1 - تعليقا وتعقيبا علي مئات الرسائل التي تلقيتها طوال الأيام الأخيرة بشأن ما كتبته علي مدي تسعة أيام متصلة من ملاحظات وانطباعات حول المشهد السياسي المصري قبل وقوع حادث كنيسة الإسكندرية ليلة رأس السنة, ينبغي في البداية أن أتوجه بالشكر للجميع فردا فردا لعفة القلم ونزاهة القصد وسمو اللغة التي ميزت معظم الرسائل سواء تلك التي اتفقت أو اختلفت معي بشأن تقويمي لما جري في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. والحقيقة أن أخطر ما يهدد الديمقراطية في أي وطن هو أن تتحول آليات الحوار الموضوعي إلي آليات للمواجهة والصدام فالديمقراطية أن تسمعني وأن أسمعك لا أن تصرخ في وجهي وأن أرد عليك بصراخ أشد. إن الديمقراطية هي الحوار ولكن بشرط ألا يفهم أحد أن الحوار هو الغاية وإنما هو مجرد وسيلة فقط لتقريب وجهات النظر من أرضية فهم المتحاورين بأن هدف الحوار هو الوصول إلي صيغة مشتركة تعكس استفادة ملموسة من الرأي والرأي الآخر. ومعني ذلك أن الديمقراطية ليست الصوت الزاعق ولكنها الصوت المحسوس الذي يدخل أروقة الجدل والحوار مسلحا برؤية ثاقبة قادرة علي الفعل والتأثير في توجيه الدفة وتحديد المسار سواء عند منطقة صناعة القرار إذا كانت تعبيرا عن صوت الأغلبية أو توجيها للرأي العام, وتوسيع مساحة خياراته إذا كانت تعبيرا عن صوت المعارضة. إن الديمقراطية هي سيادة القانون الذي يرتضي الجميع الخضوع له والاحتكام إليه بعد أن يكون القانون قد مر بالمراحل الديمقراطية قبل إصداره ونال الوقت الكافي من البحث والفحص والتمحيص تحت مظلة الحوار الموضوعي.. لأن هذه المراحل هي التي تكسب القوانين مزيدا من الحصانة ومزيدا من الاحترام. وكما قلت في هذا المكان أكثر من مرة فإن الديمقراطية هي الأحزاب ولا ديمقراطية بدون أحزاب ولكن ينبغي القول أيضا إن الديمقراطية لا تتحقق في أي مجتمع لمجرد أن به أحزابا متعددة ومتنافسة وإنما إشارة الديمقراطية الأولي والحقيقية تنطلق من وجود ديمقراطية حقيقية داخل كل حزب علي حدة لأن غياب الديمقراطية داخل الأحزاب ينسف أي مصداقية لهذه الأحزاب في تعاطيها مع المسألة الديمقراطية بشكل عام. إن الديمقراطية هي حرية الرأي وحرية الاجتهاد وحرية الإبداع ولكن بشرط أن تكون الحرية محكومة بضوابط أساسية ترتكز إلي قيم المجتمع وتقاليده وثقافته من ناحية وتجنب المساس بحرية الآخرين وعدم المساس بالسمعة والشرف والنزاهة من ناحية أخري! ولعل من تبسيط الأمور أن ينظر البعض إلي الديمقراطية علي أنها مجرد أطر وهياكل وآليات تتمثل في أحزاب وصحف وبرلمانات تمسك بها نخبة محدودة, بينما جوهر وهدف الديمقراطية توسيع حق المشاركة الشعبية في محورين أساسيين.. محور المشاركة في صنع وصياغة السياسات بحق إبداء الرأي في مختلف وسائل التعبير.. ومحور المشاركة في الرقابة علي الأداء الوطني العام الذي لا يقتصر علي الأداء الحكومي فقط, وإنما يشمل الأداء الحزبي وأداء مؤسسات المجتمع المدني بمختلف مسمياتها المهنية والنقابية. وغدا نواصل الحديث
خير الكلام: ** التعصب للرأي الواحد يطرد الأفكار ويحتضن الهواجس والمخاوف فقط! [email protected]