لمواجهة قضية الوحدة التى يعانى منها أكثر من 9 ملايين شخص فى بريطانيا، أى 10% من إجمالى السكان، قررت الحكومة تجريب مبادرة جديدة تقوم على الاستفادة من «ساعى البريد» ،حيث تتمتع بريطانيا بجيش من سعاة البريد مؤلف من 125 ألف رجل وامرأة. ووفق المبادرة، التى طبقت فى مناطق فى بريطانيا لإختبار فاعليتها قبل تعميمها، طلب من سعاة البريد التعرف على كبار السن المعزولين والاطمئنان عليهم أثناء جولاتهم الصباحية. كما سيسألون، خلال تسليم البريد الصباحي، مجموعة من الأسئلة لجمع المعلومات عن السكان الأكبر سناً، وإعطاء قاعدة البيانات التى حصلوا عليها إلى المؤسسات الخيرية أو السلطات المحلية فى الحى لتحليل المعلومات وتحديد ما يجب فعله. والهدف من ذلك هو ربط المسنين الذين يعانون الوحدة بخدمات الدعم التى تقدمها الدولة أو المؤسسات الخيرية، أو إبلاغ أفراد عائلاتهم وحضهم على تقديم المساعدة. ولا يحتاج سعاة البريد للقيام بهذه المهمة سوى تدريبات أساسية على الإسعافات الأولية قبل المشاركة فى البرنامج، وسيتم التقييم الأول لهذه المبادرة فى يونيو 2019. هذه الخطوة هى واحدة من عدة إستراتيجيات حكومية للحد من تفاقم «وباء الوحدة»، فنحو 51% ممن تجاوزت أعمارهم السبعين عاماً يقولون إنهم يعانون من وحدة دائمة، ويقول غالبيتهم إنهم يقضون أسابيع بدون التحدث إلى أحد، أو أى تواصل اجتماعى من أى نوع. كما أن نحو 30% من الأمهات الجدد، يقلن إنهن يشعرن بوحدة قاتلة، وثمانية أشخاص من كل 10 من الذين يقومون برعاية شخص مريض يقولون انهم يعانون من الوحدة. باختصار، من كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، إلى الأمهات الجدد والأمهات المضطرات للبقاء فى المنزل لرعاية اطفالهن، مروراً بالشباب فى العشرينيات الذين تركوا منازل أسرهم لشق طريقهم فى مدن مهرولة واقتصاد ما زال يئن، تعانى شرائح واسعة من الأوروبيين من الوحدة والعزلة. لكن «الوحدة» ليست مشكلة اجتماعية فقط، بل هى مشكلة اقتصادية-سياسية وصحية أيضاً.فالوحدة تؤدى إلى تدهور الحالة العقلية والجسدية، والموت المبكر، والخرف وضعف الذاكرة والاكتئاب وأمراض القلب والسكر، والمؤسسات الحكومية والخيرية التى تنشيط لمكافحة الوحدة تقول إنها «خطر صحى أفدح من السمنة والتدخين». وتظهر الإحصاءات أن كبار السن الذين يعيشون بمفردهم ترتفع معدلات الموت المبكر بينهم بنسبة 30%، وتقدر السلطات البريطانية تكلفة «وباء العزلة» بنحو 6 آلاف جنيه استرلينى للفرد الواحد، هى تكاليف العناية الصحية والخدمات المحلية مثل حافلات الرعاية المجتمعية، وتشير دراسة ل «مدرسة لندن للاقتصاد» إلى أنه مقابل كل جنيه تنفقه الدولة للوقاية من العزلة، توفر 3 جنيهات يمكن أن تنفق لاحقاً لعلاج آثارها الصحية والنفسية.