«الرمح الثلاثى».. قوة غالبة فى الأساطير ضد قوى الشر، استخدمه “شيفا” فى الهندوسية، و”بوسيدون” فى اليونان، و”نيبتون” الروماني، وهى الآلهة التى لقبت بأنها “مزلزلة الأرض” التى تسبب فى زلازل مدمرة وعواصف وموجات مد عاتية. الرمح أو المحور الثلاثى يظهر أيضا فى عالم السياسة، ولكن على شكل تحالف بين قوى كبرى هى الصينوروسيا تحديدا، وإلى جانبهما إيران. الحلف الثلاثى يبحث عن مواطن القوة فى مواجهة جبروت وشروط العملاق الأمريكي، خصوصا فى ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذى تغلب على خطابه “لغة المصالح” التجارية والاقتصادية للولايات المتحدة، فى وقت يضغط فيه هذا تشدد واشنطن فى التعامل مع قوى كبيرة أيضا العودة إلى تشكيل التحالفات من أجل الانتصار للمصالح فى زمن «إمبراطور العقارات» السابق. إن التحدى الأكثر أهمية للنظام العالمى فى فترة ما بعد الحرب الباردة هو القوة المتنامية للدول الطموحة المعارضة للغرب، وتطمح كل من الصينوروسياوإيران فى أن تستفيد من ميزة الانعزالية أو الانسحاب الأمريكى من الساحة الدولية وإعادة تشكيل النظام الدولي. وساعدت علاقات إيران مع روسياوالصين فى تشكيل حصن ضد الجهود الغربية لعزلها، من التبادلات السياسية واتفاقات التجارة الدولية إلى التعاون العسكري، فإن التعاون الوثيق بين هذا “المحور الثلاثي” حول بعض القضايا سيكون له انعكاسات حاسمة على المصالح الأمريكية والنظام الليبيرالى الغربى الذى تتزعمه منذ صعودها على الساحة السياسية العالمية كقوة عظمى منذ عقود. الصين ردت بعدة طرق على ما اعتبرته “أكبر حرب تجارية فى التاريخ”، والتى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عليها، منها فرض رسوم بنسبة 25% على 545 منتجا أمريكيا بقيمة 34 مليار دولار، فى رد انتقامى مماثل لما قامت به واشنطن التى أطلقت الرصاصة الأولى فى هذه الحرب، كما بدأت الشركات الصينية فى اللجوء إلى خام البترول الإيرانى بديلا عن الأمريكي، حيث تبلغ الواردات النفطية الصينية من الولاياتالمتحدة حوالى 400 ألف برميل يوميا. الصين اعتبرت أن الإجراءات الحمائية التى يتخذها ترامب محكوم عليها بالفشل ووصفتها بأنها نهج قصير الأجل، وهذا ما أكده الرئيس الصينى شى جين بينج حيث قال إن “التاريخ يخبرنا أنه ليس هناك أحد يخرج رابحا من المواجهة، سواء اتخذت شكل حرب باردة أو ساخنة أو حرب تجارية”. كما أن بكين تسعى إلى تشكيل تحالفاتها الخاصة عبر إطلاق مبادرات مثل “طريق الحرير”، الذى يربط بين قارات العالم القديم، آسيا وإفريقيا وأوروبا. والاقتصاد الصيني، فى حد ذاته، الذى يعتبر ثانى أقوى اقتصاد فى العالم، يمكن اعتباره ملاذا آمنا للصين فى حربها الاقتصادية والتجارية مع الولاياتالمتحدة. أما الوضع بالنسبة لروسيا، فإنه مختلف، فالغرب عامة يسعى إلى عزلها وتركيعها سواء بالعقوبات أو الانتقادات الحادة لسياستها، خصوصا بعد حادث تسميم العميل المزدوج السابق سيرجى سكريبال وابنته يوليا على الأراضى البريطانية، وأصبح قانون «ماجنيتسكي» بمثابة عصا الساحرات التى تطارد موسكو، فأمريكا منزعجة من الوجود الروسى فى الشرق الأوسط، ومن قدرتها على النفاذ إلى منطقة النفوذ السابق للولايات المتحدة. دوامة لا تنتهى من العقوبات ضد روسيا، وقائمة اتهامات مفتوحة ضدها بداية من التجسس حتى القرصنة الإليكترونية والتدخل فى الانتخابات. وتمثل الصينوروسيا الملجأ الرئيسى لإيران فى مواجهة العقوبات الأمريكية الخانقة منذ سنوات، خصوصا بعد الجولة الأخيرة التى استهدفت قطاعى البترول والبنوك خلال الشهر الحالي. هذا التحالف الثلاثى يبحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة واشنطن، ومن بينها التعامل بالعملات المحلية، إنشاء بنوك أو مؤسسات مالية بديلة لتلك الموجودة داخل واشنطن، بالإضافة إلى اللجوء إلى تشكيل تحالفات أخرى. وهذا هو ما ظهر جليا خلال قمة “الآسيان” و”آبيك”، ففى الوقت الذى غاب فيه ترامب، كان الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين والصينى شى جين بينج حاضرين بقوة، فى دلالة قوية على الانسحاب الأمريكى من العالم.