تناولنا بالمقال السابق الدور الطليعى لمصر فى التعامل مع القاطرة البخارية والسكك الحديدية التى هيمنت على أنشطة البشر قرنين من الزمن وكان لمصر السبق قبل غيرها من العديد من الدول، وانتهينا إلى ما أحيته القيادة السياسية فى مصر بعودة الروح لمشروعات ربط بلاد الفراعنة بدول الجوار بشبكة السكك الحديدية على وجه الخصوص السودان . اتفق بالفعل الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس السودانى عمر البشير على انجاز هذا المشروع فى المستقبل القريب،ولقد زار وفد مصرى متخصص الخرطوموأديس أبابا للتباحث والتنسيق لتنفيذ مشروع شبكة سكك حديدية إفريقية ضخمة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة فيكتوريا والمحيط الهندى. يواجه هذا العمل الجبار تحدياتٍ فنية عديدة مثل اختلاف عرض الخط الحديدى القاهرة- أسوان - الخرطوم المقترح الجديد المخصص لقطارات فائقة السرعة والذى يتوافق مع عرض الخط المصرى الدولى العادى 1٫435متر، الخط الجديد لربط الخرطوم بواد مدنى مركز إقليم الجزيرة المعروف بزراعة أنواع متميزة من القطن وقصب السكر مصمم للعرض الدولى المذكور وسيمتد إلى حدود إريتريا التى ما زالت تعتمد العرض الايطالى القديم1٫950متر،أما الخط الحديدى الذى بدأ إنشاؤه منذ قليل لربط العاصمة أسمرة الجميلة فى منطقة جبلية خلابة ب أديس أبابا فسيسير على قضبان ذات العرض الدولى أيضاً. بدأت الصين تنفيذ مشروعات ضخمة فى مجال السكة الحديد فى إثيوبيا ومد خطوط عرض دولى متعددة فى إطار شبكة إفريقية تشمل جيبوتى وكينيا وأوغندا وتنزانيا وربما الصومال لو استقرت الأمور وعاد إليها الهدوء والأمن، ستتحول كل الخطوط فى الدول المذكورة ذات العرض الضيق إلى خطوط العرض الدولى أو ستزود بقضيب ثالث للسماح بتسيير العربات والقاطرات ذات العرض الدولى. تستعد مصر للوفاء بمسئوليتها المستقبلية كدولة مركزية فى الشبكة الحديدية الكبيرة الناشئة. ولقد أكد الدكتور إبراهيم الدميرى الأستاذ فى الجامعة الألمانية بالقاهرة ووزير النقل السابق فى ثلاث حكومات سابقة والخبير فى السكك الحديدية:«نحن نحتاج إلى جانب الشبكة الحديدية الحالية إلى خطوط جديدة لقطارات السرعة الفائقة تسير ب 350 كم فى الساعة بمحركات كهربائية بدلاً من الوقود السائل، الأمر الذى يوفر لنا ثلث تكاليف الطاقة ويختصر وقت الرحلات إلى الثلث فى المسافات الطويلة. «سكة حديد السلام التى بدأ بناؤها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك تعبر قناة السويس باتجاه العريش ورفح على حدود قطاع غزة وإسرائيل وتمتد إلى مناطق أخرى فى شبه جزيرة سيناء، مع العلم أن العمل جار حالياً فى شق ثلاثة أنفاق للسكك الحديدية تحت قناة السويس، مما يبشر بتنفيذ خطة متكاملة لتجديد وتحديث السكة الحديد فى مصر. أما محاولات بناء جسر دولى للسكة الحديد والسيارات عند مدخل خليج العقبة فى مضيق تيران لربط المملكة العربية السعودية بجمهورية مصر العربية فمن المحتمل أنه ستنفق مصر والأردن على ربط البلديْن عن طريق نفق للسكك الحديدية بين طابا والعقبة ميناء المملكة الأردنية الهاشمية.الخط الحديدى الضيق العرض الممتد من العقبة إلى العاصمة عمان ودمشق سيتم تحويله بسهولة إلى العرض الدولى للقضبان مع امتدادات مهمة إلى المملكة العربية السعودية والعراق والخليج.ان فوائد مثل هذه الخطوط العابرة للحدود كبيرة للغاية، مما دفع عضواً مرموقاً من مجلس نواب العراق إلى المطالبة بصوت عال للتحرك:مستحيل إعادة بناء العراق وسوريا بعد خراب الحرب بدون شبكة سكك حديدية. جهود الصين المتزايدة لدعم مشروعاتها الضخمة لربط مناطقها الصناعية بوسط وغرب أوروبا بواسطة خطوط حديدية تتوافق تماماً مع خطط مصر والدول الإفريقية، حيث اتخذت بكين فعلاً المبادرة وبدأت الاتصال بالحكومات العربية والأفريقية المعنية لأنها تهدف إلى إنشاء خط سكة حديد رئيسى على أعلى مستوى من التكنولوجيا لربط التجمعات الصناعية فى كل أنحاء الصين بالشرق الأوسط العربى وإفريقيا تجارياً وفنياً وكذا تنمية العلاقات مع دولة ال ألف والأربعمائة مليون نسمة فى كل المجالات.مشروع «قضبان الحرير» كما يطلق عليه المتخصصون يتلخص فى إنشاء»مسار سكة حديد رئيسى حديث مماثل للخط الحديدى الكبير الذى يربط الصين بأوروبا وإن لم يكتمل بعد، على أن يمر هذا الخط جنوبى طريق الحرير التاريخى ماراً بدول القوقاز والعراق وسوريا والأردن ومصر وسيمتد إلى ليبيا وتونس فى مرحلة لاحقة،يتمتع قطاع القاهرة -الخرطوم - أديس أبابا مع عدد من دول شرق ووسط إفريقيا باهتمام خاص من قبل أصحاب القرار فى الصين الذين يرغبون فى ضم ليبيا الغنية بمصادرها الطبيعية أيضاً إلى دائرة نفوذها التجارى بأى وسيلة على افتراض أن مصر عامل مساعد مناسب فى هذا الموضوع، لأن وجود روابط سكك حديدية مباشرة بين مصر وليبيا يأتى بثمار قيمة للطرفيْن. كان الزعيم الليبى معمر القذافى قد أُعْجِب بعد عشرات السنين من التردد بالسكة الحديد مرة واحدة بفضل قطار فاخر من إنتاج شركة فيات أهداه له رئيس الوزراء الايطالى سيلفيو برلوسكونى آنذاك، استمتع القذافى بركوب هذا القطار مع أن طول الخط الحديدى فى طرابلس لم يزد على 16 كيلومترا وقال للهر فولكهارد ويندفور فى لقاء صحفى خاص «طول الخط لا يعنى شيئاً الآن ولكنى سأركب القطار الهدية مستقبلاً لزيارة القاهرة ودمشق، فالسكة الحديد مستقبلنا، ثم دعاه وبعض أعضاء جمعية المراسلين الأجانب بالقاهرة إلى ركوب قطاره لمسافة ال 16 كيلومترا جنوبى طرابلس. نحن لا نستبعد أن قطار برلوسكونى قد يتحرك فى يوم من الأيام وينقل ركابه إلى مدن مختلفة، أما القاهرة فهى تنتظر ما سيأتى به عصر السكة الحديد الجديد. بقى أن نشير إلى أن النهوض بمرفق السكة الحديد وهو المرفق الأهم استراتيجياً والذى يمكن وصفه بأنه غنى فى أملاكه فقير فى إيراداته- بما يحقق الطموحات القومية المنعقدة عليه يؤهله من حيث الجدوى والعائد ليصبح المشروع القومى الأول من ناحية،ومن الناحية الأخرى يضع مصر عما قريب على نقطة تقاطع للسكك الحديدية بين الشرق والغرب. لمزيد من مقالات د. م نادر رياض