يبدو أن الدكتور طارق شوقى وزير التعليم رائد مشروع تطويره سيظل يصدمنا باقتراحاته وقراراته التى لم يتضح لها أى نهاية حتى الآن .. ويبدو أيضا أن شبح الثانوية العامة برعبه سيظل يطارد أولياء الأمور الذين لا يزالون يتكالبون على حجز أماكن لأبنائهم فى مراكز الدروس الخصوصية التى يجرمها القانون طالما ظلت مدارس الوزارة على حالها، وطالما ظل القائمون عليها يناقضون أنفسهم على أرض الواقع إذ إنهم يشترطون حضور الطلاب 85% على الأقل من الأيام الدراسية للسماح لهم بأداء الامتحان، غير أن الواقع يكشف عن أن المبانى المدرسية خاوية تماما من الطلاب وأن الحضور مقصور على بعض العاملين فيها بخاصة فى المدن وعواصم المحافظات، أما فى الأقاليم والأماكن البعيدة عن عيون المسئولين فإن أفنيتها أصبحت أقرب إلى أن تكون مزرعة للقطط والكلاب الضالة ..! آخر ما توصل إليه الدكتور شوقى هو اقتراحه إجراء تعديلات على قانون التعليم الحالى تسمح باستثناء الطلاب الموهوبين من الحاصلين على الثانوية العامة من تنسيق القبول بالجامعات، بما يتيح للطالب كامل الحرية لاختيار الكلية التى يرغب فى الالتحاق بها دون التقيد بالمجموع ..! واقع الحال يؤكد أننا عانينا طوال سنوات عدة من نظام التنسيق والذى كان من نتائجه استقبال خريجين يكشف مستواهم العلمى عن أنهم أضاعوا من عمرهم نحو 4 أو 5 سنوات فى دراسة لم تتفق إطلاقا مع ميولهم وتوجهاتهم العلمية، وأن الدافع إلى الالتحاق بها كان مجرد استثمار مجموع درجات عالية حصلوا عليها سواء بالغش أو بالصدفة دون أن يكون هذا المجموع معبرا عن قدرات خاصة لهؤلاء الطلاب .. وهو ما لا تغيب نتيجته عن أعيننا جميعا ..! وعلى الرغم من معاناتنا الشديدة من نظام التنسيق الحالى إلا أنه وللحق يمثل صورة من المساواة الملموسة بين الطلاب الذين يبحثون عن مستقبل أفضل .. غير أن تعديلات الدكتور شوقى تنسف هذه المساواة تماماً .. إذ اختار تعبيرا مطاطيا للغاية وهو «الموهوبين» دون أن يضع أى معايير يمكن من خلالها تحديد الطالب الذى يعد موهوبا أو ما هى المجالات التى تُحسب على أساسها تلك الموهبة بمعنى هل هى موهبة فنية أو رياضية أو علمية ؟!! وإذا كنا بالفعل فى حاجة إلى إجراء تعديلات قانونية على قانون التعليم الحالى فإنه يجب أن تتركز هذه التعديلات على طريقة القبول بالجامعات، بحيث لا يعتمد على المجموع التراكمى، للطالب كما يخطط الوزير، ولكن من خلال مجموع المواد المؤهلة للالتحاق بالكليات المختلفة بديلا عن هذا التعريف «الموهوبين» الذى يفتح الباب أمام الفساد وتسلل غير المستحقين إلى كليات القمة المتعارف عليها، وبما يضمن صياغة قانون بشكل يتواكب مع منظومة التعليم الجديدة التى نستهدف تحقيقها ودون إهدار المواهب المبدعة من الطلاب . وإذا كانت نظرية «الموهبة» قد أثبتت نجاحها بصورة مبهرة فى بعض نظم التعليم فى الدول الأخرى إلا أنها لا تعنى أن تنجح فى مجتمعنا باعتبار أن لكل مجتمع خصوصياته .. ف«العبقرية» ليست فى نقل تجارب الآخرين دون ضمان نجاحها، إنما فى اكتشاف خصوصية المكان وما يلائمه ويتوافق معه ويحقق التطور المنشود .. فلابد أن تكون هناك معايير صارمة ومحددة لهذا المفهوم حتى لا يمثل غياب هذه المعايير إهدارا للمزيد من الوقت دون تحقيق أى تقدم فى قضية التعليم ..! وللحق أعترف بأننا قد اكتشفنا بعد فترة طالت بعض الشيء أن امتحانات الثانوية العامة بشكلها السابق - قبل تطبيق نظام البوكليت الذى ابتكره وزير التعليم أو نقله من تجارب دول أخرى - لم تكن مقياسا للتفرقة بين طالب مجتهد وآخر غيره، إذ كان الجميع يتساوون فى النهاية بعد أقل من نصف ساعة من بداية الامتحان .! كانت مجرد دقائق قليلة تمضى من وقت الامتحان لتبدأ شبكات التواصل الاجتماعى مهمتها فى نقل الإجابات النموذجية إلى الطالب فى لجنته، ليقتصر دوره فى هذه الحالة على إعادة نقل ما يراه على شاشة الموبايل إلى مادة مكتوبة فى كراسة الإجابة التى تظل ناصعة البياض إلى أن يتلقى إشارة بأن الإجابة وصلت بسلامة الله إليه!!. ولأن الموضة هذه الأيام هى الدعوة إلى التفكير خارج الصندوق ..وإذا أصر الوزير على إخفاء المعايير المطلوبة لتحديد من هم الموهوبون الذين يحق لهم الالتحاق بالجامعة بصرف النظر عن مجموع درجاتهم , فإننى أقترح أن يقتصر دور مكتب التنسيق فى هذه الحالة على تنظيم إلحاق الطلاب بالجامعات من خلال: إما توزيعهم على الكليات وفق وزن الطالب أو طوله أو هيئته، وإما ب «القرعة» تطبيقا لمبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع، وتحقيقا لمبدأ «الشفافية» التى أدمنا جميعا التشدق بها، وبحيث لا تفرض على أى كلية جامعية زيادة أعداد المقبولين بها، إذ سيقتصر إجراء هذه القرعة فى العام التالى على من لا يسعده الحظ فى الفوز بها أول مرة ! . لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش