فوضي عارمة تضرب الشارع المصري الآن.. انتهاكات بالجملة وتعديات علي الممتلكات العامة, عصابات من البلطجية والمسجلين الخطرين وعتاة الإجرام طالت أيديهم أشياء كثيرة ليست سرقات أو نهبا فحسب. بل وصل بهم الحال إلي حد السطو علي بعض المناطق وبناء المحال والأكشاك عليها ثم بيعها أو تأجيرها للمواطنين.. ولا يملك أحد حق الاعتراض.. وإذا فكر في ذلك فسوف يلقي نصيبه من الضرب المبرح إلي القتل. نماذج التعديات والمخالفات الصارخة تتكرر في كل مكان وفي العديد من المحافظات والمدن الجديدة وفي قلب العاصمة, والمدهش أن كل أجهزة الدولة عاجزة عن المواجهة.. لدرجة أن الساحة باتت خالية والقوانين أصبحت معطلة حتي وصل الأمر برئيس حي المقطم إلي الاستغاثة من عدم قدرته علي إزالة اثنين من الأكشاك أقامها الخارجون عن القانون بجانب مبني رئاسة الحي جهارا نهارا. وفي إسكان الشباب بمدينة السادس من أكتوبر حدث ولا حرج.. وتفاصيل أخري نرصدها في السطور المقبلة: بداية نشير إلي أن المخالفات المرصودة وغير المرصودة فجة وصريحة ولا ينكرها المسئولون, فأحد المحافظين قال لنا: لدي أجهزة ترصد مخالفات البناء في كل مكان ولا أملك وقف التعديات لأن بعض أصحاب هذه المباني يعملون تحت حماية البلطجية ويكون لديهم الاستعداد لمواجهة أجهزة المحافظة, فضلا عن الخوف والرعب الذي يعتري الموظفين والمسئولين عن المراقبة. ليس هذا فحسب, بل هناك تجاوزات تبدأ من الباعة الجائلين وحتي كبار المقاولين, ولا أحد يلتزم لا بالقانون ولا بالأخلاق.. وهؤلاء المخالفون والخارجون عن القانون لا يرتدعون إلا عندما تتدخل قوات أمنية كبيرة سواء من القوات المسلحة أو الشرطة, وهذا غير متاح الآن, وإلا فسوف نحتاج إلي فرقة أمنية في كل شارع. المخالفات التي تشهدها البلاد الآن لا تتوقف حتي البائع البسيط الذي كان يفرش بضاعته علي لوح خشبي أصبح يحتل الرصيف ويزرع الحوامل الحديدية في قلب الشارع بشكل دائم, بل ويضع مظلة تؤكد احتلاله للمكان, وهذا ما يحدث في شوارع وسط القاهرة( طلعت حرب وشريف وقصر النيل و62 يوليو) بكل بجاحة وتجاوز في مشهد مؤسف وبلا رادع. والنماذج كثيرة في منطقة وسط البلد التي دائما ما تبدأ من عندها حملات الدولة لإزالة المخالفات وتقف عندها ايضا تلك الحملات دون الانتقال إلي مناطق اخري تكون نماذج المخالفات فيها صارخة. وفي ميدان الجيزة وفيصل والهرم وبولاق وغيرهام حدث ولا حرج. لكن النموذج الأكثر فجاجة هو ماحدث في مشروع اسكان الشباب بمدينة السادس من اكتوبر المعروف بأبو الوفا بالحي الخامس والذي تحولت فيه معظم الشقق السكنية في الطابق الارضي إلي محال في مخالفة صارخة لنظام اسكان الشباب فقبل الثورة كان بعض السكان خاصة في الدور الارضي يفضل ان يضع حديدا حول النوافذ والشرفات لتوفير قدر من الأمن, كما يذكر محمود محمد احد سكان المشروع وكان المشرفون من الجهاز يوقعون غرامات ماليه علي هؤلاء السكان ويطالبوهم بإزالة الحديد لأنه مخالف لتنسيق المنطقة ولكن كما يصف محمود تحول الامر