جامعة الدول العربية يمكن أن تلعب دورا مهما جدا فى دعم جهود التسوية السورية. أعتقد أن سحب تلك المنظمة لعضوية سورية كان خطأ كبيرا، ويبدو أن العالم العربى بات يعى الآن أهمية إعادة سوريا إلى أسرة الدول العربية. هذه العبارة جزء من كلمة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى مؤتمر حوار المتوسط الذى عقد الجمعة الماضى فى العاصمة الايطالية روما. ولعلها أوضح كلمة لمسئول دولى كبير عن اهمية وجود بعد عربى فى الازمة السورية افتقدت اليه كثيرا مما سمح لقوى دولية وإقليمية ان تتوغل بحق او بغير حق فى الشأن السورى. الحاجة الى بعد عربى يمثل ضرورة سواء لسوريا او للدول العربية جميعها بغض النظر عن الاختلافات القائمة بين هذا الطرف او ذاك. يمكن القول إن هناك مؤشرات إيجابية على أن حوارا يجرى بين بعض العواصم العربية بشأن استعادة الحكومة السورية مقعدها فى الجامعة العربية، كما أن هناك خطوات مهمة اتخذت بالفعل من قبل دول عربية أكدت أن هناك تفهما جديدا ومختلفا عن ذى قبل بشأن سوريا ودورها وطبيعة الحل السياسى المطلوب ودور الرئيس الأسد فى المرحلة الراهنة وكذلك المرحلة المقبلة. هذه المؤشرات لا تنفصل أيضا عن الموقف الأمريكى الذى أوضحه المبعوث الخاص لسوريا السفير جيمس جيفرى قبل أيام معدودة بأن سياسة بلاده لا تستهدف إسقاط نظام الرئيس الأسد، وانما فقط تغيير سلوكه ووجهته. وهو موقف يمكن أن يتقاطع مع مواقف العديد من الدول العربية لاسيما تلك التى طالبت قبل عدة سنوات بأن يتغير النظام السورى كلية وأن يشهد اشخاص من المعارضة على قمة القيادة. ومثل هذه المطالب اصبحت الآن من الماضى. الكل يتفهم أن التوازن على الأرض، بفعل المساندة الروسية والدور الإيرانى أصبحت لصالح النظام السورى وبقائه. لا تقف المساندة الروسية على الفعل العسكرى، فموسكو تقوم بدور مهم لتحقيق تسوية من خلال آلية سوتشى التى تعكس تفاهما روسيا ايرانيا تركيا يخصم عمليا من جهود الأممالمتحدة وعملية جنيف التى قادها المبعوث الدولى ديمستورا الذى ينتهى عمله فعليا نهاية هذا الشهر. وفى آخر تصريحاته ذات الدلالة أنه يمكن التغاضى عن وضع دستور سورى جديد، وهى المهمة التى فشل فى انجازها خلال الأشهر الستة، مما يوفر فرصة أكبر للجهود الروسية التى تطمح فى تشكيل لجنة إعداد الدستور السورى بشكل مختلف عما استهدفه ديمستورا من قبل، وهى لجنة ستكون أكثر تمثيلا لفئات سورية عديدة ولكنها تتقبل فكرة بقاء الرئيس الأسد بل ومشاركته فى أى انتخابات قد يُتفق على إجرائها لاحقا. معروف هنا ان الموقف السورى الرسمى يرى أن الدستور السورى المعمول به يمكن تعديل بعض مواده ويكون أساسا لسوريا الجديدة. هذه التطورات معروفة للكافة، وهنا يبدو السؤال المركزى للعالم العربى، وهو إلى أى مدى يمكن الانفتاح على سوريا وإعادة العلاقات المقطوعة معها، وهل ينبغى الانتظار حتى تتم عملية سياسية مدعومة دوليا؟ هنا تتعدد الإجابات، ونستطيع ان نفرق بين اتجاهيْن رئيسييْن؛ الأول يرى أن من الضرورى استعادة سوريا مقعدها فى الجامعة العربية وانهاء المقاطعة الدبلوماسية معها وفتح السفارات المغلقة، وأنه ليس بالضرورة الانتظار لما بعد استكمال الحل السلمى. والاتجاه الآخر يرى أن أى خطوة تجاه سوريا يجب تأخيرها حتى الانتهاء من العملية السياسية تماما. وعقدة هؤلاء أن الانفتاح على سوريا الآن يعنى التخلى عن ما يعتبرونه المعارضة المعتدلة، ومن ثم التسليم بهزيمتها السياسية جنبا إلى جنب هزيمتها العسكرية المشهودة. النقطة الغائبة فى مثل هذا الجدل غير المعلن يتعلق بغياب البعد العربى عن كل التطورات السياسية والعسكرية السابقة، وكذلك بارتفاع نبرة الشكوى من تغلغل النفوذ الإيرانى وتجرؤ تركيا على احتلال مساحات واسعة من الشمال السورى، فضلا عن الوجود العسكرى الأمريكى بحجة دعم الأكراد ضد إرهاب «داعش» والنظام الحاكم. ومن المنطقى الاستنتاج بأن مثل هذا الوضع هو نتيجة طبيعية لخروج العرب من سوريا طواعية، فهم الذين جمدوا عضوية سوريا فى الجامعة العربية وهم الذين قبلوا بتدويل الأزمة بعيدا عنهم، وهم الذين أغلقوا سفاراتهم، وبعضهم أفرط فى تأييد ودعم المعارضة السورية سياسيا ودعائيا وعسكريا، مما انتج فراغا سياسيا ومعنويا فى الداخل السورى كان الآخرون مستعدين لملئه وتحقيق مكاسب مختلفة من ورائه. ومن ثم فمن يبحث عن إعادة التوازن فى الأزمة السورية واستعادة دور عربى مفقود عليه أن يراجع كل المواقف السابقة، وأن ينتهى إلى قرار جديد وخطوة جديدة. من المهم أن تكون هناك سفارات عربية فى دمشق تعمل بكامل طاقتها، وأن تواصل التشاور والاتصالات مع المسئولين السوريين، وأن تدعم كل ما هو مطلوب للحفاظ على الدولة السورية وعلى تواصل السوريين الطبيعى مع كل أشقائهم العرب دون قيود. بعض الخطوات التى اتخذها الأردن ودولة الإمارات أخيرا تعطى إشارة مهمة على ضرورة السير فى تصحيح العلاقات العربية السورية. فقد بدأ العمل فى خط طيران مباشر بين اللاذقية وإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية، وهناك وفد إماراتى لوجستى ذهب إلى دمشق لبحث صيانة السفارة المغلقة هناك ربما لإعادة افتتاحها قريبا، وهناك اتصالات بين مسئولين لكلا الدولتين بحثوا فى أمور شتى منها عودة العلاقات وإعادة تعمير ما دمرته الحرب والدور التركى وتحفيز العملية السياسية. خطوات الأردن تصب فى الاتجاه ذاته، فبعد فتح معبر ناصبين الحدودى واستعادة التجارة والسفر لمواطنى البلدين بصورة طبيعية، التقى وفد برلمانى أردنى نظراء له فى دمشق، والوفد نفسه حمل رسالة ودية من العاهل الأردنى للرئيس الأسد، الذى رد برسالة مفادها أنه يتطلع للأمام وليس الى الخلف، والمعنى واضح، فقد فات زمن تأييد إقصاء النظام السورى بالقوة. ومن المنتظر أن تقدم دول عربية اخرى على خطوات مماثلة، وحينها يمكن للعرب أن يستعيدوا بعضا من دورهم المفقود. ولعل حوارا بين مندوبى الدول العربية فى الجامعة العربية يبحث الأمر وأهميته والخطوات التى يجب اتخاذها فى الأسابيع المقبلة، مما قد يساعد السوريين على الصمود أكثر فى وجه كل المشروعات التى تستهدف «عروبتهم» و«أمركتهم« و«تتريكهم« و«إيرانتهم» على الوجه الذى نراه الآن عيانا بيانا دون رتوش. لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب