لا أظن أن أحدا يمكن أن يجادل في أن السبيل الوحيد لتحقيق إصلاح شامل يبدأ بإصلاح حال الممارسة الديمقراطية في ظل مجتمع مفتوح ومن خلال تفعيل دور دولة المؤسسات التي تحترم الفصل بين السلطات, ويسود فيها صوت القانون وتكون الكلمة العليا للإرادة الشعبية بعيدا عن أي متاهات فكرية تعبر عن أشخاص بأكثر ما تعبر عن نبض الناس وتطلعاتهم المشروعة! والحقيقة أن الإصلاح تحت رايات الديمقراطية لا يتحقق بتصيد الأخطاء وتضخيمها فقط وإنما بكشف أي أخطاء أو سلبيات بهدف تصحيحها بعد وضعها في إطارها الصحيح ومن خلال نقد موضوعي نزيه يسبقه تحقيق سليم لكل الوقائع لحماية وجدان الشعب وضميره من مخاطر الاستدراج نحو أجواء اليأس والإحباط من كثرة جلد النفس والذات! ومعني ذلك أن أي ملاحظات حول ما جري في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لا ينبغي لها أن تصل بالبعض إلي تبني دعوات المقاطعة والانسحاب لأنه ليس من الإنصاف أن يجري تغييب الجوهر الذي يقوم عليه البناء الديمقراطي لمجرد أن هناك بعض ملاحظات تتعلق ببعض الهوامش وبعض التفاصيل. إن الدعوة إلي المقاطعة معناها أن القوي الاجتماعية صاحبة المصلحة الأساسية في تعزيز المسيرة الديمقراطية يراد حرمانها من أن تقول كلمتها وأن تدافع عن مصالحها وأن تبدأ في تحديد مواقعها تأهبا لمرحلة جديدة ينبغي أن تتجه إليها الممارسة الديمقراطية لكي تبشر بإنهاء أجواء السلبية واللامبالاة التي كشف عنها استمرار تدني نسب المشاركة في التصويت خلال مراحل الانتخابات الأخيرة.. ثم إن دعوات المقاطعة تمثل تحريضا للناس باتجاه السلبية والعزوف عن المشاركة في العمل السياسي ومحاولة إعطاء انطباع خاطئ بأن الناس ليست معنية بممارسة حقها في صياغة حاضر ومستقبل هذا الوطن مع أن العكس هو الصحيح لأن الغالبية العظمي من الناس قد تكون غير معنية فقط بالقضايا الجدلية بشأن الأولويات والصياغات والضمانات ولكنها معنية- وبصدق- بالاطمئنان إلي حاضر ومستقبل أبنائها في عصر تتزايد فيه المطالب وتتعاظم فيه الطموحات وتشتد الحاجة إلي جهد وإبداع الجميع لتوفير المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة. إن تصحيح المعادلة الحزبية القائمة لكي تتوافر مشاركة أوسع لجميع الأحزاب إلي جوار حزب الأغلبية لا يتحقق بسياسات المقاطعة, وإنما يتحقق بالإصرار علي المشاركة وليس مهما أن يقول هذا الحزب نعم وأن يقول هذا الحزب لا فالمهم هو ديناميكية الممارسة الحزبية التي تعكس واقع التعددية السياسية وجدية الأحزاب في سعيها لأن تكون رقما صحيحا في المعادلة السياسية. وكما قلت أكثر من مرة فإن الديمقراطية هي الأحزاب ولا ديمقراطية بدون أحزاب, ولكن الخطر الأكبر علي الديمقراطية يجيء عندما تشعر بعض الأحزاب بعجزها عن التواصل مع الناس فتلجأ لرفع رايات المقاطعة والانسحاب نتيجة خضوع هذه الأحزاب لتسلط فرد أو جماعة لأن هذا التسلط لا يعني فقط غياب شكل وجوهر الممارسة الديمقراطية وإنما يؤدي لانفضاض الجماهير عنها وعن الاهتمام بالشأن العام!
خير الكلام: ** مهما يطل وقت الزيف فالحقيقة هي التي تفرض نفسها في نهاية المطاف! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله