بغض النظر عما سيسفر عنه الصراع المحتدم بين أسرة الفنان الراحل حسن كامى ومحاميه حول ممتلكاته خاصة مكتبته، فإن القرار الحكيم الذى اتخذته وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم بتشكيل لجنة لفحص وجرد جميع محتويات المكتبة وإعداد تقرير مفصل عنها، وإنقاذ ما تحتويه مكتبة الفنان الراحل من مقتنيات تراثية متمثلة فى مخطوطات وكتب ووثائق نادرة، يظل قرارا لحالة فردية بعينها ولا يمتد أثره ليحفظ للوطن التراث الفنى والفكرى لرموز مصرية شكلت تاريخ ووجدان شعب.. ورغم أن مشكلة الصراع على ميراث الفنان الراحل طغت على المشهد لتظهر على استحياء إلى جوارها سطور قليلة لا تعكس قيمة ولا أهمية الفنان الراحل سواء فى مجال الأوبرا أو التمثيل، إلا أنها سلطت الضوء من جديد على مشكلة اختفاء مقتنيات المشاهير بعد رحيلهم سواء نتيجة لعدم تقدير ذويهم لأهميتها أو لعدم وجود أماكن لحفظها، والمتاعب التى صادفت عددا لا بأس به من الكتاب وهواة اقتناء الكتب الذين قرروا إهداء مكتباتهم النادرة لإحدى الجهات الرسمية أو مكتبات الجامعات، وانتهى الأمر فى معظم الحالات لرفض تسلم المنحة لعدم وجود أماكن لعرضها أو تسلمها مع حفظها فى كراتين مغلقة فى أروقة ودهاليز مكتبات الجامعات!! فقبل عشر سنوات بالتمام والكمال عرضت صفحة دنيا الثقافة بصحيفة «بالأهرام» فى سلسلة من التحقيقات قام بها الزميل الأستاذ حسن إمام والزميلة الشابة مى إسماعيل وكاتبة هذه السطور لمشكلة مقتنيات مكتبتى جامعة القاهرة والإسكندرية المكدسة فى غرف مغلقة ولا يطلع عليها أحد. ورغم أننى لا أستطيع أن أجزم حتى هذه اللحظة إذا ما كانت مشكلة عرض مقتنيات المكتبتين العريقتين قد تم حلها بشكل نهائى وأصبحت متاحة للباحثين والدارسين أم لا، إلا أننى على يقين من خلال تجارب شهدتها بنفسى أن عددا لا بأس به من المشاهير الذين رحلوا لا تزال مقتنياتهم الخاصة ومكتباتهم فى مهب الريح، وغالبا ما سينتهى بها الأمر لتستقر فى بلاد غريبة !!، وإن لم ينتم لها أصحاب هذا التراث ولم يمضوا فيها ولو جزءا من حياتهم، إلا أن أصحاب القرار فى هذه الدول ومن يمتلكون المال يدركون أهمية اقتناء هذا التراث.. وفى تقديرى أن هذه المشكلة ستستمر ما لم ندرك أن ثمة أشياء فى حياتنا لا يمكن مقايضتها بالمال أو المعادن النفيسة وأن الأماكن التى شهدت جدرانها حياة البشر والمقتنيات مهما يبلغ تواضعها، فإن قيمتها لا تقدر بثمن لأنها توثق صفحات من تاريخ أمة.. فكم من مرة زرت أو صادفت فى طريقى بيوتا فى غاية التواضع فى أحياء فقيرة فى بلاد الشمال، تحولت لمزارات سياحية لمجرد أن سكنها يوما ما مبدع وإن لم يقدره أبناء بلدته ولا العالم إلا بعد الرحيل.. فلو كان لهذه المعانى مكان فى حياتنا لما اختفت فيلا أم كلثوم وما تحول بيت محمد فريد فى شبرا لمول تجارى ولا طالت يد الإهمال بيوت على الكسار وسيد درويش وحسين رياض ومحمود المليجى وبديع خيرى فتحولت لأطلال، وما اختفى بيت مارى منيب وزوزو ماضى وما غمرت مياه المجارى ألبومات صور سامية جمال ولا.. لا.. وبمنطق رب ضارة نافعة، فإن مشكلة مقتنيات الراحل حسن كامى بمثابة جرس إنذار لننتبه لتراث مهمل لا يخص الأبناء والأقارب وحدهم بل يتعلق بتراث وذاكرة أمة.. ولقد دشنت وزارة الثقافة قبل عامين تحديدا مشروع «قصة مكان» لتوثيق التراث الشفهى والمكتوب وتاريخ المبانى وأشهر الشخصيات التى عاشت بها والأحداث المهمة بالصوت والصورة. وفى تقديرى أن تفعيل هذا المشروع واتخاذ الإجراءات لتحويل مقتنيات المشاهير لمنفعة عامة وإتاحة مواقع تضم مكتباتهم لتصبح متاحة للجميع لن يحل فقط مشكلة أصحاب هذه المكتبات، بل أيضا سيحفظ الجزء الإنسانى فى تراثنا المتمثل فى مقتنيات شخصية وذاكرة مكان.. ويرحمنا من مقايضة تاريخ امة بحفنة دولارات. لمزيد من مقالات سناء صليحة