أظن أن شعب مصر بات مدركا ومستوعبا لكل الدروس المستفادة من السنوات العجاف التى أعقبت أحداث 25 يناير 2011 وفى مقدمة هذه الدروس أننا مازلنا بحاجة إلى صنع المعادلة الضرورية بين استحقاقات الممارسة الديمقراطية التى نحلم بها وبين ثوابت وجذور الخصوصية الذاتية التى يندرج ضمن بنودها درجة التطور السياسى والموروث الثقافى والبعد الاجتماعي. ومعنى ذلك أن الذين يحبسون أنفسهم فى المفهوم الضيق بأن الديمقراطية هى مجرد حرية التعبير الذى يوفر حق الصراخ والمزايدة إنما يقعون فى خطأ فادح، لأنهم لا يأخذون من الديمقراطية سوى شكلها الخارجى فقط، بينما يتركون المضمون خاويا!. لقد رأينا كيف انزلقت شعوب مجاورة إلى مصيدة تغييب العقل فى المسرح السياسى تحت رايات الربيع المزعوم مما صنع واقعا مأساويا على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والإنسانية دفع الكثير من أبناء هذه الشعوب إلى ردة مخيفة تجاهر برفض الديمقراطية رغم عظيم حسناتها، والمطالبة بالديكتاتورية رغم بشاعة مساوئها! ولم يكن ما جرى للعديد من شعوب الأمة العربية تحت رايات الربيع المزعوم مجرد نزيف دموى مرعب أزهق عشرات الألوف من الأبرياء وإنما النزيف الأخطر والأشد رعبا كان نزيفا عقليا أفرز ضبابا كثيفا حجب عن العيون والقلوب رؤية الطريق السليم للإصلاح والتغيير نتيجة العجز فى عتمة الضباب عن تحديد الفواصل والمسافات بين ما هو حق وما هو باطل! والحقيقة إن غالبية شعوب الأمة باتت على يقين بعد أن استوعبت دروس السنوات العجاف أنه ليس هناك خطر يمكن أن يهدد حاضر ومستقبل أى أمة مثل خطر تغييب العقل لحساب عواصف التهييج والإثارة لأن العقل يبنى المواقف الصحيحة، أما لغة الإثارة والمزايدات فإنها تصنع فرقعات مؤقتة تدمر بأكثر ما تبنى، وتفرق بأكثر ما تجمع وتهدد بأكثر ما تحمي! خير الكلام: وطن بلا عقل أشبه بأرض بلا ماء! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله