ليس هناك خطر يمكن أن يهدد الديمقراطية مثل خطر تغييب العقل لحساب عواطف التهييج والإثارة التي تصنع فرقعات مؤقتة تدمر بأكثر مما تبني وتفرق بأكثر ما تجمع وتهدد بأكثر مما تحمي! ونحن عندما نتكلم عن الديمقراطية فإننا نتحدث عن عظمة الإحساس بحرية حقيقية تمنح المرء حق صياغة الموقف الذي يراه بناء علي الفكر الذي يعتنقه والمنهج الذي يؤمن به وفقا لحسابات العقل والمنطق, وليس للأهواء والعواطف! ومعني ذلك أن الذين يتصورون أن الديمقراطية هي مجرد حرية التعبير التي توفر حق الصراخ يقعون في خطأ فادح لأنهم لا يأخذون من الديمقراطية سوي شكلها الخارجي فقط بينما يتركون المضمون خاويا أشبه بوعاء فارغ! في الديمقراطية ينشأ الحوار الموضوعي الذي يساعد علي تقريب المسافات وليس تضخيم التناقضات حتي تتوحد صفوف الأمة وتحتشد بكل أسلحتها صوب الاتجاه الصحيح لتحقيق الممكن وتجنب المستحيل... وكل الديمقراطيات التي سمحت- ولو بقدر محدود- لإمكانات تغييب العقل في المسرح السياسي انتهت نهاية مأساوية ودفعت بشعوبها إلي الكفر بالديمقراطية رغم عظيم حسناتها. الديمقراطية ليست في المعارضة فقط وإنما في القدرة علي الانتصار للحق ضد الباطل والعمل علي إشاعة وبث الثقة في النفوس وتجنب الإفراط في الدق علي جدار السلبيات وتشويه وإنكار كل ما في صفحة العمل الوطني من إيجابيات! الديمقراطية تحتاج أول ما تحتاج إلي تأكيد قيمة المواطنة ورفض ما سواها من قيم أخري لأن ذلك هو السبيل الوحيد لجمع صفوف الأمة حول الأهداف والمقاصد المرجوة تحت مظلة مشتركة من سلاح العلم المتطور وسلاح العقيدة المستنير وكلا السلاحين ركيزتهما الأساسية العقل! الديمقراطية تحتاج إلي صدق مع النفس وإلي شجاعة القدرة علي مواجهة الحقيقة بدلا من الاستسلام لأيه تمويهات غامضة أو صرخات متشنجة تستهدف أن نصاب بالشلل والعجز الذي يراد لأمتنا بلوغه تحت مظلة مثل هذه الأصوات الزاعقة من هنا أو هناك! وغدا نواصل الحديث..
خير الكلام: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره.. إذا استوت عنده الأنوار والظلم! [email protected]