نتيجة حدة المعارك وعنفها وإصرار النظام علي إبادة درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة وعجز كتائب الجيش الحر عن حماية القري والمدن لضعف تسليحه وقلة امكاناته. لم يجد السوريون بعد ذبح الأطفال وقتل أسر كاملة وهدم أحياء وقري كثيرة إلا الفرار عبر الحدود إلي الأردن, رغم تكثيف الوجود الأمني السوري علي السلك الشائك وتعزيزه بأكثر من15 ألف جندي. ولكن الحياة والحفاظ علي الصغار أجبرت أكثر من300 ألف شخص علي الهرب. مخاطرة أن يعبر الصحفي حدودا غير آمنة ملتهبة بنيران القصف اليومي مزج التراب فيها بدماء من سقطوا شهداء أو ارتفعوا. فالحدود السورية مع الأرض بسيطة سهلة, والسلك الشائك الذي سيجت به الحكومة السورية عدة كيلو مترات منها قصة الثوار ليصنعوا فيه فتحات كممرات آمنة ولكن تزايد أعداد الهاربين من الجحيم تحت حماية الجيش الحر ومنهم شخصيات هامة بداية من المجندين الشباب إلي رئيس الوزراء حجاب وما بينهما عمداء وعقداء ورواد من ضباط الجيش السوري جعل النظام السوري يزيد من انتشار جنوده علي الحدود في نفس الوقت الذي يزيد من قصف المنازل في درعا والحراك ومدن أخري في حوران. وعندما نشطت القوات السورية علي الحدود لم يكن الهرب إلا من يادودة الميزاريب4 كم من الحدود أو من حيط التي لا يفصلها عن قرية الشجرة الأردنية سوي كيلو متر واحد أو أقل ولكن فوق جسر خشبي يقيمه الجيش الحر خلال ساعة فوق النهر ثم يرفع الجسر سريعا ومغامرة الهرب آمنة إذا اتبعت التعليمات.. لا تدخين سجائر حتي لايدل علينا ضوء اشعالها ولا استعمال هواتف محمولة والسير صمتا وعلي الأمهات الانتباه والاستعداد في أي لحظة لكتم أفواه الأطفال إذا بدر منهم صوت. عائلات تطارد الخوف في فرارها من الجحيم إلي المجهول والجوع.. بينهم رغم كل ذلك تري الأمل في عيون الأطفال وفي حكايات الأبطال والمجاهدات انعام الحاري سيدة لم تقترب بعد من عامها الأربعين تحمل طفلين صغيرين وتجر وراءها خمسة آخرين.. جاءت من عاتمان قرية صغيرة قريبة من درعا.. كانت لا تملك سوي منزلها الصغير وبقرة حلوب وتعمل في معمل للدهانات لتنفق علي أولادها.. شهدت وشاهدت ألم المجندين من الشباب السوري في جيش النظام.. فقرهم غضبهم المكبوت. خوفهم القابض علي ألسنتهم ليمنعهم من ابداء رأي.. كانوا يترددون عليها لبيع الخبز الجاف ليشتروا بثمنه بطاقات شحن لهواتفهم المحمولة ليستمر تواصلهم مع ذويهم الذين لم يروهم منذ تسعة أشهر فتخرجهم من حالة اليأس التي غلبتهم ولو إلي حين. ولكن حملت المهاتفات كما تقول أنعام الحاري إلي اثنين منهم أنباء قتل ذويهم وشقيق أحدهم. كانت خدمتهم في حاجز( كمين) عاتمان.. قالت: سألوني.. كيف نهرب من هنا يا خالة تعبنا وبدنا نفل.. احنا ارتحنا لك.. ساعدينا.. لم تفكر انعام في واردها من تعيين الجنود من الخبز الذي يصل يوميا إلي02 كيلو جراما. تدقه لتضعه خبزا لبقرتها. وثمنه أرخص من شراء العلف ضحت بمكسبها لتعين الشباب علي الانشقاق. آوت عددا منهم في منزلها ورتبت لهم مع عناصر من الجيش الحر ليصحبهم في رحلة الهرب من عاتمان إلي تل شهاب(11 كم) ثم وادي اليرموك وسرعان ما وجدوا أنفسهم في الأردن. .. مرة أخري تحكي انعام أستوقفني جنود الحاجز عند ذهابي إلي عملي.. لاشك أنهم عرفوا ما فعلت سيقبضون علي.. لكنهم سألوني.. لماذا التكبير في المساجد. قلت: يكبرون علي مقتل الشباب الشهداء. ومنهم جنود سألوني من قتل الجنود قلت زملاءهم.. عندما رفضوا اطلاق النار علي مظاهرة. كنت قد شاهدت أحد الجنود لما قوصوه داسوا عليه بالدبابة جعلوه عجينة كبه. لم أخف وقلت لهم.. انتو بعدين هايعملوا فيكوا كده, كانت ابنتها الصغيرة رغد تئن من شوكة أصابت قدمها. فارتمت علي الأرض تتألم حاولت مساعدتها إلا أن صوت محمد( عنصر الجيش الحر الذي رافق الرحلة لحمايتها مع سبعة من رفاقه بالسلاح أشار بيده وبصوت خفيض طلب من الجميع الصمت والانبطاح. دقائق وكانت طائرة حربية تحوم فوق خط الحدود.. بعد دقائق أخري وقال محمد ياللا خلاص. وأضاف: تعودت آذاننا التقاط أصوات الطائرات علي بعد كيلو مترات. في فضاء هذا الوادي الذي يصل الصوت فيه إلي السهل بين الجبلين ضعيفا ولكننا تدربنا علي التقاطه كصدي.. وهو ما ينبهنا لحماية أهالينا الذين نرافقهم تحت حماية الله إلي الحدود الآمنة في الأردن, التفتت أنعام إلي رغد وقالت هكذا هي. منذ بداية الثورة كلما سمعت الضرب والانفجارات والقصف تنهار أعصابها وتسقط غائبة عن الوعي وبعد أن تفيق تظل تصرخ لا تهدأ إلا بعد ان أحتضنها فتغفو علي صدري وأحيانا تستيقظ مفزوعة. قال ثائر ياسر 62 سنة والذي كان يصحب زوجته أن حال شقيقه الأصغر عدي لا يختلف كثيرا, مرض بالصرع بعد المجازر التي شاهدها ويصيبه كلما سمع صوت الرصاص لمدة نصف ساعة وبعد أن يفيق يضرب برأسه في الحائط من الخوف. وهو ما حدا بوالدي إلي دفعي للهرب خصوصا بعد أن وشي بي البعض لأنني أفصل بدلا عسكرية للجيش الحر فحرقوا لي محل الخياط الذي أمتلكه وأصابوني بطلقة في الظهر.. رياح الليل في الصحراء قاسية والجرحي يمثلون عبئا مع الأطفال في مسيرة قافلة الهرب. لم يحم الناس من الرياح والارهاق سوي الراحة لدقائق في كرم عنب في قرية تل شهاب ثم عاودت القافلة المسير في حقل زيتون, كان الأطفال علي رءوس وأكتاف الأمهات يلهون بأيديهم البريئة بأغصان الزيتون. أمسكت طفلة بغصن لتقتلعه عندما قالت لقد حملنا الأغصان في يد وفي اليد الأخري مصحفا لمناشدة قوات النظام فك الحصار عن درعا في أولي شهور الثورة ولكنها لم تجد شيئا ولا حاجة لنا بها الآن قليلا من الوقت وعاد محمد ليشير للقافلة علي اتجاه السير الذي لن يستغرق سوي دقائق وتكونون علي الشيك وهو السلك الشائك أمام قرية الشجرة, أول العمران بالمملكة الأردنية وهناك طرق أخري كما قال بلال حون, أحد جنود الجيش الحر الذي صاحب القافلة للعلاج. مثل قرية حيط وهي الأقرب للشجرة والميزاريب ويادودة. والطرة التي تبعد عن مدينة الرمثا ب01 كم وقام الجيش السوري بقصفها أكثر من مرة وأوقع الجيش الحر طائرة هيلكوبتر سورية أصاب شظاياها5 أطفال وإمرأة. أما عن حيط فقبل أكثر من شهر تشرد عندما يصل إلي003 عائلة في الغابات والمزارع بعد أن قام الطيران السوري والمدفعية بالقصف في أثناء عبورهم وعلق طفل4 سنوات بالسلك الشائك وعندما حاول جندي أردني انقاذه أصابته رصاصة فمات. منال فتاة سورية من تل شهاب كانت تأوي في منزل أسرتها عناصر الجيش الحر الذين يؤمنون طريق الهرب استوقفها ملازم أول من الجيش السوري مرة وطلب منها الهرب فورا لأن أحد الجنود وشي بها فهربت مع أسرتها وقبل أن يبتعدوا كثيرا أصبح منزلهم كوما من رماد بعد قصفه. اختبأوا في منزل خالها من العصر حتي العاشرة ليلا وبعدها هربهم معهم عبد الحدود.وتتوالي قصص الفرار... وتستمر معاناة الشعب السوري في ظل صمت المجتمع الدولي أمام بشاعة ووحشية النظام.