إلي مهزلة حقيقة فكل انواع المحال تم فتحها في هذه المساكن فهناك مخابز وسط العقارات وجزارون وبائعو طيور وغيرها من الانشطة التجارية التي تم فتحها بعد تحويل الشقق الي محال. وعلي نفس المنوال بالمقطم وفي شارع9 الرئيسي تقام الاكشاك بشكل شبه يومي حتي ان سور مبني رئاسة الحي نفسه لم يسلم من بناء كشك دون ترخيص, وفي منطقة السوق تم بناء مجموعة كاملة من الاكشاك بالطوب الأحمر وبشكل عشوائي ويتم بيعها وتأجيرها من قبل بعض الافراد دون الحصول علي تراخيص رسمية... وفي منطقة الهضبة الوسطي وتحديدا بمحيط الجامعة وشارع كلية الصيدلة وهو شارع رئيسي يربط المقطم بالطريق الدائري, وأقام مجموعة من الاشخاص المجهولين عددا من الاكشاك وتم توصيل الكهرباء لها وكادت تتحول إلي سوبر ماركت ويتم تأجيرها بمبلغ1500 جنيه شهريا تدفع لأشخاص غير معروفين لدرجة أن أحد هذه الاكشاك يقام في مواجهة شارع رئيسي وملاحق لعمارات سكنية ولا أحد يتحرك, وعندما ذهب الأهالي إلي المسئولين بالحي ألقوا بالكرة في ملعب الأمن وهكذا شأن باقي المخالفات. مشكلة التعديات والمخالفات لا تتوقف فقط علي الباعة والأكشاك ولكنها تتعدي حتي علي المتنفس البسيط الذي قلما وجد وسط المباني في وقتنا هذا وهي الحدائق الصغيرة التي تحولت جميعها الان إلي ملاحق خارجية للمقاهي والكوفي شوب التي لا يخلو منها شارع فعندما يأتي المساء تمتليء الحدائق المخصصة للمنفعة العامة بالمقاعد والمناضد الشيشة مثل احدي الحدائق في نهاية شارع306 بالمعادي الجديدة والقريبة من الطريق الدائري, ولكن الامر لا يقتصر علي الحدائق المتطرفة ففي نفس الشارع وعلي بعد عدة امتار من مبني مرور المعادي الذي تم حرقه اثناء الثورة ولم يفتح مرة اخري تحتل المقاهي الحدائق الصغيرة الموجودة في الجزيرة الوسطي للطريق! اما الاغرب والأكثر خطورة فهو انتشار المقاهي الصغيرة والباعة علي الطريق الدائري فقد تعودنا ان نري عربات حمص الشام وباعة الذرة والترمس علي كورنيش النيل وحتي علي الطريق الدائري في منطقة المنيب حيث تحتل الارصفة ايضا بمجموعة من المقاعد البلاستيكية التي يتم تأجيرها للمواطنين وهذا المشهد يتكرر في مواقف السيارات وغيرها من المناطق وهذه المواقع تمثل خطورة كبيرة علي حياة هؤلاء الباعة قبل ان تمثل خطورة علي قادة السيارات ومن يستقلونها. ذهبنا إلي اللواء خالد المعبدي رئيس حي المقطم باعتباره واحدا من الاحياء التي كانت منضبطة الي حد ما وعندما طرحنا عليه بعض نماذج المخالفات فوجئنا بالرجل يستغيث بنا ويأخذ بيدنا إلي الشباك الذي يطل من مكتبه علي شارع9 حيث يوجد اثنان من الاكشاك التي أقامها البلطجية بدون وجه حق وبدون ترخيص وتم توصيل الكهرباء اليها وهي تعمل الآن علي بعد أمتار قليلة من قسم شرطة المقطم... وهنا سألناه هل وصل الضعف بالأمن الي حد عدم القدرة علي إزالة كشك ملاصق لقسم الشرطة ومبني الحي... قال بمنتهي السرعة نعم... فالضابط أو فرد الأمن مواطن ولديه أسرة يخشي من البطش بها كما أن هؤلاء الخارجين عن