تعلمت فى مدرسة تجريبية مصرية.. وأعمل 16 ساعة يوميا لأحقق حلمى طريقه لم يكن سهلا، لكنه أصر على النجاح، وواجه العديد من التحديات حتى استطاع أن يقف على مشارف تحقيق حلمه بعد أن تم قبوله فى برنامج» بوسوم» possum الذى ترعاه وكالة « ناسا» الأمريكية لتدريب العلماء على العمل كرواد فضاء. إنه المهندس أكرم أمين، أول رائد فضاء مصرى.. فكيف وصل إلى «ناسا» وتغلب على شرط عدم قبول رواد فضاء غير ألمانيين؟ وماذا عن الصعوبات التى واجهته؟ وما هى طبيعة الاختبارات التى مر بها حتى يتم قبوله كرائد فضاء؟.. هذا ما سنعرفه فى هذا الحوار الذى أجراته « الأهرام» معه أثناء إجازته القصيرة التى قرر أن يقضيها فى مصر. العمل فى مجال الفضاء بعيد كل البعد عن فكر المصريين.. فما الذى جذبك إليه؟ الحقيقة أن الموضوع لم يأت فجأة، فأنا منذ طفولتى ولديَّ شغف بمجال الفضاء والطيران، خاصة أن والدى ضابط فى الدفاع الجوى وكان دائما ما يأتى بكتب الطيران والصواريخ مما زاد من رغبتى فى الاطلاع على هذا العالم البعيد عن الأرض.. ولكنى أبدا لم أتخيل يوما أننى سأعمل به نظرا لعدم وجود فرصة له بمصر حتى جاءتنى منحة للدراسة بالجامعة الألمانية GUC بالقاهرة بعد تفوقى فى الثانوية العامة، فاخترت تخصص هندسة الاتصالات لما له من علاقة مباشرة بمجال الأقمار الصناعية، ولأن دراستى كانت مرتبطة بهوايتى وشغف الطفولة تفوقت بها وكنت من أوائل الجامعة، وبعد تخرجى سافرت إلى ألمانيا بمنحة أخرى لتحضير رسالة الماجستير فى الاتصالات وهناك عرفت الوكالة الألمانية للفضاء، وهى مثل وكالة ناسا فى أمريكا، فقلت لنفسى إن تلك الوكالة هى المكان الذى أريد أن أكمل به حياتى. وكيف التحقت بها؟ الوكالة مقسمة لعدة تخصصات، منها أقمار صناعية، ورواد فضاء، وطيران، ورادار، وبالتإلى الالتحاق بها ليس سهلا على الإطلاق لأى شخص فى العالم ولكنى لم أتقدم لها إلا بعد أن استوفيت أغلب شروط الالتحاق، وقد تم قبولى عام 2010 كمتدرب فى تخصص الأقمار الصناعية لأنه الوحيد المرتبط بتخصصى، وأثناء فترة تدريبى قررت أن أبدأ دراسة ماجستير جديد فى مجال الفضاء، وكنت أعلم أنه من المستحيل أن يتم قبولى فى تخصص رواد الفضاء نظرا لأنه البرنامج الوحيد الذى لا يقبل أى شخص لا يحمل جنسية الدولة صاحبة البرنامج كونه يمول من الحكومة، ومن ثم لا يجوز أن تصرف تلك التمويلات على شخص من جنسية غريبة. لم أيأس وتجاهلت هذا الشرط تماما وبدأت أعد نفسى وأتلقى نفس التدريبات التى يحصل عليها الملتحقون بالبرنامج ولكن بنظام خاص، منها تدريبات على الطيران والغطس حتى أكون مستوفيا جميع الشروط المطلوبة على أمل أن تظهر مؤسسة دولية تقبل رواد فضاء من جنسيات مختلفة عن جنسية الدولة الممولة للبرنامج، افتتحت وكالة ناسا برنامجا «إنترناشيونال»، ومن حسن حظى أنهم كانوا يعرفوننى لأنى أجريت معهم عدة تجارب فى نفس المجال, لذا كنت من أوائل الأشخاص الذين تم قبولهم للتدريب على هذا البرنامج لاستيفائى جميع الشروط المطلوبة بسبب الإعداد الذى كنت بدأته مع نفسى على أمل أن يأتى هذا اليوم.. وذلك كان عام 2015 وأذكر أن عدد المتقدمين للبرنامج