الأمن يكشف حقيقة فيديو إطلاق أعيرة نارية احتفالًا بفوز مرشح بانتخابات النواب 2025 بأسيوط    ترامب خلال لقائه نتنياهو: نعمل على تسريع المرحلة الثانية من خطة غزة.. وإعادة إعمار القطاع ستبدأ قريبا    ترامب خلال لقائه نتنياهو: نزع سلاح حماس شرط أساسي لإنجاز الاتفاق سريعًا    التشكيل الرسمى لمباراة مالى ضد جزر القمر بكأس أمم أفريقيا 2025    طارق مصطفى يقترب من القيادة الفنية للزمالك بعد فسخ عقده مع أهلى بنى غازى    برشلونة يضع فلاهوفيتش على راداره من جديد لتعويض رحيل ليفاندوفسكي    تشييع جثامين أب وأبنائه الثلاثة ضحايا تسرب الغاز في المنيا (صور)    هدى رمزى: أنا مش محجبة ومعرفش الشيخ الشعراوى خالص ولا عمرى قابلته    مستشفى الفيوم العام يجري جراحة دقيقة لكسر بلقمة فك مصاب في حادث سير    هيفاء وهبي تطرح ألبوم «ميجا هيفا 2»    الذهب يهبط 105 جنيهات لعيار 21 بسبب ارتفاع الدولار    وزير الثقافة يُعلن إقامة النسخة الثانية من "عيد الثقافة" بدار الأوبرا 8 يناير    بالبدلاء.. منتخب مصر المتأهل يكتفي بنقطة أنجولا في كأس أمم أفريقيا    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    مفتي الجمهورية: القضاء المصري يُمثِّل أحد أعمدة الدولة المصرية وحصنًا منيعًا للعدل    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    محمد إمام: أحمد شيبة وعصام صاصا هيغنوا تتر مسلسل الكينج في رمضان 2026    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    عام التقاط الانفاس!    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    الشيخ خالد الجندي: عقوق الوالدين له عقوبتان فى الدنيا والآخرة    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    "الزراعة" تنفذ 8600 ندوة إرشادية بيطرية لدعم 100 ألف مربي خلال نوفمبر    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    موسكو: إحباط هجمات أوكرانية في خاركوف وسومي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    محللة سياسية: نظرة على فرص إيران الضائعة في آسيا الوسطى    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    الجيش الصينى يعلن عن تدريبات عسكرية حول تايوان فى 30 ديسمبر    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أصول الشخصية الوطنية المصرية‏(2)‏

مع زمن الفتح العربي الإسلامي لمصر كان المصريون قد فقدوا الشعور بمصريتهم‏;‏ وصاروا في العصر الاسلامي لا يعون أنهم أصحاب قومية خاصة‏. لأنهم قد صاروا- في ظل المسيحية, وبخاصة في ظل الإسلام- يميزون بين الناس علي أساس عقيدتهم الدينية قبل كل شئ, كما زعم الدكتور صبحي وحيدة في كتابه في أصول المسألة المصرية.
لكن طاهر عبد الحكيم في كتابه عن الشخصية الوطنية المصرية يجتهد في قراءته لتاريخ مصر المسيحية; فيختلف مع الرأي السابق للدكتور صبحي وحيدة ويتفق مع رأي حسين فوزي في سندباد مصري, ويسجل أن تحول المصريين عن دياناتهم القديمة إلي المسيحية كان شكلا من أشكال المقاومة ضد الظلم الاجتماعي, ومظهرا من مظاهر المقاومة الوطنية ضد الحكم الأجنبي. فقد كان المصري في أسفل السلم الاجتماعي يعلوه اليهودي, والإغريقي يعلو اليهودي, والروماني يعلو الجميع, وكلهم كانوا ينظرون إلي المصري باحتقار!! فجاءت الكنيسة المصرية لتقدم بأساقفتها ورهبانها القيادة الوطنية المفتقدة, ولتقدم إطارا مذهبيا للصراع ضد الرومان كمحتلين وكمستغلين. فكانت حملات الاضطهاد التي وصلت إلي ذروتها في عهد دقلديانوس الذي عرف باسم عصر الشهداء.
ويورد عبد الحكيم ما خلص اليه المؤرخ والمستشرق الغربي كريستوفر داوسون من أن الكنيسة المصرية كانت تمثل القومية المصرية, وأنه إذا كان علي رأس الطبقات الحاكمة أسياد أجانب جلسوا علي عرش فرعون, فإن المصريين كان لهم بطريركهم الذي يتزعم الكنيسة المصرية, والذي تلتف حوله جميع القوي الوطنية المصرية. وقد برز نضال الكنيسة المصرية في الانتفاضات الشعبية والفلاحية التي قادها الرهبان, والتي اتسع مدي إحداها حتي تحولت إلي ما يشبه الثورة الشاملة. لكن عبد الحكيم يقترب مجددا من الاتفاق مع صبحي وحيدة, إذ يؤكد أنه رغم كل ما أنجزته هذه الثورة في مجال تأكيد الشخصية الوطنية المصرية, فإنها لم تتجه اتجاها جديا لطرد المحتلين, واكتفت بأن أصبحت الكنيسة المصرية وكل ملحقاتها إطارا قوميا للمصريين; يحفظ لهم شخصيتهم القومية المتميزة والمستقلة عن الحكام الأجانب ويحصنهم ضد نفوذ وتأثير حضارتهم الأجنبية.
وقد عاد الصراع فتجدد بين الكنيسة المصرية وسلطات الاحتلال الرومانية( البيزنطية) حينما حاول الإمبراطور هرقل فرض صيغة مذهبية توفيقية وأرسل قورش كحاكم وكبطريرك في آن معا كي يفرض المذهب الجديد بالقوة. وفي مواجهة مسعي هرقل جمع البطريرك بنيامين الإكليروس والشعب ونظم أمور الكنيسة الوطنية من بعده, وأوصي الجميع بالمقاومة حتي الموت, ثم نزح إلي الصحراء ليقود المقاومة من مخبئه هناك. وبعد عشر سنوات من المقاومة بقيادة بنيامين, ومع القمع والاضطهاد علي يد قورش, جاء عمرو بن العاص بجيشه العربي الإسلامي لفتح مصر. ويري عبد الحكيم أن الكنيسة القبطية قد لعبت بدرجة ما نفس الدور الذي قام به كهنة آمون من قبل في نهاية العصور الفرعونية; حينما رحبوا بالإسكندر لتخليصهم من الفرس, ونصبوا بطليموس الأول فرعونا من نسل الآلهة في مقابل المحافظة علي أملاكهم ورد ما نهبه الفرس منها. ففي مقابل تعهد عمرو بن العاص بتأمين الكنيسة القبطية علي مصالحها وأملاكها وحقوقها الدينية قرر كبار رجال الكنيسة الاتفاق مع العرب, وعاد البطريرك بنيامين من مخبئه في الصحراء.
وفي قراءته لتاريخ مصر الإسلامية يسجل عبد الحكيم أنه خلال السبعة قرون الأولي بعد الفتح العربي الاسلامي كانت الغالبية العظمي من المصريين قد تحولت من المسيحية إلي الإسلام, واضمحلت اللغة المصرية( القبطية) لتحل محلها اللغة العربية. وتوالت علي مصر دول عديدة, استقل بعضها بمصر, وشهد بعضها ازدهارا في التجارة والحرف والزراعة, وجلب سياسات بعضها خرابا ودمارا اقتصاديين وأوبئة ومجاعات. وكان لبعضها أمجاد عسكرية في صد غارات الصليبيين والمغول, وجعل بعضها من القاهرة عاصمة لإمبراطورية واسعة, وانحط بعضها بمصر إلي مستوي الولاية التابعة, أو أنزلها إلي درك من التفسخ والتحلل. ولكن تظل هناك حقيقة أساسية وهي أن كل حكام هذه الدول كانوا من غير المصريين في كل جهاز الدولة العسكري والإداري, مع استثناءات محدودة.
وبدءا من الفتح العربي الإسلامي لمصر مر نحو ألف عام لم تتبلور خلالها أي قيادة وطنية مصرية, باستثناء قيادات الانتفاضات والتمردات الفلاحية, التي بقيت أهم مظهر من مظاهر استمرارية الشخصية الوطنية المصرية, إلي أن ظهرت فئة علماء الأزهر كقيادة وطنية في النصف الثاني من القرن السابع عشر. ويري عبد الحكيم وبحق أن الفترة من الفتح العربي الإسلامي وحتي ظهور حركة علماء الأزهر قد شكلت صعوبة خاصة أمام الباحثين المصريين, الذين انقسموا إزاءها إلي مدرستين. مدرسة تؤكد استمرارية التاريخ المصري, وتزعم أحيانا أن مصر الحديثة لا تزال فرعونية في الجوهر, وأن ما طرأ عليها من تغييرات لم يمس إلا القشور. ومدرسة ثانية تذهب أحيانا علي حد الزعم بأن مصر العربية الإسلامية- أو علي الأقل مصر الحديثة- مقطوعة الصلة بما قبلها.
ومن القائلين بفرعونية مصر الدكتور محمد حسين هيكل, الذي طالب في مقدمة كتابه تراجم مصرية وغربية بدراسة تاريخ مصر كتاريخ مستقل لأمة مستقلة, ومريت بطرس غالي الذي دعا في كتابه سياسة الغد إلي دراسة موحدة للتاريخ المصري من أوله لآخره, وإيجاد الصلة بين عصوره التي تكون سيرة واحدة لأمة واحدة, والدكتور طه حسين, الذي رأي أن ثقافة المصريين امتداد للحضارة اليونانية الرومانية, كما سجل في مستقبل الثقافة في مصر, وفي المقابل رأي أحمد حسن الزيات مؤسس مجلة الرسالة أن مصر المعاصرة تقوم علي ثلاثة عشر قرنا من التاريخ العربي نسخت ما قبلها, وأعلن الدكتور عبد الوهاب عزام أن أركان الثقافة المصرية الحديثة عربية; سواء من ناحية الأدب أو التاريخ أو الفكر أو المثل العليا.
وابتداء من خمسينيات القرن العشرين بدأت تظهر محاولات فكرية تعكس قدرا من الحيرة مصدرها الإقرار بأن تعريب مصر وانتشار الإسلام فيها قد أحدثا انقطاع في التاريخ المصري, من جهة, والإقرار باستمرارية التاريخ المصري, من جهة أخري. وهكذا, سجل صبحي وحيدة أن المصريين بعد الفتح العربي تغيروا ماديا ومعنويا إلي حد ذهب بكثير من معالم حضارتهم وشعورهم بوحدتهم كأمة وأنهم لم يعودوا يعون أنهم أصحاب قومية خاصة. لكنه عاد فاستدرك قائلا إن هذه التغيرات لم تقض علي مقومات الوحدة القومية المصرية; لأنها مقومات طبيعية, وهي بذلك أزلية لا تتحول!! وسجل حسين فوزي أن تعريب مصر ودخول الإسلام فيها قد أحدثا تحولا كاملا في حياة مصر فصلها فصلا تاما عن تاريخها السابق علي الفتح الإسلامي, وأن المصري المسلم ينظر إلي الإسلام كأساس لحضارته, ويعتبر العصور السابقة علي الإسلام كأنها تاريخ شعب آخر انتهي أمره. لكنه عاد فأكد أن الشعب المصري اليوم هو نفس الشعب منذ ستة آلاف سنة!! وللحديث بقية.
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.