القانون لا يترددون في الاعتداء علي الضباط في قسم الشرطة نفسه, فما بالك إذا فكر أحد في تطبيق القانون عليهم. واضاف المعبدي: مشاكل الاحياء مع تنفيذ إزالة المخالفات وتطبيق قانون المحليات والمعوقات البيروقراطية تبدو متشابهة في ظل غياب التنظيم عن كثير من أجهزة الدولة وقلة عدد العاملين في الاحياء, فهناك الآلاف من المخالفات الصارخة في كل مكان. ونوه إلي أن عدد الموظفين قليل بالنسبة لمساحة الحي وعدد سكانه فإذا جاء اخطار بمشكلة مايتوجه الجميع إلي هذا المكان فإذا تزامن ذلك مع مشكلة في اماكن اخري تحدث ازمة حقيقية, فعلي سبيل المثال لا يوجد سوي ضابط واحد من قوة المرافق في خدمة الحي! أما المشكلة الثانية, فهي الامكانات وعدم توافر المعدات فضلا عن البيروقراطية التي تعوق الاحياء عن تنفيذ مشروعات, ربما تسهم في حل مشكلة هذه المخالفات, فهناك اماكن كثيرة تصلح لإقامة اسواق لهؤلاء الباعة أو اكشاك ولكن نقص الامكانات المادية والبيروقراطية يقفان حائلا دون إنجاز أي عمل علي الطريقة الصحيحة الأمر يسهم في تفاقم المخالفات. ومن جانبه, رصد الدكتور محمد عبدالباقي مدير مركز الدراسات التخطيطية العمرانية وأستاذ الهندسة بجامعة عين شمس الكثير من المخالفات التي يشهدها المجتمع المصري حاليا والتي تتنوع بين مخالفات خاصة بأعمال البناء والتشييد, وأخري خاصة بإشغالات الطرق وإلقاء المخالفات في غير أماكنها, وثالثة تتعلق بالتعديات علي الأراضي الزراعية والتوسعات الرئيسية دون تراخيص, وكل هذه المخالفات المنوط بمتابعتها أجهزة الحكم المحلي والممثلة في المحافظات وإدارات التراخيص, وتلك الجهات تعاني منذ فترة طويلة فسادا إداريا وضعف الكوادر الفنية العاملة بها, ونقصا في الامكانات والمعدات وكذلك نقص في القدرات لتنفيذ مهام عملهم ويضاف الي ذلك غياب البعد الأمني وعدم تطبيق القانون علي أحد. وهذه المشكلات كانت معروفة قبل الثورة, لكنها تفاقمت حاليا, ولم تتمكن الاجهزة من فرض سيطرتها علي أوضاع العمران والنمو العشوائي, والحل في تقديري, والكلام للدكتور محمد عبدالباقي, يتطلب إعادة النظر في المنظومة كاملة بدءا من اختيار الكوادر المهنية التي تتمتع بنظافة اليد لتمنع المعاملات المشبوهة, ثم يتم تفعيل الحكومة الالكترونية التي ستعمل علي منع المعاملات المباشرة التي تسهل فرض الرشوة, وهناك أمثلة كثيرة ناجحة في دول عربية نفذت هذا المشروع مثل دبي والسعودية وسلطنة عمان التي تجري بها اجراءات التراخيص عن طريق الانترنت. ويحذر استاذ التخطيط والهندسة من التأخر في المواجهة, الأمر الذي سوف يزيد من الاعباء ويسهم في تفاقم أكبر للفساد ومن ثم يصبح تفعيل النظام وازالة المخالفات أصعب بكثير من الآن فنحن لدينا في مصر مخططات كثيرة وجيدة جدا ولكننا نفتقر إلي الادارة الجيدة للتنمية العمرانية, وهذا ماجعل بعض المدن الجديدة مدنا طاردة بالإضافة الي تعدد الجهات التي تضع المخططات فضلا عن التداخل بين اجهزة الدولة في كثير من المناطق مثل القاهرة الفاطمية وغيرها.