كان 600 شخص تم قبول 6 فقط كنت أنا واحدا منهم, ومن وقتها ونحن نجرى تدريبات على الطيران الحربى hig4 أو الضغط الذى يحدث داخل الصواريخ¡ وقدرتنا على احتمال الطيران على ارتفاعات مختلفة، حيث إن الطائرة العادية تطير على ارتفاع ما بين 10 و11 كيلو ولكننا نتدرب على الطيران بارتفاع 30 كيلو، وهو بداية الفضاء، وهدفنا الارتفاع على 80 كيلو، وبذلك نكون خرجنا من الغلاف الجدوى تماما ودخلنا الفضاء بمسافة كبيرة. أيهما أكثر تقدما فى مجال الفضاء أمريكا أم روسيا؟ نحن لا نستطيع أن نحدد بالضبط لأن روسيا بالرغم من أنها حققت تقدما مذهلا فى هذا المجال إلا أنها منغلقة على نفسها ولا تعلن عما وصلت إليه به، ولكن أمريكا أيضا حققت تقدما كبيرا فى مجال الفضاء، تليها أوروبا. هل هناك فائدة ممكن أن تعود على الأرض من دراسة طبيعة الفضاء؟ أولا لابد من تأكيد أن التمويلات التى يتم تخصصيها لهذا المجال أكبر من كل التصورات الممكنة، وبالتإلى فهم لا ينفقون هذه الأرقام الكبيرة جدا إلا وهم على يقين أن 90% منها يعود بالفائدة على الأرض، فنحن مثلا ندرس المناخ على ارتفاع 80 كيلومترا بعد ظهور أنواع مختلفة من السحاب على هذا الارتفاع، وبالتإلى كان لابد من دراسة هذا النوع من السحاب وطبيعته لنعرف مدى تأثيره على الأرض وما هى الأضرار التى قد تترتب عليه حتى نتجنبها أو نحد منها. ومن الفوائد التى عادت على الأرض أيضا من دراسة الفضاء كاميرا الsmart phone أوالهواتف الذكية والتى أخذها العلماء من تكنولوجيا التليسكوب الفضائى. وما السر فى اهتمام العلماء بدراسة كوكب المريخ تحديدا؟ لأن المريخ هو أقرب الكواكب شبها بالأرض، فضلا عن أنه من السهل فهم سلوكه، كما أن الدراسات التى أجريت هناك أكدت احتمال وجود حياة سابقة عليه، وذلك بعد العثور على مياه مجمدة به، مما يدل على فناء الحياة نتيجة تعرضه لظروف مناخية قاسية، ومن ثم فإن دراسته تجعلنا نفهم الخطوات التى يمكن أن يتحرك إليها كوكب الأرض، والمشكلات التى قد يتعرض لها فى المستقبل، واحتمالية أن يصبح مثل المريخ صحراء جرداء، وبذلك نمنع أو على الأقل نحد من الوصول إلى نفس المخاطر التى تعرض لها المريخ، خاصة أن الكوارث الطبيعية من أكثر الأشياء التى تؤذى الإنسان على الأرض أى أننا فى النهاية كل ما ندرسه ونجريه من تجارب فى الفضاء له علاقة مباشرة بكوكب الأرض.. هذا بالإضافة إلى الاختبارات التى يجريها العلماء فى المحطة الفضائية الدولية على الفيروسات المسببة للأمراض الخطيرة، نظرا لكون الفيروس يظهر بشكل أوضح وأكبر فى الفضاء بسبب انعدام الجاذبية الأرضية مما يساعد على فهم طبيعته وحركته وسبل التعامل معه والتغلب عليه. ومن التجارب شديدة الأهمية أيضا التى تم إجراؤها فى الفضاء تلك التى يمكن عن طريقها تصنيع موتورات تستخدم أقل طاقة ممكنة مما يقلل من التلوث ويزيد الإنتاج، وبالتإلى فهناك آلاف التجارب التى يقوم بها العلماء فى المحطة الفضائية الدولية لتعود بالفائدة المباشرة على كوكب الأرض. بعد أكثر من عشر سنوات فى ألمانيا.. ما السبب الرئيسى فى التقدم الكبير الذى حققته ألمانيا على جميع المستويات؟ أعتقد أن السبب الأول هو تطبيق القانون بمنتهى العدالة على الجميع، وتبنى نظرية الثواب والعقاب، وأن الناس هناك تعمل بضمير، فضلا عن أن الشعب الألمانى لا يهتم بالمظاهر، فأكبر شقة هناك مساحتها لا تتعدى 100 متر، فأنا عن نفسى تزوجت فى شقة 33 مترا، وكانت مناسبة جدا، بالإضافة إلى أن الشباب هناك لا يشغله شىء سوى نجاحه وتقدمه فى عمله، فهم ليس لديهم هوس الماركات العالمية والملابس والسيارات، ومعظمهم يذهب إلى عمله بالدراجات توفيرا للمصاريف والطاقة. وهل لمستوى التعليم عندهم تأثير على ما بلغوه؟ مما لاشك فيه أن التعليم عامل مهم ولكنه ليس الرئيسى، وإنما الأهم منه الوعى باحتياجاتنا الحقيقية، لأنه مهما كان مستوى التعليم الذى نحصل عليه جيدا فهو لا يمثل فى النهاية سوى 20% فقط من النجاح فى الحياة، وال 80% الأخرى متوقفة على اجتهادنا، فأنا مثلا تلقيت تعليمى فى مدرسة عمر بن الخطاب، وهى مدرسة تجريبية عادية جدا، وكنت من أوائل الثانوية العامة،والتحقت بالجامعة الألمانية بمنحة، وسافرت إلى ألمانيا بمنحة أيضا بسبب تفوقى فى الكلية، وهناك اجتهدت حتى أحقق حلمى لدرجة أننى أعمل لمدة 16 ساعة فى اليوم، ما بين التجهيز للدكتوراه فى ديناميكا أنظمة الطيران والتدريبات التى نتلقاها استعدادا للرحلات التى سنقوم بها خارج الغلاف الجوى، وعملى فى وكالة الفضاء الألمانية، ولولا ذلك لما أصبحت أول رائد فضاء مصرى فالطريق ليس مستحيلا ولكنه يحتاج إلى اجتهاد ومثابرة وإصرار على النجاح. آلا توجد فرصة لإلقائك محاضرات يستفيد منها الشباب المصرى؟ لقد قمت بذلك بالفعل، ففى كل إجازة أقضيها بمصر أخصص جزءا منها لإلقاء محاضرات فى المدارس والجامعات، كما أنى أبحث عن المتفوقين لأساعدهم وألقى لهم الضوء على الطريق، وقد كان من الطلبة الذين سيسافرون معنا قريبا طالبة من أوائل الثانوية التحقت بالجامعة الألمانية بمنحة وهى تستعد الآن للسفر معنا إلى ألمانيا لتبدأ تدريبا هناك، وأنا دائما أقول للشباب إنه أيا ما كان مستوى التعليم والدعم والبيئة من حولك ومهما كانت الظروف جيدة لن يحدث التقدم مالم تجتهد أنت وتعمل على نفسك وإلا نصبح وكأننا نضرب أرقاما كبيرة فى صفر والعكس صحيح، فممكن لشاب بسيط بأقل إمكانيات متاحة أن يصبح واحدا من أهم علماء العالم، ونحن لدينا أمثلة كثيرة على ذلك، مثل الدكتور زويل والبروفيسور مجدى يعقوب. هل توجد علاقة عكسية بين النجاح والظروف الاقتصادية الصعبة؟ هناك علاقة بالتأكيد، ولكنى لست ممن يبررون الفشل بالظروف الاقتصادية الصعبة، فالإنسان مهما تكن ظروفه قادر على تخطيها شرط أن يحدد هدفه من البداية ويمتلك الإرادة للوصول إليه. من أهم عوامل النجاح ربط الدراسة بالهواية.. هل تتفق مع هذا الرأى؟ أتفق جدا، فمن الصعب على أى إنسان النجاح بمجال هو لا يحبه من الأساس لأنه لن يبدع فيه، لذا فأنا أرى أن الآباء الذين يفرضون على أبنائهم دراسة أو كلية معينة يرتكبون جريمة يستحقون عليها السجن، لأنهم يقتلون قدراتهم وإبداعهم وطموحهم، وبالتإلى فالآباء - فيما يتعلق بالتعليم تحديدا - عليهم فقط النصيحة ولكن القرار لابد أن يترك للأبناء.