بعد وضعى لابنى الأخير لم أستطع رعايته وأرسلنى زوجى لقريبة لنا لتتولى رعايتى أنا وأبنائي، وفى إحدى الليالى تركت منزلها دون سبب وخرجت وظللت أسير مسافة طويلة حتى أصابنى اعياء ونقلنى الناس إلى مستشفى مكثت فيه أسبوعا، وبعد خروجى لم أستطع العودة إلى المنزل ولا أستطيع تذكر أى تفاصيل، واستقللت ميكروباصا وفوجئت أننى فى الشرقية فجلست عند كوبرى وبدأ أولاد الحلال يحضرون لى البطاطين والطعام وما يجودون على به من نقود، ولا أعلم كم مكثت فى هذا الوضع حتى عثر عليّ أحد أفراد فريق بسمة ونقلونى إلى الدار والحقيقة أنهم يعاملوننى معاملة طيبة ولا نحتاج إلى أى شيء، وأنتظر حاليًا إجراءات عودتى إلى المنزل فقد أخبرتنى الأستاذة نيرة أنهم عثروا على عنوانى وسيرسلون إلى أهلى قريبًا. المبادرة مستمرة الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس تقول: كنت رئيسة فريق مشروع أطفال الشوارع للجامعة من 2008 إلى 2012 وكنا نعمل عدد ساعات طويلة فهذا العمل يحتاج إلى مجهود جبار من القائمين عليه، فإيواء المشردين ليس عملا سهلا من حيث التعامل معهم وإقناعهم بالانتقال لدار إيواء ورعايتهم وتوفير كل سبل الراحة والأمان لهم كى لا يفكروا مرة أخرى فى اللجوء إلى الشارع ،ومبادرة حياة كريمة للرئيس مبادرة إنسانية نتمنى أن تستمر ولا تتوقف عند مرحلة معينة. وعلى المجتمع المدنى أن يشارك فيها،ومن هنا نؤكد تميز مبادرة الشباب، فهم نموذج مشرف يحتذى به لانه يشعر بالمسئولية المجتمعية ولابد أن نبرز نماذج للمجتمع شاركت من قبل، كالمنزل الذى تبرعت به سيدة من الأثرياء لإيواء أطفال الشوارع ومازال هذا المنزل يقوم بهذا الدور إلى الآن، وكذلك عندما أراد أحد رجال الأعمال إهداء لاعب يتميز بخلق عال فيلا تقديرًا لتميزه لكنه رفض وطلب منه التبرع بها للمحتاجين والبسطاء.. ويجب أن نشير إلى أن أعتى الدول الاقتصادية تعانى وجود مشردين كأمريكا فلم تقتصر هذه الظاهرة علي البلدان الفقيرة، والعلاج يكمن فى العمل على تعزيز القيم الإنسانية والتى حدث لها شرخ كبير خاصة بعد التفكك الأسرى الذى تعانيه بعض الأسر الآن.